بشار الأسد ومحطات الصعود إلى القاع

د. محمد أحمد الزعبي

(  سوف نكتفي بالنسبة للمحطات الفرعية ، بتعدادها ، دونما شرح موسع ، اعتقادا منا ، أن هذه المحطات باتت معروفة لمعظم قرائنا الكرام ) 

1.محطة الوحدة المصرية السورية عام 1958

+ يعتير حل الحزب عام 1958 المحطة الفرعية  ، التي شهدت الإنشقاق الأول في الحزب  ، والذي  عرف آنذاك بانشقاق القطريين ( فرع الحزب في دير الزور ) الذين لم يوافقوا على حل الحزب لصالح أحد شعاراته الثلاثة ( الوحدة ) على حساب شعاريه الآخرين   ( الحرية  والإشتراكية  ) .

+ يعتبر تشكل اللجنة العسكرية الخماسية ( محمد عمران ، صلاح جديد ، حافظ الأسد ، عبد الكريم الجندي ، أحمد الأمير ) في القاهرة1959  ، والتي مثلت  عملياً " البذرة " الطائفية  التي سيطرت بعد الإنفصال  على الحزب والجيش والتي تعتبر المحطة الفرعية الأهم  من مراحل نبتة 8 آذار 1963 الطائفية ، وبالتالي صعود عائلة الأسد بداية إ لى كرسي الحكم ،  ومن ثم إلى  التوريث ، وأخيراً إلى القاع . هذا وتعتبر       ( ثورة  الثامن من آذار 1963 )، الأخت الشقيقة لثورة الثامن من شباط اليسارية في العراق ( انقلاب علي صالح السعدي ) ، حيث المسافة الزمنية بينهما ثلاين يوما فقط

+ انعقاد المؤتمر القومي الخامس في حمص  1962 ومشاركة صلاح جديد  فيه كمراقب ( كون الحزب محلول في سوريا ) وكممثل عن لجنة القاهرة العسكرية الخماسية ، وإفتائه ( المؤتمر)  بضرورة تفعيل نشاط الحزب في سوريا ، الذي سبق أن حلته القيادة الثلاثية  للحزب ( عفلق ، الحوراني ، البيطار ) عام 1958.  

2. محطة ثورة الثامن من آذار 1963 :

+المؤتمر القومي السادس 1963 ، الذي عقدته قيادة حمود الشوفي القطرية اليسارية بدمشق ، بالتعاون مع مجموعة علي صالح السعدي العراقية ، والتي كان حافظ الأسد أحد أعضائها البارزين الثمانية آنذاك ، والتي كانت خليطاً من المدنيين والعسكريين .

+ بعض المنطلقات النظرية  ، التي كتبها حيينها و بتكليف من حمود الشوفي ، السيدان الياس مرقص و ياسين الحافظ  ، والتي تمثل باكورة الإنقسام وبالتالي الصراع القومي ( ميشيل عفلق ) القطري ( اللجنة العسكرية الخماسية  ، التي كانت ماتزال تحمل طابعاً سرياً / تقوياً) . هذا مع العلم أن " دستور " الحزب الذي أقره المؤتمر التأسيسي عام 1947 كان يعتير المرجعية النظرية ( الأيديولوجية ) للتيار العفلقي ، في حين مثلت  "بعض المنطلقات النظرية " التي اقرها المؤتمر القومي السادس 1963 المرجعية النظرية ( الأيديولوجية ) للتيار اليساري  في البعث ، والذي كان قريباً من الماركسية ومن الإشتراكية العلمية .

3. محطة المؤتمر القطري التوافقي  ( بين عفلق والعسكر) عام 1965 ،

+ تمت في هذا  المؤتمر ، توسعة القيادة القطرية من 8 إلى 15 عضواً ، والتوافق على تسمية أعضائها بين ميشيل عفلق وكبار الضباط البعثيين  ( عملياً مجموعة صلاح جديد )، والذين كان من المفروض أن تذاع هذه الأسماء من إذاعة دمشق ،في نشرة الأخبار الصباحية ،  إلاّ أن المفاجأة كانت أن إذاعة الكيان الصهيوني قد أذاعت هذه الأسماء قبل إذاعة دمشق .  وهو الأمر الذي جعل المخابرات السورية ( المرحوم اللواء أحمد سويداني ) تكثف بحثها عن جاسوس ما داخل المؤتمر أو قريب منه ،هو من قام بتسريب هذه الأسماء وهكذا تم اكتشاف  الجاسوس الإسرائلي " إيلي كوهين " والذي كان متخفياً تحت اسم تاجر عربي يدعى " كامل أمين ثابت " ويقطن في بناية قريبة من قصر الضيافة في المالكي ، حيث العديد من السفارات الأجنبية .                                                                                     لقد تم اكتشاف الجاسوس كوهين ، في الأيام القليلة التي تلت المؤتمر ،  وتمت محاكمته ، ومن ثم إعدامه  في ساحة المرجة بدمشق بتاريخ 18 ماي 1965 .

