الإيمان من النظافة

رسالة المنبر ٣١-١٠-٢٠١٨م

المحاور

* الحمد لله الذي أنزل الكتب وأرسل المرسلين، الحمد لله الذي اصطفى لنا الإسلام خير دين، الحمد لله القائل: "إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ" البقرة:222

* وسلام على من رفع به الله الهمّ والحَزن ، سلام على من محا الله به الكفر والوثن ، سلام على من طهّر الله به الروح والبدن.

* في عصر مكروب ملوث براً وبحراً وجواً، وفي وقت انتشرت فيه السموم والأوساخ عبر الأثير وما عاد الطعم الحقيقي لما نأكله ونشربه ظاهراً ، في مثل هذا الحال الموبوء صار من الضرورة الحديث عن النظافة والطهارة كشعيرة أصيلة من شعائر إسلامنا  العظيم .

* لا أريد أن تستغرب حديث المنبر عن النظافة لأن حديثنا عنها منطلق حديث عن الطهر والتزكية التي هي مقصد بعثة محمد صلى الله عليه وسلم.

* أليس محمد صلى الله عليه وسلم قد أُمر بطهارة الثوب والروح أول بعثته الشريفة، "يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ{1} قُمْ فَأَنذِرْ{2} وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ{3} وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ{4} وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ{5" {المدثر 1-5.

* صحيح أن حديث "النظافة من الإيمان" ضعيف، ولكن معناه ثابت وصحيح ف"الطهور شطر الإيمان" رواه مسلم .. بل إن الإيمان من النظافة كيف لا؟ وفي إيماننا تطهير لقلوبنا وعقولنا من براثن الشرك وأوساخ الخضوع لغير الله وأدران الهوى وكناسة الكفر والفسوق والعصيان.

* حديثنا عن النظافة كدليل على عظمة هذا الدين الذي احترم الروح والبدن وجعل الطهارة مقصداً من مقاصد التشريع الحكيم.

* إن أعظم ما يؤكد حرص الإسلام على النظافة أن الله تعالى جعلها عبادة كسائر العبادات يؤجر فاعلها ويعاقب تاركها، ولم يُترك الأمر  لتقدير البشر باعتبارها مسألة شخصية خاصة كما يظن بعض الجهلة .

* فصلاة بلا طهارة ولا نظافة لا تصح مطلقاً "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فاغْسِلُواْ وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُواْ بِرُؤُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَينِ وَإِن كُنتُمْ جُنُباً فَاطَّهَّرُوا" المائدة6.

* ومس المصحف بلا طهارة مكروه بل قد يصل إلى الحرمة" إِنَّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ{77} فِي كِتَابٍ مَّكْنُونٍ{78} لَّا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ{7" { الواقعة.

* والزكاة مقصدها الأصيل طهارة الروح ونظافة أصول المال"خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِم بِهَا" التوبة103.

* نعم؛ إنها الطهارة التي تصبغ المسلم بصبغة النور فتراه يسعى بين الناس زكي الروح، حاله كحال المصطفى صلى الله عليه وسلم روى مسلم عن جابر رضي الله عنه قال: "ما شممت عنبراً قط ولا مسكاً ولا شيئا أطيب من ريح رسول الله صلى الله عليه وسلم" .

* إن غسل الجنابة أو غسل الحائض والنفساء يبرز بوضوح قيمة الطهارة والنظافة في إسلامنا العظيم، "وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذًى فَاعْتَزِلُواْ النِّسَاء فِي الْمَحِيضِ وَلاَ تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّىَ يَطْهُرْنَ فَإِذَا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللّهُ إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ" البقرة222 .

* وهذا المؤتمر المبارك مؤتمر الجمعة يلقى الأخ أخاه في بيت الله، يلقاه بروح مشرقة وثوب طاهر ونظيف، روى البخاري عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (اغتسلوا يوم الجمعة  واغسلوا رؤوسكم، وإن لم  تكونوا جنباً وأصيبوا من الطيب).

* إن كل أرض من أرض الله محل طاعة وعبادة، روى البزار بسند حسن  عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (أعطيتُ خمساً لم يعطهن أحداُ من قبلي .. وذكر منها " وجعلت لي الأرض مسجداً  وطهوراً) وأنت مأمور بالنظافة عند كل مسجد" خذوا زينتكم عند كل مسجد "  وهذا بالتالي يعني وجوب الطهارة في كل زمان ومكان.

* ولكُم أن تتخيلوا حال ابن آدم وهو يمشي ويترك خلفه بصمات تلوثٍ أو وسخ يؤذي بذلك نفسه وغيره، روى مسلم عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال (اتقوا اللاعنين قالوا: وما اللاعنان يا رسول الله قال: الذي يتخلى (يعني يبول) في طريق الناس وظلهم).

