علاقات إسرائيل مع الصين تضرُّ بأميركا

أعلنت إسرائيل الأحد الماضي وفاة دووي، سفير الصين لديها، بعد أن وجد ميتاً في منزله. وبالرغم من أن الإعلان لم يحدّد سبب الوفاة في حينه، إلا أن عدّة مصادر إسرائيلية رجّحت فرضية أن يكون السفير قد أصيب بسكتة قلبية، لا سيما أنّه لم تظهر أية علامات عنف على الجثّة. كانت الصين قد عيّنت السفير المذكور حديثاً في إسرائيل، حيث وصل إليها في شهر فبراير الماضي في خضم أزمة فيروس كورونا (كوفيد – ١٩).

قبل وفاته بيومين، انتقد دو وي بشدّة تصريحات وزير الخارجية الأميركية مايك بومبيو الذي شجب الاستثمارات الصينية في إسرائيل، بعد أن جدّد اتهامه لبكين بإخفائها معلومات عن «كوفيد – ١٩». تأتي هذه التطورات في ظل الضغوط الأميركية المتزايدة على إسرائيل للابتعاد عن بكين، نتيجة المخاطر التي تحملها مثل هذه العلاقة على مصالح واشنطن.

وتشهد العلاقات الإسرائيلية - الصينية نمواً مطّرداً خلال العقدين الماضيين على الصعيد السياسي والاقتصادي وحتى العسكري. خلال الفترة من ٢٠٠٨ وحتى ٢٠١٨، نمت العلاقات التجارية بين الطرفين بنسبة ٤٠٢%. ما يهم إسرائيل في مثل هذه المعادلة هو توطيد العلاقة مع قوة دولية صاعدة، وجذب الاستثمارات الصينيّة أيضاً إلى البلاد. ومع أن للصين علاقات جيّدة مع إيران، إلا أن إسرائيل لا تحاول حتى توظيف مصالحها مع الصين لعرقلة مثل هذه العلاقة.

في المقابل، فإن اهتمام الصين بإسرائيل ليس طارئاً، وإنما يعود إلى بداية صعود بكين على المستوى الدولي، وهو يرتبط بنظرة الصين إلى إسرائيل كمصدر مهم جداً للتكنولوجيا المتطورة، لا سيما تلك المتعلقة بالصناعات العسكرية، بالإضافة إلى الاهتمام بموقعها الاستراتيجي في مشروع الحزام والطريق. الصين تنظر كذلك إلى إسرائيل بطريق مختصر للوصول إلى المزيد من التكنولوجيا الأميركية وتطبيقاتها العملية (know-how ).

وتنظر الولايات المتحدة، التي تعتبر حليف إسرائيل الأوّل حول العالم، إلى هذه العلاقة بكثير من الريبة والشك، لا سيما في شقّها المتعلّق بالتقنيّة والبنى التحتيّة، وترى أن العلاقات الإسرائيلية - الصينية تشكّل مخاطر أمنية على الولايات المتحدة، فضلاً عن مساهمتها في تقويض مصالح ونفوذ الولايات المتحدة في الشرق الأوسط. من هذا المنطلق، تحاول واشنطن الضغط على إسرائيل لإبقاء العلاقة تحت المجهر.

ولعل أبرز مثالين على محاولة إسرائيل نقل تكنولوجيا أميركية إلى الصين في الجال الدفاعي، يتمثلّ في صفقة نظام الإنذار المبكّر «فالكون» في عام ١٩٩٩، وكذلك صفقة تحديث مسيّرات «هاربي» التي كانت إسرائيل قد باعتها إلى بكين.

في الحالتين، قامت واشنطن بمنع إسرائيل من متابعة الصفقتين وكادت العلاقة بينهما تتدهور بشكل سريع مع إخراج إسرائيل من برنامج إنتاج المقاتلة (أف-٣٥)، والضغط عليها لإقرار قانون يضع قيوداً على تصدير التكنولوجيا المزدوجة أو التي يكون بها مكوّنات أميركية.

لكن الصين لم تيأس، واتّبعت استراتيجية الاستثمار المباشر في شركات التكنولوجيا والمعلومات الإسرائيلية، كما أنها وسّعت اهتمامها بالمشاركة في خطط توسّع البنى التحتية، لا سيما الاستراتيجية منها، كالمرافئ البحرية، وسكك الحديد، والأنفاق، حيث تقدّر قيمة أربعة مشاريع رئيسية للصين في إسرائيل في هذا المجال بحوالي ٤ مليارات دولار.

خلال الأسبوع الماضي، زار بومبيو إسرائيل وانتقد الدور الصيني المتعاظم هناك. أدى ضغط واشنطن إلى وضع تل أبيب صفقة إنشاء أكبر محطّة لتحلية المياه في العالم مع الصين قيد المراجعة.

ومع تعاظم الخلاف الأميركي - الصيني على خلفية انتشار فيروس كورونا، فإنّ إسرائيل ستكون مطالبة في مرحلة من المراحل ليس بالتخلي عن صفقات صينية فحسب، وإنما بالاختيار بين واشنطن وبكين.

وسوم: العدد 877