الأمـْــنُ الفِكْــــريُّ

الدَوْلَةُ التي تَحْرِصُ علَى مَكَانَةِ مَهِيبَةٍ، بَيْنَ الأُمَمِ، وَتَتطَلَعُ إلى مُشَارَكةٍ مُؤثِّرَةٍ في التَفَاعُلاتِ والمُوازَنَاتِ الدَوْليَّةِ، تَحْتَاجُ إلى قُوَةٍ فَاعِلَةٍ في: أمْنِهَا الفِكْرِيِّ. وَهَذِهِ مَسْألَةٌ مَحْوَرِيَّةٌ في حَيَاةِ الأُمَمِ، والله تَعالى جَعَلَهَا مِنْ أولَويِاتِ مَقَاصِدِ رِسَالَةِ الإسْلَامِ العَظِيمِ لِقولِه تَعالى: "وَيَتَفَكَّرُونَ في خَلقِ السَّمَوَاتِ وَالأرْضِ" ولِقولِه تَعالي: "أولم يتفكروا بأنفسهم" ولقولِهِ جَلَّ شَأنُه:" أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآن". والأمْنُ الفِكْرِيُّ والثَقَافيُّ، والاجْتِمَاعيُّ، والاقتِصَادِيُّ، والأمْنُ الوَطَنِيُّ، وَالإقْلِيميُّ، وَالعَالَمِيُّ، دَوائِرٌ مُتَكَامِلَةٌ ومُتَلازِمَةٌ، مِمَّا يُوجِبُ تَكَامُلُ وتَلازُمِ مَسْؤولِيَاتِ الأدَاءِ الأمْنِيِّ, لِقَوْلِ رَسُولِ اللهِ سَيِدِنَا محمد صلى الله عليه وسلم :" أَلَا كُلُّكُمْ رَاعٍ، وَكُلُّكُمْ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، فَالْأَمِيرُ الَّذِي عَلَى النَّاسِ رَاعٍ، وَهُوَ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، وَالرَّجُلُ رَاعٍ عَلَى أَهْلِ بَيْتِهِ، وَهُوَ مَسْئُولٌ عَنْهُمْ، وَالْمَرْأَةُ رَاعِيَةٌ عَلَى بَيْتِ بَعْلِهَا وَوَلَدِهِ، وَهِيَ مَسْئُولَةٌ عَنْهُمْ، وَالْعَبْدُ رَاعٍ عَلَى مَالِ سَيِّدِهِ وَهُوَ مَسْئُولٌ عَنْهُ، أَلَا فَكُلُّكُمْ رَاعٍ، وَكُلُّكُمْ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ". والإسْلَامُ يُقَرِرُ أنَّ كُلَّ مُواطنٍ ومُواطِنَةٍ عُنْصرُ أمْنٍ كَمَا في قَوْلِه تَعالى: "وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُوا بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُوْلِي الأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ". ولِقْولِ رسُولِنَا وَنَبِيِّنَا سَيْدِنَا محمد صلى الله عليه وسلم : "كُلٌّ مِنْكُم علَى ثُغْرَةٍ مِنْ ثُغَرِ الإسْلَامِ ألله ألله أنْ يُؤتَى الإسْلَامُ مِنْ قِبَلِه". والأمَنُ اليَوْمَ هُو الهَاجِسُ الأكْثَرُ حُضُورًا في أوْلَويَّاتِ المُجْتَمَعَاتِ، حَيْثُ تَتَسِعُ سَاَحَاتُ الخَوْفِ والرُعْبِ في حَيَاتِها.. ولِمُواجَهَةِ هَذِه الظَاهِرَةِ المُدَمِّرَةِ يَنْبَغِي تَأصِيِلُ مَفْهُومِ الأمْنِ الشَامِلِ علَى أسَاسٍ مِنَ التَكَامُلِ والتَلازُمِ بين: الأمْنِ الفِكْرِيِّ، والأمْنِ الوُجْدَانِيِّ، والأمْنِ الوَسَائِليِّ .. فَمِنْ أيْنَ نَبْدَأ ..؟ المُتَأمِلُ بِدِقْةٍ في نُصُوصِ القُرْآنِ الكَرِيمِ، والسُنَةِ النَبَويَّةِ المُطَهَرَةِ، يَجِدُ أنَّ إقَامَةَ العَدْلِ وَتَحْرِيمَ الظُلمِ , هُمَا أسَاسُ الأمْنِ ,بَل وَالحَارِسُ الأقْوى لأمْنِ المُجْتَمَعَاتِ واسْتِقْرَارِهَا.. والعَدْلُ هُو الأرْضِيَّةُ الصَلبَةُ لِشُمُوخِ صُرُوحِها الحَضَارِيَّةِ علَى امتِدَادِ الزَمَانِ وامتِدَادِ المَكَانِ.

وسوم: العدد887