الدم السوري والدم التركي يتدفقان من شريان واحد

جاء في كتاب "معركة جناق قلعة" للمؤرخ التركي "أنس دمير"، أن الأتراك والعرب العثمانيون حققوا انتصارا ساحقا على جيوش الحلفاء عام 1915، وذكر في كتابه أن قائمة الشهداء حوت أسماء من مختلف مناطق العالم الإسلامي، على رأسها مدينة حلب.

ووفقا لمعلومات الكتاب، فقد قدمت مدينة حلب العثمانية 647 شهيدا، في أكبر انتصار ساحق للدولة العثمانية على الحلفاء الذين سعوا إلى احتلال "إسطنبول"، سقطوا خلال دفاعهم عن عاصمة الدولة العثمانية التي ينتمون إليها.

كما أشار المؤرخ في كتابه إلى أن مدينة حلب قدمت خلال معارك حماية قيم العالم الإسلامي وحضارته في الحرب العالمية الأولى، ما مجموعه 972 شهيدا، سقطوا في مختلف جبهات القتال. 647 منهم استشهدوا في معركة الذود عن حياض الحاضرة في "جناق قلعة"، وأن مدينة حلب قدمت خلال الحرب العالمية الأولى عدد شهداء أكبر من سكان 41 ولاية موجودة الآن ضمن أراضي الجمهورية التركية.

ولفت المؤرخ إلى أن حلب تعتبر من المدن التي قاتلت ببسالة خلال الحرب العالمية الأولى، كما أنها تأتي على رأس قائمة المدن الموجودة داخل حدود "الميثاق الوطني"، والتي بقيت بعد الحرب خارج حدود الجمهورية التركية، من حيث عدد الشهداء الذين ضحوا بحياتهم في سبيل الدولة العثمانية، والذود عن حياضها خلال الحرب العالمية الأولى وحرب الاستقلال.

واليوم يعيد التاريخ نفسه فهذا الجيش التركي البطل يبذل دماءه رخيصة لدفع البلاء عن إخوانه في حلب وادلب، البلاء الذي حل بهم على يد نمرود دمشق وحليفه مجرم الحرب بوتين والميليشيات الرافضية التي دفعت بها إيران الصفوية لقتل السوريين إلى جانب حليفها بشار الأسد.

فحين أعطى الرئيس أردوغان مهلة حتى آخر شهر شباط ليسحب نمرود الشام ميليشياته إلى ما وراء النقاط التركية، وإلى حدود اتفاقيتي آستانة وسوجي التي وقعهما مع مجرم الحرب بوتين، الذي لم يلتزم ساعة واحدة ببنود هذه الاتفاقيات، وكان طيرانه يصب حمم الموت والدمار على أهلنا في ادلب وشمال حلب ليقتل ويدمر ويشرد الآمنين من ديارهم وبلدانهم، كان أردوغان على يقين بأن النظام لن يمتثل لهذا الإنذار الأخير معتمداً على الدعم الروسي والغطاء الجوي الروسي ومرتزقة وميليشيات إيران الصفوية الماكرة.

وكانت إخفاقات اللقاءات التي جرت بين وفد روسي وآخر تركي في كل من موسكو وأنقرة لثلاث مرات، دفعت الرئيس أردوغان يجدد تحذيره في خطابه الأخير قائلاً: "نحن الآن نُصدرُ تحذيرنا الأخير، سواء في بلدنا أو في روسيا أو في الاجتماعات الميدانية، لم نتمكن من الوصول إلى النتيجة المطلوبة حتى الآن".

وحتى تثبت تركيا جدية إنذارها لمرتزقة بشار الأسد وحلفائه فقد دفعت بمئات الآليات العسكرية المنوعة إلى الأراضي السورية واحتلت مواقعها في مواجهة ميليشيات الأسد، تصحبها عشرات الفصائل المقاتلة من عناصر الجيش الوطني السوري، الذي اندفع باتجاه مواقع العدو، تحت غطاء مدفعي تركي، مسترجعا العديد من المواقع والبلدات التي خسرها في الأسابيع الماضية، وتوج انتصاراته بانتزاع مدينة سراقب الاستراتيجية؛ ليقطع الطريق على النظام المتهالك، ويطرده من هذا الموقع الاستراتيجي الذي يسيطر على تقاطع طريقي م4 وم5 (حلب دمشق وحلب اللاذقية).

واليوم 28 شباط وصل وزير الدفاع التركي، "خلوصي أكار"، وقائدا القوات البرية، الفريق "أوميت دوندار"، والجوية، الفريق "حسن كوتشوك أكيوز"، لمنطقة التماس بولاية هطاي المتاخمة للحدود السورية؛ لمتابعة تطورات الأوضاع.

جاء ذلك على خلفية هجوم لئيم جبان شنته قوات النظام السوري، بإدلب، أسفر عن استشهاد 33 جنديًا تركيا، وإصابة 32 آخرين.

القادة الأتراك توجهوا للمنطقة الحدودية عقب مشاركتهم في قمة أمنية عقدها الرئيس، رجب طيب أردوغان بالمجمع الرئاسي في العاصمة أنقرة، واستمرت 6 ساعات لبحث تطورات الأوضاع.

وحصل وزير الدفاع التركي خلال تفقده للمنطقة، وزيارته لقيادة التكتيكات التي تدير العمليات العسكرية بإدلب، على موجز حول آخر تطورات الأوضاع من العميد، "سنان يايلا" قائد الجيش الثاني، وقدم للأخير التعليمات حيال ما استجد من أمور.

تركيا أكدت على مطالبها من الضامنين روسيا وإيران أن يلتزما باتفاقيتي سوتشي وآستانا، لأن الضامن مسؤول عن استقرار وخفض التصعيد في منطقة ضمانه، وهذا ما يجب أن يحدث في إدلب، ولكن الروس والإيرانيين فعلا عكس ذلك تماماً، إذ ساهما بعمليات عدوانية ضد المدنيين السوريين في إدلب، مما أحدث تهديداً صريحاً للأمن القومي التركي.

إن الضامنَين الروسي والإيراني لم يحاولا تفهُّم المصالح الأمنية للدولة التركية، بل وضعا نصب أعينهما مصالحهما على حساب تركيا، وكذلك على حساب تدمير بيوت السوريين ومنشآتهم وقتل الآمنين منهم، وتهجير الألوف منهم خارج مدنهم وبلداتهم وقراهم، وهذا يتناقض مع بنية اتفاقات أستانا وتفاهمات سوتشي، وكذلك يعمل على خلق تهديدات جدية على مستوى الأمن القومي التركي.

إن وصف الرئيس أردوغان عمليات الجيش التركي ضد عدوان النظام السوري وحلفه الإيراني الروسي، بأنها "صراع ملحمي في سورية" وأن الجيش التركي يريد "إنهاء عدوان النظام السوري، الذي يقتضي انسحابه إلى حدود اتفاق سوتشي"، هو وصف لرؤية تحمل مدلولات رؤية استراتيجية.

إن تركيا ووفق خطاب الرئيس أردوغان يهمها ترسيخ أمنها القومي، وهذا لن يحدث في ظل استمرار عمليات العدوان التي يشنها النظام السوري على محافظة إدلب.

ولهذا قال الرئيس أردوغان إن "بلاده أنهت استعداداتها لتنفيذ الخطط العملية، وإن هذه العمليات أصبحت مسألة لحظة، وتركيا لن تترك إدلب في أيدي النظام ومن يشجعونه الذين لم يفهموا حتى الآن مدى إصرارنا".

وسوم: العدد 866