أرامل القذافي.. بعد هزيمة قائدهم حفتر!

clip_image001_fd6b4.jpg

روى لي أحد الصحفيين الذين وردت أسماؤهم في قوائم النفط مقابل الغذاء العراقية، أنه بعد الثورة ذهب لزيارة القائم بالأعمال الإيراني في القاهرة، فوجد عنده أحد الذين تصدرت أسماؤهم هذه القوائم، والمرشح الرئاسي فيما بعد، وعندما تلاقت الأبصار، ضحكا طويلا بدون كلام!

سألت القائل ما الذي أضحكهما وليس المقام مقام ضحك ودعابة، ولم يصدر منهما شيء يدفع إلى ذلك، قال إنها لغة العيون، فقد كانا بالأمس عند صدام حسين، وهما الآن يجتمعان في قنصلية الخصم، الذي دخل في حرب مع العراق لتسع سنوات!

للمتابعين الجدد للحياة السياسية، أنه بعد احتلال العراق على يد القوات الأمريكية الغازية، نشرت صحيفة "المدى" العراقية أسماء كتاب وسياسيين وإعلاميين عرب، حصلوا على نفط مقابل الغذاء، ولم تكن العملية أكثر من "كوبونات" بمبالغ مختلفة، تزيد وتنقص بحسب قيمة الشخص، تفيد أنه قام بتصدير أطعمة للعراق ونحو ذلك في زمن الحصار، وبمقتضى ذلك يستلم على الورق من مكتب الأمم المتحدة حصته من براميل النفط، التي يبيعها للشركات الأجنبية ويقبض الثمن، وبالتفاصيل التي أوردتها في كتابي "شر البلية"، الذي لا توجد منه نسخ حالياً في الأسواق، أو عندي، حتى لا نكون في حكم البخيل الذي كتب ينعي ابنه في إحدى الصحف، ولم ينس الإعلان عن عمله فذكر أنه يعمل في مهنة تصليح الساعات: "ينعي ابنه ويصلح ساعات"!

الامتداد الطبيعي للقذافي:

وقد رأينا كيف أن أرامل صدام خلعوا ملابس الحداد، وانطلقوا إلى خصمه، وكذلك يفعلون مع الحالة الليبية، فأرامل القذافي أعلنوا انحيازهم إلى المتورط بمحاولة الانقلاب عليه، وهو خليفةحفتر، والذي يتعاملون معه على أنه الامتداد الطبيعي للقذافي، ألا وأنهم من مؤيديه، فقد وجدوا أن الضرورة تستدعي الوقوف مع حفتر باعتبار أن فيه من "رائحة الحبايب"، وفاء "لعظم التُربة"!

وعندما قتل القذافي وجرى التمثيل به، وكانت الثورة المصرية في مجدها، لم يتجرأ أحد من أرامله على "نعيه"، أو إعلان الانحياز له، وجميعهم كانوا من الذين قام بتمويلهم، وبعلم السلطات في مصر، التي لم تكن تجرؤ على التدخل في الأمر، لأن مبارك لم يكن يريد أن يدخل في مشاكل مع القذافي. ويُذكر في هذا الصدد، أن صحفياً معروفاً بالاسم والرسم، عاد من ليبيا واتصل بالقذافي، ليخبره أن الأمن المصري صادر الحقيبة التي بحوزته، وكان هذا إيحاء بأن على الزعيم الليبي أن يرسل حقيبة بديلة، وقد اتصل القذافي بمبارك غاضباً، لأن في تصرف أجهزة الأمن بهذا الشكل "إعلان عداء"، وعلى الفور طلب مبارك بالتحقيق في الواقعة ليثبت له براءة الأجهزة الأمنية من المنسوب إليها، عندئذ غضب غضباً عارماً وطلب من نقيب الصحفيين إبراهيم نافع، أن يوبخ المدعي الذي يتصرف بشكل يدفع لغضب القذافي. وهو كان يعامل القذافي معاملة الأطفال، ويعمل على عدم إغضابه، لأنه رأى كيف كان يتصرف مع السادات بخطب معلنة يخوض فيها في سمعة حرمه السيدة جيهان، صحيح أنه رد عليه بعنف بأن دفع بالطيران ليقصف مواقع ليبية، لكن لسان القذافي أكثر تأثيرا من سلاح الطيران المصري!

الوحيد الذي كتب مستنكراً التمثيل بالقذافي على هذا النحو هو العبد لله، الذي لم يقبض من الزعيم الليبي، بل كانت خصومتنا ثابتة، أكد عليها برفع قضية ضدي خسرها في أول درجة وفي الاستئناف!

