الشاعر محمد عالي الحمرا الملقَّب علي دُمَّر رحمه الله 1927م-1985م

نِعِمَّا رجالٌ عرفتهم (19)

بهذين البيتين الرَّائعين ،وهذا المطلع الجميل أحببتُ أن أبتدِأَ حديثي عنِ كاتبها الشَّاعر العَلَم ،والأديبُ المُفرط الحِس ،الأستاذ القدير علي دُمَّر رحمه الله ..صديق والدي الحميم في شبابه ، وأحدُ خِلَّانه وزملائه ،والذي حتَّمَ عليَّ الحديث عنه والتَّعريف به ومثله لايحتاج لمثلي ابتداءً ...لكن وفاءً لهذا العَلَم الأدبيِّ ، وتعريفاَ بهذا البيرقِ الشِّعريِّ ،وبراً بوالدي وخلانه رحمه الله كلُّ ذلك  يُحَتَِّمُ عليَّ أن أكتب عنه ،وهو الشاعرالمُبدع ُ المطبوع ،والأديبُ المرهف الأحاسيس،والأستاذ القدير الَّذي عرفته محافل الأدب ،ونوادي الشِّعر،وحُداةُ القصيد   ، ومنابر التَّعليم ،وأروقة اللُّغةُ العربية على مدار أكثر من ثلاثين عاماً منذ الخمسينيات من القرن الماضي في سورية والسعودية حتى تاريخ وفاته ١٩٨٥م ،وقد كان لي شرفُ معرفته ،وزيارته ،ولقائه، والاستمتاع بحديثه وشعره ،مع بداية عملي في هذه البلدة الطيبة الأحساء رحمه الله .

ولي معه قصةٌ طريفةٌ مثيرة ستلقونها بين سطور مقالتي هذه!!   .

هذا الشَّاعر النَّبيل الَّذي ولِدَ في مدينة حماة ...،تلك المدينة السَّاحرة   مدينتي وآبائي وأجدادي ،تلك التي تشغلُ موقع القلب من موطني سورية  قدراً وموقعاً ....أجل...

تلك التي يرسم عاصيها وماأبهاه أقواس الجمال على ضفافها ،ويشكِّل رياض الأنس على جوانبه حيث يمرُّ ممايفيض به من دفق قلبه حُبَّاً  لها وشغفاً بها  ليفترش حولَهُ   بُسُطاً من سُندسٍ موشاةً  بزهرالأقحًوان  ومعرشةً بأطواق الياسمين،ومرصِّعاً بساتينها بباقات القرنفل الفوَّاح وأكاليل الفل المطبَّق الَّذي  يُفَوِّح افي بساتينها وجنباتها في حاراتها وأزقتهتا لتضحي  حماةٌ كأنَّها الجنان يسحرها وبهائها يرباضها ونميرها بعطرها وفوحها لتتراقص نواعيرالمدينة  على هذه المناظر البديعة ، وهذه العطور الفوَّاحة رقصة العشقِ وتدور لاتفترُّ كأنها ترقص (رقصة الميلوية ) رقصة المتَصوِّف الواله حُبَّاً وولعاً  بتلك الأرض المباركة  أرض الشَّام ،وتُدندِنَ لها  وهي راقصةً دائرة بأنشيد العِزِّ والفخارابتهاجاً بسحرها وجمالها  وانتعاشاً بمرابع الأصالة  والمعالم الأصيلة  التي فيها، أليست هي مدينة أبي الفداء الحموي .....بلى هي إحدى قلاع الشام أصالةً ،وستبقى كذلك وهاهي ترقصُ عازفةً لتُسمع كلَّ من حولها وجدها وأنينها شوقاً ولهفةً لأهلها حيث كانوا وحلُّوا،، وتُعلي صوتَ وجيبها وحنينها مسمعةً الدُّنيا ليعرف كل من اغترب عنها من أهلها ،أوتَغَرَّبَ قسراً عنها مدى مكنون أحاسيسهاوأشواقها لهم في غربتهم  حتى  لكأنَّها تُواسيهم  .

أجل هي حماة تلك المدينة السَّاحرة الَّتي ترسم الفنَّ والجمال بمعالمها الخالدة التي تحكي العراقة ،وتنطق بالأصالة، وتطرِّزُ كذلك بأنامل عاصيها الحُسنَ والبهاء بُسُطاً وحللاً على ضفافه  مكحلةً حماةَ بخضرتها ورياضها،ومزينةً بساتينها وحدائقها ليشرقَ جمال  تلك المدينة  في عيني شاعرنا وشعره، ويتألَّق في أدبه وفنِّه، ويرتسم في حنينه ونبضه.

