السابع عشر من نيسان ..والجلاء المنتظر ..

وأن نكف عن الاحتفاء بطوق عبوديتنا وخرزاته الخضر والصفر والحمر!!

ودفعناهم عن أرضنا ، ولكن بعد أن احتلوا عقول الكثيرين من أبنائنا وقلوبهم . ثم  تمادوا أكثر بعد احتلال العقول والقلوب فاحتلوا إرادتنا وشلوا حركتنا  ..ثم ازدادوا رجسا إلى رجسهم ، وزادونا من أمرنا رهقا ؛ حتى كان كثير منا  لا قلب يعي ، ولا لسان يعبر . تقول العرب " المرء بأصغريه " وشرحها زهير بن أبي سلمى بقوله :

لسان الفتى نصف ، ونصف فؤاده ..فلم يبق إلا صورة اللحم والدم

وزادها عمر بن أبي ريشة وضوحا وهو ينادي عليها :

أمتي هل لك بين الأمم ..منبر للسيف أو للقلم

واليوم نرقب المشهد : لا منبر للسيف ولا منبر للقلم ..

ويسألونني مستنكرين عليّ  لمن لا تفتأ تكتب ؟! فأقول وأنا  في يوم الجلاء : أكتب لنفسي ، ومن رابه فيما أكتب أكتب ريب فعصمته في يده ، حين يريد .

وأول الجلاء الذي ما زلنا ننتظر ...جلاؤهم عن عقولنا وقلوبنا ،  ولن يتم ذلك إلا بتحريرنا إرادتنا، بمغالبة أو بمكاتبة ..

وثورات الرقيق في التاريخ وحول العالم كثيرة ومتعاقبة ومتعددة وأكثرها تعبيرا ثورة عبيد روما ضد روما ، سبارتاكوس ، الذي رفض أن يقتل أخاه في العبودية ليبهج السادة الفرسان الرومان ..!!

عرضا مررت ببرنامج فيصل القاسم هذا الأسبوع ، وهو قد أجلس على منبر قناة الجزيرة بوما ينعق : الحضارتان اللتان أسستا للسلام في التاريخ هما حضارة الرومان وحضارة الأميركان !! وسيقسم سبارتاكوس على صدق ما يقول . الرأي والرأي الآخر لا يعني أن توفر المنبر للأفاكين !!

ولم تتخل الولايات المتحدة عن ملايين عبيدها في القرن التاسع عشر ، حتى ضمنت هي وشركاؤها أنها قد وضعت يدها على رقاب البدلاء حول العالم من كل لون وجنس ..والأعجب أن كان أكثر عبيدها من بعد ،  من " ولد إسماعيل "

وإن لم يستشعر العبد عبوديته فكيف يتحرر ؟!

وإن لم يكتشف السوريون أنهم مستعبدون طبق عن طبق فكيف يفلحون ..؟!

ويصادف اليوم السابع عشر من نيسان ..اليوم الذي طالما تغنينا به وغنينا فيه .

ولم يعرف السوريون بعدُ ؛ أنهم مستعبدون لطوائف من العبيد ، عبيد كلهم مستعبد لعبد ، والعبد مستعبد لثالث ، والثالث لرابع وهكذا حتى نصل إلى السيد الحر المختار، إلى فرعون الذي يظن أنه يصنع الأقدار ....

وأكثر حالات العبودية إغراقا فيها : عبد ولا يشعر أنه عبد . ..عبد ويتباهي بعبوديته  ، أنه خادم الدار ، أو عازف المزمار ، أو حامل البخور ،  أو ساقي الخمر، أو ماسح الحذاء ، أو أنه المدير ، أوالوزير ،  وئيسه مع الرئيس ..

وكل هؤلاء في سلك العبودية  سواء ، في دولة يحكمها عشرون مندوبا ساميا ،  وكل هؤلاء ما زالوا  يظنون أن لهم من الأمر شيئا !! في سياق واقعي أرضيّ نقول في مثله : إن الأمر كله لبوتين وللدهقان ..

والسابع عشر من نيسان

اليوم الذي ما زلنا ننتظره ..ونرجوه ، ونرجو أن لا يكون كصاحب السرداب ، فنظل ندعو له بتعجيل الفرج ، ويسر المخرج ..وهو مجرد وهم صنعه جهل الجهلاء ..

السابع عشر من نيسان ..

اليوم الذي كثيرا ما امتنوا علينا أنهم صنعوه ...فلما قاربناه وجدناه جلاء من شمع ذاب عند أول ضربة شمس ، أو قدحة نار ..

وحتى نصنع الجلاء ..يجب أن نصنعه أولا عن العقول والقلوب والإرادة ..علينا التوقف عن عيش الوهم ، عن انتظار المنتظر ، أو انتظار غودو الذي لن يأتي أبدا ، بل يظل يرسل وعده مع كل يوم إلى الغد ..

وعلينا ..وعلينا .. وعلينا  ن نكف عن الاحتفاء بطوق عبوديتنا بخرزاته الخضر والصفر والحمر ..فذاك على ما قالوا كان شأن العبيد !!

*مدير مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

وسوم: العدد 873