بعد الانقلاب:

الزخم الثوري لم يكن ليسمح لأحد بالدفاع عن القذافي أو بشار الأسد، لكن الأمر اختلف بعد الانقلاب العسكري، فتم الإفصاح عن الانحيازات وبالوقوف ضد الثورة السورية. وإذا كان القذافي صار ذكرى، فقد اعتبروا خليفة حفتر خليفته في الملاعب، ليرشوا بالنار كل من يرشه بالماء، ويرون أن نصرة هذا الجنرال هي من نصرة زعيم الأمة "الأخ معمر"!

وها هم الآن، والهزائم تلحق بزعيمهم المفدى، في مأتم كبير، وفي حالة "ولولة"، فقد كذبوا حتى صدقوا أنفسهم، فاعتبروا أن خليفة حفتر هو امتداد لزعيم القومية العربية، وأن ميلشياته هي الجيش الليبي، التي تواجه ميلشيات حكومة الإنقاذ التي جاءت لمحاربة الزعيم الملهم خليفة المذكور، ولتهزم الجيش الليبي، بمساندة عدو الأمة والأمم المجاورة أردوغان!

حفتر ليس أكثر من عسكري متمرد، بدأ تمرده ضد القذافي، لكن لأن الراعي الأمريكي كان يريد للزعيم الليبي أن يبقى كمهمة استعمارية. فقد سحبوا حفتر للاحتفاظ به في الحضانات الأمريكية لاكتمال نموه في انتظار اللحظة الحاسمة، والتي يرونها قد جاءت، فلا قومية عربية ولا يحزنون. وإذا كان القذافي ظل ردحا من الزمن يتحدث عن القومية العربية قبل أن يتخلى عنها بحثا عن انتماء جديد، فإن حفتر لم يمر بهذه التجربة، والحديث عن أنه امتداد للقذافي يشبه تماما الحديث القديم؛ عن أن عبد الفتاح السيسي هو عبد الناصر الجديد.

لم يتحدث خليفة حفتر أبداً عن انحيازاته ومرجعيته السياسية، لكن القوم في القاهرة وضواحيها اعتمدوه زعيما للفكرة، تماما كما اعتمدوا السيسي من قبل عبد الناصر المرحلة، قبل أن يفتح فمه ويتكلم لنرى النسخة الأكثر رداءة من حسني مبارك وفي كل شيء!

الجيش الليبي:

إن الحديث عن أنها معركة بين الجيش الليبي ومليشيات الإرهاب كلام مفضوح، فقد قُتل القذافي ولا وجود لما يسمى بالجيش الليبي، والرجل انتقل في حراسته الخاصة من حراسة النسوة الراهبات، إلى حراسة المرتزقة الأفارقة. وفي هذه فإن حفتر يمثل الامتداد له، فجيشه من المرتزقة من عدة عواصم، ولم يتعظ من تجربة القذافي!

عندما قتل الزعيم الليبي، لم نسمع خبراً عن حراسه، ولم يثبت قيامهم بأي دور، ولو في حمايته بعد قتله من عبث العابثين ومن الذين مثلوا بجثته على نحو أرق وجداني فكتبت أندد به مع أني لم أكن من شيعته!

فالمرتزقة يولون الدبر إذا احتدمت المعارك، لأنهم أهل فر دون كر، وليسوا أهل مواجهة وصمود، وكما هرب حراس القذافي، فقد هربت مليشيات حفتر عندما قررت الحكومة الشرعية المواجهة، وهي الخطوة التي أقدمت عليها لأنها وجدت أن المجتمع الدولي ليس مشغولاً بما يحدث في ليبيا. وهذا درس ينبغي عليها أن تستوعبه بدلاً من انتظار الحماية من المنظمات الدولية والتعامل معها على أنها حائط مبكى!

لقد حققت الحكومة الشرعية انتصارات عظيمة حتى وصلت إلى ترهونة، واستولت على أسلحة المرتزقة الذين تولوا في يوم الزحف يوم التقى الجمعان. وفي الإمارات، قامت وكالة "العين" بتحقيق انتصارات وهمية عبر الفوتوشوب، بينما القوم في القاهرة مارسوا لطم الخدود وهم يطلبون من العرب وغيرهم نصرة خليفة حفتر دفاعا عن القومية العربية. إنهم مرضى يهذون!

وفي هذيانهم قالوا إنها القوات التركية! ولماذا يحرم على الحكومة الشرعية الاستعانة بقوات الحلفاء في الوقت الذي لا يرون مشكلة في وجود القوات الإماراتية والمصرية وعصابات الجنجويد بجانب خليفة حفتر؟ فلا توجد قاعدة للتعامل!

ثم يتحدثون عن الإرهاب الديني الذي يساند الحكومة الشرعية، في حين أن السلفية السعودية ضمن مليشيات خليفة حفتر!

قريبا ستلحق بهم صفة أرامل خليفة حفتر، وما ذلك على الله بعزيز!

وسوم: العدد 873