* إن معركة المسلم مع أعداء الله اليهود وأعوانهم وأذنابهم وأولياؤهم طويلة طويلة، ولن نبلغ أن نكون على قدر المواجهة ما لم نتمايز في صفوفنا، لأجل ذلك أوصى النبي صلى الله عليه وسلم بالتميز والمفاصلة حتى على مستوى الطهارة والنظافة، روى الترمذي بسنده عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (أن الله طيب يحب الطيب، نظيف يحب النظافة كريم يحب الكرم،  جواد يحب الجود فنظفوا أفنيتكم ولا تشبهوا باليهود).

* نظفوا أفنيتكم؛ بيوتكم شوارعكم، نظفوا مشاغلكم ومواقع أعمالكم واعلموا أن الطهر  والنظافة سلاح أهل الإيمان في مواجهة أهل الباطل والفجور والعصيان، فحال أهل الباطل كحال قوم لوط يوم قالوا: "وَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ إِلاَّ أَن قَالُواْ أَخْرِجُوهُم مِّن قَرْيَتِكُمْ إِنَّهُمْ أُنَاسٌ يَتَطَهَّرُونَ" الأعراف82.

* إن أمر الله تعالى لأنبيائه بتطهير البيت الحرام  دليل ظاهر على قدسية النظافة منذ القدم "وَعَهِدْنَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ أَن طَهِّرَا بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْعَاكِفِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ" البقرة125.

* بل إن ترك النظافة على مستوى البدن نوع شذوذ عن فطرة الله التي فطر الناس عليها؛ فطول الأظافر، وترك شعر البدن يسرح ويمرح هنا وهناك ليس من الحضارة أو التمدن في شيء، روى مسلم عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (عشرة من الفطرة؛ وعدّ منها قص الشارب، وإعفاء اللحية، والسواك، وقص الأظافر،  ونتف الإبط، وحلق العانة، والاستنجاء) كل ذلك من مظاهر التزين والطهارة بفضل الله تعالى.

* قل لي بالله عليك من أين تأتينا الأمراض الفتاكة والمعدية كالكوليرا والتيفوئيد والأميبا وغيرها أليس من وسخ وقاذورات، قل لي بالله عليك كيف ينمو الذباب والحشرات والقوارض أليس في بيئة أوساخ وقاذورات، قل لي بالله عليك أين تنمو نزاعاتنا وخلافات ذات البين؟ أليس في بيئة الماء العكر، فاحرص أخي كل الحرص على نظافة محيطك، واهنأ بعد ذلك برَوح وريحان وجنة الرحمن.

* إن رجالاً ونساءً يحرصون على نظافة حالهم وبيوتهم ثم لا يتورعون عن ترك أوساخهم على أبواب جيرانهم أو على قارعة الطريق لن ينالوا إلا الإثم والغضب، وكما أن إماطة الأذى عن الطريق صدقة، فإن إلقاء الأذى في الطريق إثم وخطيئة فاحذر وانتبه، روى البخاري ومسلم عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "البزاق في المسجد خطيئة وكفارتها دفنها".

* إن حرصك على جمال صورتك ونظافة هندامك عند الخروج إلى العمل شيء مطلوب ولا تنسى أن تكون  كذلك نظيفاً طيب النفس في معشرك وبين أهلك وذويك، روى البخاري أن عائشة رضي الله عنها سُئلت عن أي شيء يبدأ به الرسول "إذا دخل بيته؟ قالت: "السواك" .. والسواك كما تعلمون "مطهرة للفم مرضاة للرب".

* وكما أن في الصلاة والزكاة طهارة ونظافة فإن في الصيام طهارة للروح والبدن  كذلك، فالصوم باب التقوى وفيه نظافة الأحشاء من تخليط المفطرين وإعادة التوازن لهذا الجسد المتخم ، أما الحج  فكله طهر ونظافة، نظافة لسان فلا رفث ولا فسوق ولا جدال في الحج، ونظافة ثوب إذ البياض شرط لباس الإحرام، ونظافة جسد ، ويرحم الله المحلقين والمقصرين.

* وبالتالي فإن النظافة بوابة الإيمان والإسلام، روى الطبراني بسنده عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (النظافة تدعو إلى الإيمان، والإيمان مع صاحبه في الجنة).

* إن مجتمعاً تسوده قيمة النظافة والطهر لا يحتاج إلى عامل نظافة كل يوم أو كل أسبوع، وإن أمة تحرص على نظافة  الجسد  حرصها  على نظافة الروح، أمة تستحق الحياة، ومن ظن أن الزهد والورع بثياب وسخة فقد خاب ظنه، وما وعى، روى النسائي عن جابر عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "أتانا الرسول صلى الله عليه وسلم زائراً فرأى رجلاً عليه ثياب وسخة فقال: أما يجد هذا ما يغسل به ثوبه !".

