في متون الأحاديث الموضوعة ... يا حادي سر رويدا

وهذه لفتة لفتني إليها أخ كريم بالأمس ، عندما تحدثت عن قولهم " سيروا على سير أضعفكم" وقولهم " الضعيف أمير الركب " وقلت : هاتان العبارتان ليستا من كلام سيدنا رسول الله في شيء . وهذا حكم أهل الاختصاص من العلماء ..

ويبقى باب التأمل والتفكر مفتوحا في مدلول العبارتين ، وفي معناهما وفي مجالي تطبيقها في حياة الناس .

ولعلنا لو تأملنا سيل الأحاديث الموضوعة ونحوها التي غزت فضاء الأمة في القرون الثلاثة الأولى وما تلاها ، والتي تصدى لها علماء الأمة بالتمحيص فغربلوا بل نخلوا ، علمنا أنه كان لحركة الوضع تلك بواعث كثيرة ، وأن أكثرها كان يقودها أصحاب الأهواء والمآرب وأتباع الفرق الضالة على اختلاف مشاربهم . وكان أكثر هؤلاء يضعون متن الحديث ، كلماته ، ثم يلحقونه بسند مزيف ، يوهمون الناس فيه أنه من كلام سيد المرسلين .

وإلى جانب هذا تجد قوما آخرين يجدون العبارة من كلام أهل الحكمة أو الأدب أو الطب فينسبونها إلى سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ، في طريقة للوضع لا تخفى ركاكتها وسذاجتها . فإذا قرؤوا للحارث بن كلدة مثلا قوله " المعدة بيت الداء والحمية رأس كل دواء " لا يمنعهم أن تجد أحدهم ينسبها في حكاية أو قول أو كتاب إلى سيدنا رسول الله . وحين يقال عن هذه العبارة إنها حديث موضوع . فهذا لا يضر قائلها الأول ، ولا يضر معناها ، وإنما ينفي عنها معنى القداسة الذي أراده الوضاع الكذاب منه .

ما لفتني إليه الأخ الكريم أول أمس أن قول القائل ،كائنا من كان ، هذا القائل : " سيروا على سير أضعفكم " أو الضعيف أمير الركب " هو قول مستنبط من الواقع والتجربة ، وتشهد له شواهد الحكمة في واقعه البشري المحدود . فكل رفقة في سفر أو حضر ، عليهم أن يراعوا حال أضعفهم مثلا إذا أرادوا أن يحافظوا على ديمومة الرفقة . رفيقنا في السيارة إلى رحلة العمرة أو النزهة الذي يحتاج أن يتوقف عند كل محطة خدمات سيكون أميرنا ، ولا يحق لنا أن نتبرم منه . وهذا الكلام البشري صحيح في أفقه البشري ، وتطبيقاته البشرية . الركب هنا هم الرفقة أو القافلة أو الحافلة أو القوم يقطعون مسيرهم على أقدامهم ، وهنا يصبح الالتزام بمثل هذه الأقوال نوعا من المروءة ، والرفق وحسن الخلق ..

فأين الفرق إذن ..

ولكن حين نعطي هذه المتون ، صفة القداسة ، بنسبتها إلى رسول الله ، ولفهم النص المقدس قواعده الدلالية ، ويصبح ركب الرحلة هو ركب الأمة في كل ميادين حياتها ، نظن أن الموقف من الاستشهاد بمثل هذا سيختلف . وعندما طلب أبو ذر الإمارة ، قال له رسول الله صلى الله عليه وسلم : إني أراك ضعيفا ...فأعلمنا أن لا حق لضعيف في إمارة عامة . وهذا الذي حاولنا التنبيه عليه . من تنزيل تلك الأقاويل منزلة الأحاديث.

من تعليقات بعض المحدثين بعد أن يحكموا على الحديث بالوضع أو بالوهن أو بالضعف أن يقولوا ، ولكن معناه صحيح . أو ولكن معناه صحيح وله شواهد . يقصدون شواهد لهذا المعنى ..

وربما من شواهد مطلب الرفق الذي يشير إليه القولان ، ما أوردته في مقالي الأول عن رسول الله صلى الله عليه وسلم : رويدك يا أنجشة سوقك بالقوارير .. وأنجشة هو حادي القافلة في سفر رسول الله .. والحادي هو ضابط السرعة ، الذي يضبط سرعة سير الإبل بإيقاع حدائه ، فتجعلها تسرع وتبطئ كما يريد .. ورسول الله صلى الله عليه وسلم يخبره أن في رفقتنا نساء - قوارير - من زجاج - سريع الكسر كما تعودنا أن نقول ..فيا حادي سر رويدا ...

وشكرا لمن نبه على حق وأشار إليه .

*مدير مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

وسوم: العدد 871