وقد اقتضت ظروف حياته التي  ابتدأت باليتم في سني حياته الأولى ليعيش المعاناة وضيق ذات البد  ويكابدُ لأواءها وبؤسها ، ويتذوق جفاءها ومرارتها مما كابده وعاناه  هو ماكان حياةً صعبةً قاسيةً اليتمُ فاتحتها ،والمكابدةُ واللأواء نسغها ، والتنقُّل والتَّغرُّب عنوانها أجل .....لكنَّ هذا لم يفُتَّ من عضُدِه بل جعله  يشحذ همتَّه ، ويشدُّ من عزيمته ليمضي مترحلاً عن  بلده طلباً للعلم فمن حماة في سوريا إلى البقاع في لبنان حيث كان يعمل أخيه الأكبر الذي أعاله بعد وفاة أبيه  ليرتحل بعدها  لمصر والأزهر ليتخرَّج  من كلية الآدب العربي من جامعة الأزهر ثم ليعود بعدها إلى سورية  ليعمل  مدرساً للغة العربية  وخطيباً لأحد المساجد بعيداً عن حماة في أقضيتها وقراها ليقضي وقته متنقلاً بين عمله وبين مدينته حماة ،وكذلك كان حالهُ و أمرهُ بعد ذهابه إلى السعودبة  حيث عمل في عدة حواضر ومدنٍ حاملاً عصا التَّرحال في أكثر من ستة مواقع فيها ليستقرَّ به المقام في الأحساء وبالتَّحديد في مدينة الطرف وقد استظاع بما عُرف عنه من جميل نبض، وصدقِ ود، وطيب قلب ،و نقاء سريرة ،ولهفةٍ للضيف ، ووفاءٍ جم، ووجهٍ  يُشرقُ بالبشاشةٌ ،وتسكنه الطلاقة ،وتعمره البسمة لمعارفه وأصجابه ، وعشرته وخلانه أن يجعل له في كلِّ بقعةٍ حلَّ بها رياضَ أنس ، وديار ود، ومعارفَ كرام يعشقون جلسته على بساطتها، ليكتسب بطيبه وأخلاقه ، وحسِّه وأدبه خيرة الخلَّان ، وأنبل الصَّداقات ، وأكرم المعارف حيث الحبُّ  والوداد ينسابُ من فؤاده سجيَّةً و طبيعةً ليجد له في ظلال غُربته  أنساً ووداً، وحياةً يغلب عليها الاستقرار  ،ومؤانسةً لصحبةٍ راقية ،ومُجالسةً بأحاسيسها عامرة أجل هذا ماكان له في غربته  لكنَّ هذا لم يُبعده عن أهله وصحبه في حماة ،ولم يُطفىء من أوار الشَّوق والحنين ليلده وموطنه ،وأصدقائه وخِلَّانه  لتراه دائماً كالوتر المشدود يهتزُّ ليعزف الحبَّ والحنين عندما تُذكرُ الأوطان ، ويرفَّ فؤاده عندماتُذكرُ حماة ليغرَّد كالبلبل أغاريد الوداد والشوق حاله هكذا كان ، أينما حلَّ وحيث كان.

سكبَ شعره ومشاعره لتضمَّ في حنايا بوحه كلَّ أغراض الشِّعر، وقد جاوزماكتبه عشرة آلاف بيت ،وزَّعها على  ثلاث عشرة ديواناً، جمعه له نادي جدة الأدبي ورئيسه حينذاك الأديب الكبير عبد الفتاح بومدين رحمهما الله الذي كان أحد أصدقائه  وأصحابه حبث عمل شاعرنا فترةً من الزّمان في جدَّة، وقد طبعه له النَّادي عام 1985م لكنَّ شاعرنا رغم تعجله ليرى ديوانه إلا أنَّ ذلك لم يتم له .....حيث كان القدرُ أسبقَ إليه .

