الدَهرُ والعطّار، ومخلوقات أُخَر!

يروى أن أعرابياً ، نزل بأرضِ قوم من الحضر، وكان في ديارهم عجوز متصابية، لاتفتأ تتزيّن وتتجمّل ، وتبذل كلّ غال ورخيص ، لإخفاء آثار الشيخوخة ، التي بدأت تدبّ في أوصالها ، وطمْس مافعَله بجسدها كرّ الأيّام ، وتعاقب الليالي ! فلمّا رآها هذا الأعرابي ، انخدع بمظهرها ، فتقدّم لخطبتها ، ولم يلبث أن تزوّجها ! فلمّا زُفّت إليه،  انكشفت له حقيقة أمرها ، ورأى بين يديه شمطاء ، في ثياب فتاة شابّة ، فقال فيها:

عجوزٌ تُرجّي أنْ تكون فتيّة      وقد نَحَل الجَنبان ، واحدَودَبَ الظهرُ

تَدسّ إلى العطّار سلعَة أهلها      وهل يُصلحُ العطّار ما أفسدَ الدهرُ؟

دخلتُ بها ، قبلَ المحاقِ بليلةٍ     فكان محاقاً ، كلّه ، ذلك الشهرُ

وما غرّني إلاّ خِضابٌ بكفّها      وكُحلٌ بعينيها ، وأثوابُها الصُفرُ!

هذا الأعرابي خدعته عيناه ، ولم يكن ، في عهده ، أجهزة راديو وتلفاز وخلويّات ، ممّا يخدع العين والأذن ، والحواسّ كلها !

فماذا يقول ، اليوم ، مَن يرى ويسمع ، وتُضخّ في عينيه وأذنيه ، معلوما ت من أصناف شتّى ، تمدح هذا وتذمّ ذاك ، وتمجّد الثالث ، وتؤلّه الرابع .. وتقلب الحقائق أباطيل ، والأباطيل حقائق ؟

ماذا يقول ، مَن يرى الخونة المكشوفين ، يمجَّدون ، ويصفَّق لهم ، ويُزعم أنهم رموز الوطنية والإخلاص !؟

ماذا يقول ، مَن يرى المستبدّين ، ينتهكون كلّ شيء في بلاده ؛ كلّ محرّم ، وكلّ مقدّس ، ويسرقون الأموال ، العامّة والخاصّة ، ويزهقون نفوس البشر .. ومع ذلك، كلّه ، يَعدّهم المنافقون ، في وسائل الإعلام : رموزاً للعدالة والنزاهة ، والشرف والعفّة !؟

وسوم: العدد 879