* لن يحرم الله يوم القيامة صاحب عادة من عادته، فإن كان تعود الطهر والنظافة عبادة خالصة لله حازها وبجدارة يوم الدين، "عَالِيَهُمْ ثِيَابُ سُندُسٍ خُضْرٌ وَإِسْتَبْرَقٌ وَحُلُّوا أَسَاوِرَ مِن فِضَّةٍ وَسَقَاهُمْ رَبُّهُمْ شَرَاباً طَهُوراً " الإنسان21، وروى مسلم عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (فإنهم يأتون يوم القيامة غراً محجلين من أثر الوضوء)، {وَلَهُمْ فِيهَا أَزْوَاجٌ مُّطَهَّرَةٌ وَهُمْ فِيهَا خَالِدُونَ} البقرة: 25.

* يقول وليد الأعظمي رحمه الله:

روح الحياة وسرها وجمالها        

بالصالحين الطاهرين ضميرا

المخبتين لربهم يدعونــه      

رباً كريماً للذنوب غفورا

قرآننا يدعو لكل فضيلـة    

ولكل مكرمة تراه مشيـرا

نجد الحياة سعيدة بظلالـه        

وبغيره نجد الحياة سعيـرا

* إن صحيفة بيضاء مشرقة ملؤها الطاعة والاستغفار لا يمكن أن تستوي مع صحيفة سوداء عفنة لأجل ذلك تظل نظافة العمل والقلب أولاً بأول مقصد وغاية  من أعلى غايات المسلم في الحياة "يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ فَأَمَّا الَّذِينَ اسْوَدَّتْ وُجُوهُهُمْ أَكْفَرْتُم بَعْدَ إِيمَانِكُمْ فَذُوقُواْ الْعَذَابَ بِمَا كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ ، وَأَمَّا الَّذِينَ ابْيَضَّتْ وُجُوهُهُمْ فَفِي رَحْمَةِ اللّهِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ) آل عمران.

* إن في الجهاد في سبيل الله ما يعمق من معاني الطهارة  والنظافة، ومن شك في ذلك فله أن يسأل نفسه ويجيب:

* أي ماء يملك غسل شوارع العراق وفلسطين والشام واليمن وغيرها من بلاد الإسلام من دماء الثكالى المسلمين؟

* أي ماء يملك غسل عارنا عند أسوار المسجد الأقصى المبارك؟!.

* إن علو اليهود وفسادهم واستعلاء الصليبين وكبرهم وعناد الطواغيت وجحودهم كل ذلك قذر ووسخ لا يغسله إلا المجاهد والمرابط والشهيد.

* إن من العيب أن تغسل غباراً تراكم على شاشة التلفاز  يومياً لترى بوضوح عبر الشاشة نفسها عِرض أختك ينتهك ومسرى رسولك يهان دون تغيير لهذا المنكر بيد ولا بقلب أو لسان، ولا حول ولا قوة إلا بالله .

* ‏إن من أسوأ صور القاذورات الواجب تنظيفها اليوم وفي إماطتها صدقة بل صدقات؛ تلك الأوساخ الفكرية التي تنتشر في بعض منابرنا وفي مناهجنا وبرامجنا وإذاعاتنا وفضائياتنا، وبشكل ممنهج مدروس، فهل من عزم على التغيير أم أننا إلى الهاوية نسير؟!

???? وختاماً????

* بادر بتوبة نصوح تنظف فيها قلبك من الخطايا والذنوب "إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ" البقرة: 222.

* واحرص على نظافة لسانك من غيبة ونميمة وفسق وجحود.

* وكن جميل المظهر والمخبر (لأن الله جميل يحب الجمال) كما روى مسلم عن النبي صلى الله عليه وسلم .

* وأعدَّ نفسك وأهلك لحملة نظافة عالمية تتكامل فيها الجهود وتجتمع الكلمة على غاية طهارة الأرض من رجس اليهود والصليبين والمستبدين.

* وإياك أن تستهين بالنظافة كشعيرة من شعائر الله، لأن الملائكة تتأذى مما يتأذى منه البشر، روى مسلم عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (من أكل البصل أو الثوم فلا يقربن مسجدنا، فإن الملائكة تتأذى مما يتأذى منه بنو آدم).

طهّر الله قلبي وقلوبكم من كل غلٍّ ورياء، وجمعنا الله في جنة الأطهار عند رب الأرض والسماء

وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين

وسوم: العدد 866