وقد كان لأحداث أمَّته صدىً بأعماقه ، ووجيباً بقلبه ، وصرخةً في حناياه،وصهيلاً يعزف حُداءه  مستصرخاً تالد الأمجاد ، عازفاً على وتر الأصالة ،والحقُّ أنَّ أجمل مايُميِّزُ شعره هو صدق عاطفته ، وحماسه وتأثره بالأحداث ، وعفويته في التَّعبيربصدق وهو ماأوقعه بمطبَّاتٍ جلبت له بعض المعاناة ، وكذلك كان حاله مع الجمال حيث يخلبُ لُبَّه ، ويُشعل قلبه ، ويطلق خيول الشعر فيه ولشدَّ ماتغزَّل وعانى وتأثَّر وأحبَّ أجل هو طبعه وطبيعته الانجذاب نحو الجمال ...والانفعال به.... وسرعة البوح له...... مما جعله يعاني مايعاني  ويكتوي بلظاه حيث لم يسلم من عذابه ،واكتوى بناره  في أحايين كثيرة ليكون كالفراشات تكتوي وتلتذع لانجذابها للنَّار دون مكابح وأناة ، وتعقُّلٍ وتحكُّم  فالنَّظرات سهامٌ ولاأنفذ منها في القلوب، والعيون وقعها على المرء أشدُّ من وقع النَّبل .

ليقول في بعض مقطوعاته عن هذا الأمر وعن جمرات التَّوقُّد في حناياه :

ولعلَّ تقلُّبات الحياة وآثارها وماعاناه فيها وكابده أثَّر فيه وترك عليه ندباته  ، فحياته مليئةٌ بالأسى والغربة ، واليتم والتَّنقُّل  ، والرَّحيل والمعاناة ، مآسِ قاسيةٍ متتالية ، ونكباتٌ تترا متوالية، شاهدها وعاشها في حياته،فما وجد سلوته واستقراره  إلا في حضن الغربة فكانت سلوته رغم الجوى، وأضحت روضته رغم البُعاد.

نفسُهُ مُتَوثِّبة ، روحهُ شاعرة ، أحاسيسه مُرهفة، مشاعره متوقِّدة، حالُهُ لايعرف الهُجُوع ، أوتارُ شعره وقيثارته على فمه حتى يكاد  همسه ونفَسَهُ ونبضعُ وزفيره يقول شعراً ممايعانيه  ،ليعيش مع لأواء الحياة  في صراعاتٍ شتَّى ،همومٌ يحملها ، وأسرةٌ يرعاها ، وواقعٌ  يلقى فيه الأسى والنَّكبات حتى لكأنَّهُ فيها ،تلقاهُ   متوتراً من فرطٍ مشاعره ورهف أحاسيسه ، حتى أنَّه ليحمِّل أموراً أحياناً مالا تحتمل ،ليعيش في قلقٍ دائم،وخوفٍ مستمر لنسمعه يقول  مشخِّصاً حالته بدقَّة :  

ولاأنسى يوم بلغني خبر وفاته رحمه الله أنَّه قال لولده وهو في طريقه للمستشفى اشهد باولدي اِشهَدْ أنِّي أقول:أشهد أن لاإله إلا الله وأنَّ محمداً رسول الله رحمه الله 

وهذا من فرط حسِّه وشعوره وندمه على التَّفريط فهو على وجلٍ دائم وكُلُّنا ذاك الر َّجُل وعساه يكون بفضل الله وكرمه ،ورحمته وعفوه ونحن معه كرماَ من الله ممن تضمَّنتهم هذه الآيات العظيمة مبنى ومعتى في سورة المؤمنون 

: إِنَّ الَّذِينَ هُم مِّنْ خَشْيَةِ رَبِّهِم مُّشْفِقُونَ ۝ وَالَّذِينَ هُم بِآيَاتِ رَبِّهِم ْيُؤْمِنُونَ ۝ وَالَّذِينَ هُم بِرَبِّهِمْ لَا يُشْرِكُونَ ۝ وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوا وَّقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلَى رَبِّهِمْ رَاجِعُونَ ۝ أُوْلَئِكَ يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَهُمْ لَهَا سَابِقُونَ [سورة المؤمنون:57-61].

وقد كان عام 1976 عاماً مميَّزاً له حيث عزف أجمل اللحون بقصيدةٍ عصماء أسماها لحن تاريخنا أهداها كمعلَّقةٍ جديدة لسوق عكاظ وبحقٍ هي ملحمة تستحقُّ التَّعليق  مما سكبه فيها من نورٍ وبهاء ، ومابراه فيها بريشة فنِّه وسكب قلبه من أَلَقٍ  وصفاء ليسبح في فضاءات الجمال فنراه يقول : 

يومَ قُدنا الوجودَ نحو ضياء الله بالعلم والهُدى والعُقولِ

قد نشلنا الإنسان من حمأةِ الجَوْرِ ليحيا من عَدْلِنا في خميلِ

لنلمح نبض شاعرنا و إيمانه الذي بشعُّ إشراقاتٍ في شعره حين يقولُ في الحبيب المصطفى عليه الصَّلاةُ والسَّلام: 