+ حل القيادة القطرية الموسعة  ( ال15) من قبل القيادة القومية  1965 وتعيين قادة قطرية بديلة ، وتمرد القطرية  المحلولة التي كان يقودها عملياً صلاح جديد وحافظ  الأسد  وعبد الكريم الجندي ، على القيادة القومية ، وعلى أمينها العام الدكتور منيف الرزاز  ، الذي  سبق أن تم اسدال عفلق به بناء على رغبة الجناح  العسكري  ( عملياً لجنة القاهرة الخماسية ) في الحزب :

4. محطة حركة 23 شباط 1966 :

+الإنقلاب العسكري القطري الطائفي ( مجموعة صلاح جديد  وحافظ الأسد ) على القيادة القومية ( ميشيل عفلق ومنيف الرزاز ) ، كرد قطري على حل القيادة القومية للقيادة القطرية  السورية  1965 .

+ تكليف  نور الدين الأتاسي بمهمة الأمين العام للحزب و برئاسة الدولة ، ومحمد الزعبي بمهمة الأمين العام المساعد ، وصلاح جديد بمهمة الأمين العام المساعد لشؤون القطر السوري ، وتكليف  يوسف الزعين برئاسة مجلس الوزراء وحافظ الأسد بوزارة الدفاع ، وابراهيم ماخوس بوزارة الخارجية ، ومحمد الزعبي بوزارة  الإعلام    إضافة إلى مهمته الحزبية  كأمين عام مساعد للحزب (!!). وكان السبب الكامن وراء هذا التكليف  الأخير ، بروتوكولياً  ، أي تطبيقياً إزاحة  محمد الزعبي عن مهمته الحزبية ، كأمين عام مساعد للحزب ، وتحويله إلى منصب سياسي ( وزير إعلام )    بعيداً عن قيادة الحزب القومية .

+ مداخلة محمد الزعبي النقدية في اجتماع القيادتين  بتاريخ 26.03.1967  ومغادرته  قاعة الإجتما ع ، تأكيداً وتنفيذاً لتلك المداخلة  النقدية ، التي كانت تحمل اتهامات ضمنية شبه صريحة بالطائفية  لبعض أعضاء القيادة القطرية والقومية .

+ قرار القيادة بإدانة  مداخلة الزعبي ، وتكليف حاكم الفايز بإبلاغه بهذا القرار ( في منزله ) بتاريخ 27.03.1967  ، وتسليمه ورقة  تحتوي على نص قرار القيادة  ، والذي قال المرحوم حاكم الفايز ، أنها  ( الورقة القرار) بخط  المرحوم اللواء أحمد سويداني ، وهي ( الورقة القرار ) ماأحتفظ به لدي حتى اليوم . وهذا هو نص قرار القيادة ، كما جاء في هذه الورقة المرسلة إلي  :

 ( قامت القيادة بمناقشة ماطرحه الرفيق محمد الزعبي في جلسة القيادة  يوم  26/3/67 وقررت ، شجب ماورد بحديثه من أفكار وعبارات تمس مقررات المؤتمر القومي التاسع وتوصيات ومقررات المؤتمرين القطريين الثاني الإستثنائي والثالث ، وما ورد من أسس وشعارات وحقائق في البيان الذي طرحته حركة 23 شباط 1966 . كما قررت أن تطلب إلى الرفيق محمد الزعبي أن ينقد نفسه نقداً ذاتياً واضحاً وصريحاً ، وأن يعترف بخطئه وبعدم صحة ماتدل عليه بعض ألفاظ حديثه المشار إليه ، وأنه قد قال ذلك عن غير قصد منه ) . 

+ واقع الحال أنني لم أستجب لقرار القيادة بالإعتذار ،  ولم تقم القيادة باتخاذ أي إجراء حزبي ضدي ، ولم أتقدم بدوري بالإستقالة لامن الحزب ولامن  القيادة أو الوزارة ، وهكذا بقيت في وضع حزبي  إشكالي مزدوج، ( لامعلق ولا مطلق ) حتى التغيير الوزاري بعد هزيمة 1967. حيث تركت الجمل بما حمل وغادرت إلى ألمانيا لدراسة الدكتوراة .

