من حديث العيد : انزعوا قناع التجهم والبؤس والحزن والكأبة عن وجه الإسلام الحنيف

الفرح بالطاعة في ديننا نسك .. والبسمة في شرعنا صدقة

بغض النظر عن المفارقة الواقعية فيما كتب الجاحظ عن "قاضي البصرة " ، وحقيقة الأمر في شخص القاضي عبد الله بن سوار رحمه الله تعالى ؛ تشكل الصورة الكاركاترية التي رسمها الأديب المبدع الفنان تجسيدا حيا لما يحاول البعض أن يغشّي به وجه الإسلام الحنيف الطلق من سحب القترة والغبرة ، حتى تراه كأنما أغشي قطعا من الليل مظلما ، كما يقول القرآن الكريم . يفعل هذا زورا بوجه الإسلام الدين الذي جعل البسمة ، لا التجهم ولا التقطيب ولا العبوس ، صدقة ...

وإذا أخذنا حقيقة اعتبار " الكآبة والحزن " في منظومة القيم الإسلامية ، فإن موقعهما في هذه المنظومة الربانية القدسية سلبي تكاد تقول بالمطلق . وكل ما ورد من حديث عن الحزن في نصوص القرآن الكريم فقد في سياق النفي والنهي والتأمين والاستعاذة من شر يكون فيه . كثر في القرآن الكريم ( وَلا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ ..) وورد بشرى الملائكة المكررة للمؤمنين ( أَلاَّ تَخَافُوا وَلا تَحْزَنُوا ) وورد متعددا الأمان الرباني ( لاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ ) ... ولم يكن الأمر في نصوص السنة إلا مكملا أو مؤكدا على ما ورد في القرآن الكريم وأجمله : وإذا أصابك شيء فلا تقل لو أني فعلت كذا لكان كذا ، ولكن قل : قدر الله وما شاء فعل ؛ فإن لو تفتح عمل الشيطان .

وليس حديثا ثابتا ما يرويه بعضهم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في كلام عدمي بائس أن رسول الله صلى الله عليه كان " متواصل الأحزان " ..!!

كلام بائس من بعض التسللات الإسرائيلية بل ربما البوذية أو الهندوكية .

قال عنه ابن القيم " كان دائم الأحزان " في مدارج السالكين: " حديث لا يثبت، وفي إسناده من لا يعرف ، وكيف يكون متواصل الأحزان وقد صانه الله عن الحزن على الدنيا ، ونهاه عن الحزن على الكفار .."

ويقول زهير : وكيف يكون متواصل الأحزان من كان في صحيح دعائه : اللهم إني أعوذ بك من الهم والحزن . ومن قال لصاحبه في أشد ساعات الكرب ( لاَ تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا ..)

أعود فأقول إن تسويق الإسلام بالوجه الكئيب الحزين هو تسويق لدين وثقافة غريبان عن وجه الإسلام المتهلل الطلق الوثاب الحيوي المتدفق بشرى " بشروا .." ونضارة وسرورا ..وهو ما ينبغي لدعاة الإسلام في هذا العصر أن يتوقفوا عن الاسترسال فيه. عن التوقف عن الاسترسال في تسويق الإسلام على أنه دين الحظر ، مع أن القاعدة الكبرى في التأسيس له أن الأصل في الأحكام والأشياء الأباحة ، ولا يكون حظر إلا بدليل . وكيف يكون دين الحظر ونصه الثابت يقول ( قُل لاَّ أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ ...) فيعدد أمورا يسيرات ، فكأنك في جنة عدن ويقال لك ، فكلوا منها رغدا ..ولا تقربوا هذا وهذا وذاك وفقط ..