لينتقل بعدها  إلى لغة الضَّاد لُغةُ أهل الجنَّة ،لُغةُ القُرآنِ الكريم حيث يقول: 

سلْ جميع اللغاتِ عن لُغةِ الضَّادِ عروساً لكلِّ معنىً جميلِ

لُغَةُ الله أين منها لُغاتُ الخَلْقِ أعْظِمْ بِقائلٍ وبِقيلِ

 ليقول مسترسلاً عن المسجد ورسالته : 

التَّهاليلُ في المساجد والعِلمُ وحُلوُ التسبيحِ والتَّرتيلُ

والمناراتُ شاخصاتٌ إلى الله بطهر الأذان والتَّبجيلُ

ليختتم في أواخر معلَّقته  التي قاربت مائة بيت بقوله:

من رُبانا القُرآن أشرق في الكونِ ووحيُ التَّوراةِ والتَّنزيلُ

وقد كان من بواكير شعره عندما كان عمره ثمانية عشر عاماً عام 1945م في عام الاستقلال هذه القصيدة نحن العرب ويقصد المسلمين حيث يقول:

أمةٌ أنشأت صروح الحضارات وسارت في العزَِّ شأواً بعيدا

يوم هدُّوا هياكل الجهل والبغي وشادوا للعلم صرحاً مشيدا

كتب في كل قضايا الأمة  ماترك حدثاً إلا وأدلى بدلوه فيه ،وعروبيته وإسلاميته ظاهرة حيث ركب ببحوره سابحاً في قضايا الأمة حتى لتكاد تغرقه في مآسيها من فلسطبن للجزائر ،ومن العراق إلى الشام ، ومن المغرب إلى الأندلس ،ومن مصر إلى الجزيرة العربية وقد أهدى أغنيةً إلى الجزيرة العربية عندما كان في طريقه للسعودية نشرها في مجلة الرائد التي كان يُصدرها شاعر الجنوب الكبير محمد بن علي السنوسي فأهداها له فتقبَّلها ونشرها  في ديوانه القلائد وأهداه أديبنا الكبير السنوسي بنفسه قصيدة مماثلة وكتب عن شعره دراسة نقدية مقالين نشرهما في كتابه الرائع مع الشعراء كان منها:

أيُّها الواله الذي ملأ الليل حنيناً للبيئةِ الشَّماءِ

إنْ تَصِلْ أرْبُعَ الجزيرة قبِّلْ في أمانٍ مضاربَ العَرْباءِ

تلقَ أبناءَ عمِّنا وذوينا من ذراري أجدادنا العظماءِ

هُم حُماةُ التَّوحيدِ بدءاً وختماًوعُداةُ التَّضليلِ والإغواءِ

ليس يُغضي على المذلَّةِ يوماً فهو عند الفَخَارِ جَمُّ الإباءِ 

إيه ياشعبنا العظيم المفدَّى رمزُ أجدادِ قومنا النُّبلاءِ

وقد كان بيتي وبين الشاعر الكبير علي دمَّر قصةٌ  غاية في الجمال والإثارة فهو كما ذكرتُ صديق والدي الحميم  ، ورفيقه وصديقه القديم سيما وأنهما يتشاركان معاً  في الإبحار في مراكب الشعر وركوب أمواج القوافي ، وحدث أن زارني والدي في الأحساء دون علم شاعرنا الأثير علي دمَّر فرتَّبت لدعوةٍ كبيرة احتفاءً بقدوم والدي دعوت فيها كلَّ معارفي السوريين المقربين ورتبت لأمرٍ أن أجمع  كلاً من والدي الحبيب وصديقه القريب رحمهما الله دون أن يعلم أحدٌ منهما  بذلك ولم يكن والدي حينها يعرف بأن صديقه الحميم موحودٌ في الأحساء وهو أحد المدعوين وكان ذلك حيث دعوت أيضاً شاعرنا القديرعلي دمَّر ليسأل باستغراب عن مناسبة  الدَّعوة دون إخباره بقدوم والدي ،وكلَّفت أحد الإخوة الأفاضل باصطحابه إلى منزلي من مكان إقامته  في الطَّرف وهو الدكتور الحبيب وليد المصري  وكان أثناء قدومه مستغرباً قلقاً متسائلاً كعادته مترقباً لمفاجأةٍ ...أجل دون أن يخطر على باله حقيقة الأمر وليلة قدومه كان والدي الحبيب رحمه الله  بجانبي والضيوف قد اكتمل عقدهم إلا هو فقدجاء متأخراً والضيوف قد ملأوا البيت منتظرين مترقبين للحدث والموقف الذي سيكون  !!!ودخل شاعرنا علي دمر  واتجه نجونا ليسلِّم ....فلمَّا وصل إلينا  كانت المفاجأة...!!! وكان الذُّهول....!!!وكان الانشداه......!!! وإذ به يقول لوالدي وعيةنه شاخصة أستاذ صلاح؟!..... لينظروالدي  إليه  متأمِّلاً مندهشاً مستحضراً التاريخ والزَّمان والمكان ليقول صارخاً أستاذ علي!!!!!ثم  ليتعانقا عناقاً بأرواحهما قبل صدورهما عناقاً مافارق ذاكرتي من ألقه وحميميته وعاطفته وتأثيره ليقف جميع الضيوف على هذا المشهد بحفاوةٍ وتقديروإكبار   ليستمر ضمهما لبعضهما على مشهدٍ  بديعٍ أثير تذكرت فيه بيتاً من الشعر حفظته من والدي وهو لجرير يقول فيه:

