في حضرة الصبية

استجبت لطلب بعض الاخوة الفضلاء من أبناء الثورة المباركة من انه لابد من إعادة كتابة يوميات الثورة وتوثيقها حفاظاً عليها من الضياع و لعلها تبقى مرجعاً للأجيال  ولموجات الربيع القادمة

شحذت قلمي واستحضرت عصارة ذاكرتي المهترئة نتيجةً  للصدمات التي تلقتها بفعل سنوات الثورة العجاف

قبل انطلاق الثورة كان الحديث يدور حول من يقدح الزناد و يطلق شرارة الثورة و على الرغم من ان زعماءً سياسيين معارضين كبار تصدروا المشهد في دمشق الا انهم لم يفلحوا بينما افلح صبية درعا الصغار الذين اقتلع المجرم اظفارهم و أهان أباءهم في كرامتهم أفلحوا ليس فقط في قدح شرار الثورة و لكنهم أضرموا نيرانها في وجه الظلم والطغيان و الاستبداد و لأجلهم سميت درعا بمهد الثورة

و يبدو أن قدر الثورة السورية أن يكون الصبية الصغار وقودها فقام المجرم باعتقال حمزة الخطيب و تامر الشرعي  وهم لم يتجازوا الخمسة عشر ربيعاً ثم سلمهم لذويهم جثثاً هامدة تبدو عليهم آثار التعذيب الوحشي لتنطلق بعد أيام مظاهرات حاشدة في سوريا سميت لأجل أولئك الصبية بجمعة أطفال الحرية ارتكب المجرم وقتها مجزرة في حماة راح ضحيتها 150 شهيد و 500 جريح و سيبقى هذا التاريخ دون أدنى شك لآجل صبية سوريا العظماء نقطة تحول في مسار الثورة السورية

و لطالما رددنا نحن أبناء الثورة الذين خرجنا من رحمها بأن ولادتنا الإنسانية و انطلاقتنا في درب الحرية كانت يوم أطل ربيعنا العربي و أنه مهما بلغ منا الشيب مبلغه فإننا صبية العشر العجاف لم نبالي أتينا من عضلة الساق أم من عجينة وضعت تحت الحصير

إلا أن ذاكرتي المهترئة ذهبت بعيداً لتقول لي ويحكم و هل نسيتم جيرانكم من أبناء فلسطين و كيف سطر صبيتها انتفاضة سميت لأجلهم انتفاضة صبية الحجارة و كيف هب فارس الشعر الغارق بالعلمانية المشبع بالحرية والإنسانية الشاعر نزار قباني ليخط ثلاثية أطفال الحجارة التي قال فيها :

بهروا الدنيا

ومافي يدهم إلا الحجارة

و أضاءوا كالقناديل

وجاؤوا كالبشارة

قاوموا

وانفجروا

واستشهدوا

و بقينا دبباً قطبية

صفحت أجسادها ضد الحرارة

خيل إلي للحظات أن هناك محكمة  نصبت كان أبطالها أولئك الصبية الصغار و في الطرف الأخر بدت كوكبة من الرجال في حلة من الوقار والنور يحملون قراطيس من ورق اصفر

قام أحد الصبية الأبطال الذي يحمل قلب رجل وقال :  نحن الذين لم يشغلنا فقه الفروج عن فقه المعالي نحن من مشى على خطى صبي البئر الذي أصبح عزيز مصر وصبي النهر الذي أصبح من أولي العزم من الرسل نحن صناع فقه الحرية و مخارج الحقوق

كنا نظن أن إطلالة ماري انطوانيت من شرفتها لتتساءل ماذا يحتاج الرعاع والغوغاء خاصة بها

أو أن مفردات الحرب الباردة ومصطلحاتها خاصة بطبيعة الصراع بين الروس و الامريكان

لكن تبين أن  المفاهيم الإنسانية تتكرر في كل زمان ومكان كما هو الدين كمفهوم عقدي إنساني صالح لكل زمان ومكان

فكما هو أبا عمارة حمزة بن عبد المطلب سيد الشهداء في أحد فإن الصبي حمزة الخطيب سيد شهداء الثورة السورية

أثبت ربيع العرب الديمقراطي أن هناك صبية يصنعون على عين الله

و أن هناك تاريخ يكتب في حضرة الصبية

و أن حديث الصبية من مدونات الثورة

وسوم: العدد 871