وفي المقابل فإن موقع " الفرح " في منظومة القيم الإسلامية هو موقع اعتباري نسبي ، فقد يكون الفرح سلبيا ممقوتا حال اختلاطه بالادعاء والنفج والغرور، و في مثل هذه الحالات نقرأ قول الله تعالى : ( إِذْ قَالَ لَهُ قَوْمُهُ لا تَفْرَحْ إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْفَرِحِينَ ) الآية التي حاول البعض انتزاعها من سياقها ، وتعميمها ، وجعلها قاعدة مطلقة في ذم الفرح والفرحين ؛ لتصنيف الفرح في سلم القيم المرذولة المنبوذة وباسم الإسلام ...ونسي هؤلاء في، تصنيف هذه القيمة الجميلة في سياقها قول الله تعالى ( إِذْ قَالَ لَهُ قَوْمُهُ لا تَفْرَحْ إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْفَرِحِينَ ) وقوله ( وَالَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَفْرَحُونَ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ ) وقوله عن المؤمنين ( فَرِحِينَ بِمَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِن فَضْلِهِ..)..

ويتجاوز الأمر ذلك في منظومة القيم والأخلاق الإسلامية ، حين يكون إظهار الفرح والبشر نسكا ، أي شكلا من أشكال العبادة والقربة إلى الله سبحانه وتعالى ، كما هو حال نسك المسلمين في مثل يوم العيد ، الذي يأمرون فيه بإظهار الفرح والبشر والسرور ، ويتوسعون فيه ، في بعض اللهو مما يشرع في حياة المسلم كما يشرع وضع الملح في الطعام ..!!

يقول سيدنا رسول الله لأبي بكر رضي الله عنه : وقد أنكر على جاريتين تغنيان في بيته في يوم عيد : إنهما في يوم عيد .. ويحار بعض الشراح في الالتفاف على الحديث ، بتصغير سن الجاريتين ، أو بالتحكم في مضمون الأغنيتين وكأن أحدا منهم لم يرو في وصف كعب بن زهير لسعاد :

وما سعاد غداة البين إذ ظعنوا .. إلا أغن غضيض الطرف مكحول

هيفاء مقبـلة عجزاء مدبـرة  .. لا يشـتكى منها قصر ولا طول

سنظل نتفهم أن يبنى الحكم على النص ، ولكننا لن نتفهم أبدا أن تستبد الأحكام بالنصوص !! وهو ما يحاوله بعض الناس في العديد من السياقات التي تبهرهم نصوصها .

ويرد رسول الله صلى الله عليه وسلم على كل الزميتين والزميتات وهو يأذن لرجال الحبشة أن يلعبوا في مسجده الشريف ، ثم وهو يأذن لجاريتين تضربان بالدف في بيته الشريف في يوم عيد ويقول: ذلك لتعلم يهود أن في ديننا سعة ..

أعلموا الناس أن في ديننا سعة لنفرح ونمرح ونلعب وكان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يتبادخون بالبطيخ ، وكان عمر يتغنى في بيته ويقول ، إنا أذا خلونا فعلنا كما يفعل الناس ، فإذا خرجنا إلى الناس كنا نحن الرجال . أعلموهم أن رسولهم صلى الله عليه وسلم لم يكن كتلة من لحم مكسو ..بل كان يعروري فرسه ، يمتطيه عريا بلا سرج ، ويعلق سيفه من عجل في عنقه ، يمازح أصحابه وصويحباته : فيقول لإحداهن أزوجك الذي في عينه بياض ، ويقول لأخرى إنه لا تدخل الجنة عجوز ..حدثوا عن هذا الرسول ، وعن هذا الإسلام دين الرضا ودين البشر والبشرى ودين السعة ، ودين اليسر والتيسير ..أرهقتنا صورة الكهانة والكهنة تتغشى وجه الإسلام الحنيف ..

وعندما حاول عمر رضي الله عنه اجتهادا مرجوحا منه أن يمنع الغزل عن ألسنة الشعراء تغزل الناس بالأشجار والسرحات والنخلات ..

وبقولهم نقول :

بالله يا ظبيات القاع قلن لنا ... ليلاي منكن أم ليلى من البشر

*مدير مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

وسوم: العدد 878