موقفٌ ولاأنصع..ومشهدٌ ولاأبدع ..ولقاءٌ ولاأروع بعد أكثر من ثلاثين عاماً ..وماأجمل الحياة بالحبِّ والود وماأبدعها بالوفاء والنَّقاء ، هي رحلة ستنتهي مهما طال السَّفر أجل.

والحقيقة أن شعر الأستاذ القدير علي دمر رحمه الله غزيرٌ غزير، بديعٌ أثير ،  ببحوره وقوافيه ماأحيلى رذاذ أمواجه، وأندى أفلاك  قوافيه ، ويحتاج منا بحق  إلى دراسةٍ ووقفات ، وبحثٍ وتأمل، وقراءةٍ متأنية عميقة لنستجلي الأمر ليتراءى الشعر الشعر ويسفر عن شاعرٍ مطبوع من الفحول ، ومثله والله حريٌ بالدراسة والبحث فهو حقيقةً من شعراء حماة الكبار وأعتقد جازماً أنه لم يوفَّ حقَّه ،ولم يأخذ شعره نصيبه الذي يستحقه لأختم ترجمتي لهذا الشاعر المرهف والأديب المفعم بالأحاسيس مع صديقه ورفيق غربته ورفيق إبحاره في القوافي والقريض الشاعر القدير الأستاذ ياسر فتوى وهو من شعراء مدينة حماة الأستاذ ياسر الفتوى الذي زاره قبيل وفاته بستة أيام  في مدينة الطرف وقد لحق رحمه الله بصديقه حيث قال بعد زيارته له  في الطرف :فكان لقاؤنا أسعد وأحب لقاء تبادلنا فيه إخاءنا شعراً لاأغلى ولاأحلي وقد أنشده هذه الأبيات في زيارته:

ويستطردُ الشاعر ياسر فتوى رحمه الله  صاحب القصيدة الأخيرة :ثم ودعته وماكنت أعرف تفسيراً لذلك الحس المؤلم الذي انتابني في موقف الوداع.....؟؟!!! فقد كان صاحبي على موعدٍ مع القدر بعد ستة أيام حيث وافته المنيَّةُ المحتومة  تاركاً لوعةً في القلب ،وذكراً رطباً على اللسان هذا ماقاله شاعرنا ياسر فتوى عن صديقه وأضيف رحمهما الله أنه ترك بصماتٍ شعرية مميزة  وأدباً راقياً جمَّاً  نقرأ فيها سيرته لنعرف كيف كان مثالاً للإنسان العصامي المكافح  في خضم هذه الحياة  ليؤمن  لأبنائه العيش الكريم ويحيا صايراً مكافحاً فيها  ، ويحيا مع قضايا الأمة تاركاً ذخيرةٍ أدبيةً شعريةً وثروةً أدبية تستحق منا الكثير الكثير ،وقد رثاه العديد من الشعراء الذين عرفوه من المملكة وسورية وغيرها  وكذلك قيلت فيه كلمات رثاء سطرت بسطور الود والوفاء لهذا العلم الشعري وهذه القامة الأدبية العالية  رحم الله شاعرنا المفعم الإحساس  الأستاذعلي دُمَّر وطيب ثراه وتقبله في علييين والحمد لله رب العالمين

وسوم: العدد 873