+ قبيل حرب حزيران 1967 ،وفي أحد اجتماعات القيادة والذي كان يجمع  عادة بين القيادتين القومية والقطرية ، أبلغني صلاح جديد ، أن القيادة  قلقة من أداء وزارة الإعلام ، قياساً على إذاعة القاهرة  ، وسألني فيما إذا كنت أوافق على أن يشرف معي على هذه الوزارة كل من الرفيقين  نور الدين الأتاسي ( الأمين العام للحزب ) وصلاح جديد ( الأمين العام المساعد لشؤون القطر السوري ) ، فكان جوابي بالموافقة . وهكذا أصبحت وزارة الإعلام تحت إشراف " مزدوج " ، وهو مااستمرت عليه الحال حتى انعقاد المؤتمر القطري بعيد هزيمة 1967 ( في مقر اللواء 70 قرب " الكسوة " على ماأظن )، حيث اعتزلت العمل الحزبي والسياسي ، ورفضت عرض الدكتور يوسف زعين رئيس الوزراء ، ان أشترك معه في الوزارة الجديدة ( وزارة مابعد الهزيمة )  كنائب لرئيس الوزراء للشؤون الثقافية ، و بقيت مصراً على موقفي ( ترك الجمل بما حمل ) وسافرت إلى ألمانيا للدراسة ( صيف 1968 ) كما سبق أن ذكرت .

5. المحطة الكبرى ، حرب حزيران  1967  والبلاغ العسكري  66 :

 +  لقد كتبت ونشرت الكثير حول  كل ماأعرفه وما عرفته  ( كشاهد عيان ) عن  خلفيات هذا الموضوع  . ولقد أكد كافة من استشهدت بهم وخاصة ( اللواء أحمد سويداني ، مروان حبش ، فؤاد بريك ) أن أياً من جنود العدو ، لم تكن قد وطأت قدمه مدينة القنيطرة ، عندما أذيع البلاغ العسكري رقم 66 ، الذي أصدره وزير الدفاع حافظ الأسد . وما أرغب أن أقوله الآن ، وهنا ، هو مايلي :                                       إذا كان حافظ الأسد عندما أصدر البلا غ 66 كان على علم بأن مدينة القنيطرة ، ماتزال بيد  أهلها ( لم تسقط ) ، ورغم ذلك أصدر البلاغ ، فإنني أضع ألف إشارة استفهام وتعجب وشبهة ، على موقفه  في حرب حزيران عام 1967 ( بما في ذلك البلاغ 66 ) بل وعلى موقف وريثه وابنه بشار من ضياع هضبة الجولان والتبرع بها لنتنياهو ، مقابل أن يتكفل هذا الأخير بحماية  الكرسي الذي ورثه عن أبيه ، كي تظل مسألة البلاغ 66 سراً خالصاً ضمن العائلة الأسدية فقط لاغير .

+ أظن هنا ، - والله أعلم -  أننا أمام طغمة من الطا ئفيين. بذرتها خماسية القاهرة 1959 وثمرتها المرّة كل ماشهدناه ونشهده وربما سنشاهده ، من آلام ومآس ودماء وأشلاء  وتهجير وإخفاء قسري وموت تحت التعذيب في السجون ومقابر جماعية ومجازر منذ 1963 وحتى ساعتنا هذه . و أجزم أيضاً ( كشاهد عيان ) ، أن  سكوت نظام الأسدين على احتلال  الكيان الصهيوني  لهضبة الجولان ، وعلى الدورالقذرالذي لعبه مؤخراً الرئيس الأمريكي " ترامب " ومعه بعض الأنظمة العربية ، في هذا الموضوع  ( ضم إسرائيل  لهضبة الجولان ) إنما يدخل في باب الخيانة  الوطنية بشحمها ولحمها . لقد هتف شباب ثورة آذار 2011 " اللي بيقتل شعبه خاين "  ، فكيف به إذا فرط بأرض هذا الشعب بعد قتله . ( إقرأ في الحوا ر المتمدن ، مقالنا  " هضبة الجولان  والمتآمرون الثلاثة " ، تاريخ  21 ماي 2020 ) .

6. الحركة التصيحية  لحافظ ( الأب ) 1970 :

+ تنتمي هذه الحركة ، والتي يسميها الكاتب ( الحركة التضليلية ) إلى مرحلة الصراع  بين صلاح جديد وجناحه المدني في القيادة القطرية من جهة ،  وحافظ الأسد وزير الدفاع في حرب حزيران 1967 ، وصاحب البلاغ 66 المشبوه، وجناحه العسكري الطائفي  في الجيش والحزب من جهة أخرى . ولاسيما  بعد وقف القتال وصدور قرار مجلس الأمن 242 .

+ لقد سمحت هذه الحركة ذات البعد العسكري الطائفي لحافظ الأسد ، وخاصة بعد ان وضع صلاح جديد ومجموعته في السجن ، أن يحكم سورية حكماً فرديا ديكتاتورياً طيلة حياته التي امتدت حتى عام 2000 ، وأن يورث هذا الحكم من بعده لابنه بشار ، الذي سلم سورية ( الجمهورية العربية السورية ) بدوره بعد 2011 إلى كل من الحرس الثوري الإيراني وحسن نصر الله اللبناني  وفلادمير بوتن الروسي ، وبعد  أن أبلغ ابن خالته رامي مخلوف إسرائيل أن أمنها واحتفاظها بهضبة الجولان باتا مرتبطين  بأمن بشار وأمن نظامه ، أي عملياً باستمراربشار بالسلطة - كما والده - حتى الموت ، ثم توريثها لولده حافظ من بعده ، - أيضاً كما فعل والده - .

+ لقد كانت " الجزرة " التي كان بشار يغري بها ، كل من خف لمساعدة نظامه على البقاء والصمود في وجه ثورة آذار 2011 ، في الشرق والغرب ، هي أن " ىسوريا الأسد" باتت خالية من "ألإسلام المعتدل " ( السنّي )الذي كان يقض مضاجعهم  ويشجعهم على أن يخفوا ( بتشديد الفاء ) لفورهم  لحمايته وحماية نظامه العلماني ، الذي لاينظر إلاّ إلى حاضر سوريا  وإلاّ إلى مستقبلها  ، بعيداً عن "ماضيها " القريب أو البعيد ، الماضي الذي بات – بنظرهؤلء العلمانيين  - شيئاً من التاريخ لابد من نسيانه !! . إن المضحك والمبكي في هذا التصور ( العرفاني !!) عند كل من الشرق والغرب ، هو أن عليا ابن أبي طالب ( رضي الله عنه ) وولديه الحسن والحسين وأمهم فاطمة الزهراء ، إنما ينتمون إلى القرن العشرين ، قرن الخميني والخامنئي  وبوتن ونتنياهووترامب ، وليس إلى القرن السابع الميلادي  .  اللهم أدم علينا عقولنا . آمين .

+ نأمل أن يقوم قانون قيصر بتغيير السياسة الأمريكية  وإنصاف الشعب السوري المظلوم  من عائلة الأسد ، في إطارالقانون الدولي وحقوق الإنسان

7. ثورة العشرين تعود في ثوبها الجديد  :

+ الثوب الجديد هنا يشير إلى أمرين متلازمين ، الأول  إلى الثورة السورية التي قادها سلطان باشا الأطرش ضد الفرنسيين  في عشرينات القرن المنصرم ، والثاني إلى انخراط أحفاد قائد ثورة العشرين ، أبناء مدينة السويداء الأشاوس ، عاصمة محافظة جبل العرب ، في ثورة 2011 ، ومطالبتهم عبر هتافاتهم وشعاراتهم  المعلنة برحيل  نظام عائلة الأسد  ( الشعب يريد إسقاط النظام ).

+ إن هذه الثورة الشعبية الجديدة ، في السويداء  إنما تمثل- برأينا -  غرس  المسمار الأخير في نعش بشار الكيماوي ( أبو البراميل ) ، ونعش النظام الذي ورثه عن  أبيه ، ذلك النظام المشبوه والمدان ، الذي بدأ ه الأب بالمساومة على الجولان ( البلاغ 66 ) ، واختتمه الإبن بالمساومة على  الوطن ( ج ع س ) كلّهً حيث قام بوضعه  تحت تصرف بوتن وولي الفقيه  ونتنياهو وترامب ، بل وتحت تصرف لكل من يتطوع من الدول العظمى والصغرى لحمايته  وحماية نظامه من غضبة الشعب عليه  ، أي حمايته من السقوط إلى القاع .

+ وختاماً :  تحية إلى أبناء السويداء الأشاوس ، والذين سيتم على أيديهم -إنشاء الله- إسقاط هذا النظام  . وليرحم  الله شهداء ثورة 2011 المستمرة ، ويرحم  قبلهم شهداء ثورة العشرين ، وقائدها العظيم  سلطان باشا الأطرش . آمين.

وسوم: العدد 882