اتفاق السلام الإماراتي الإسرائيلي .. الخلفية والمآل

نكبتان عربيتان في تسعة أيام ! الأولى نكبة تفجير مرفأ بيروت في الرابع من الشهر الحالي ، والثانية نكبة " اتفاق السلام " بين دولة الإمارات العربية المتحدة وإسرائيل الذي أعلنه ترامب واصفا له ب " التاريخي " . والمنتظر توقيعه بعد ثلاثة أسابيع في البيت الأبيض . النكبتان متصلتان زمنيا لكون مصدرهما واحدا هو أميركا وإسرائيل ومن يقف في صفهما من الدول العربية ، وفي مقدمة هذه الدول الإمارات ، وكل حسب قدرته في النكبتين . النكبة الثانية ليست مفاجئة ، فهي متوقعة من نظام وظيفي صنعه الغرب الاستعماري من نوعية "دويلة"  الإمارات ، له علاقات سرية طويلة مع إسرائيل ، وجرأته الأحداث العربية منذ عشر سنوات على المجاهرة بهذه العلاقات حتى وصل مرحلة توقيع سلام مجاني معها ، وجد في نفسه السفاهة والوقاحة على الزعم أنه ،السلام ، ثمرة لموافقة إسرائيل على وقف الضم في الضفة الغربية الذي اشترطه على إسرائيل . وسارع نتنياهو بنفي الموافقة الإسرائيلية ، ونفاها فريدمان سفير أميركا في إسرائيل ، وقال إنها " تعليق مؤقت " ، وإن أطراف الاتفاق صاغت هذا التعبير بعناية . ولا أحد يتوقع أن توقف إسرائيل الضم إرضاء ل "دويلة " من نوعية الإمارات تؤمن أنها في حاجة لإسرائيل ، وتعلم إسرائيل هذه الحاجة ، وتعلم أن الإمارات لا تهمها القضية الفلسطينية في شيء ، وأن النظام الإمارتي مثله مثل سائر الأنظمة العربية لا يهمه سوى بقاء حاكميته وطغيانه الاستبدادي . وأحسنت حنان عشراوي ، عضو اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية ، حين نهرت محمد بن زايد ولي عهد الإمارات وحاكمها الفعلي عن اتخاذ الفلسطينيين ورقة توت لإخفاء قبح فعلته في اتفاق السلام مع إسرائيل الذي نثق ثقة خالصة أن شعب الإمارات العربي يرفضه كليا ، وعبر معارضون إماراتيون في الخارج عن هذا الرفض ، وهم صورة صادقة لهذا الشعب ، ومنهم حمد الشامسي المعارض المقيم في تركيا الذي قال : " هذه الخطوة تتويج لخطوات سابقة باتجاه تطبيع العلاقات مع الكيان الصهيوني ، وتأتي بعد أن كبلت السلطات المجتمع الإماراتي بقوانين تجرم الاعتراض على قراراتها السياسية " . 

لماذا جاء الاتفاق في هذا التوقيت ؟!  

فضلا عن سوء حال العالم العربي التي تُعجز شرفاءه وقواه الشعبية عن ردع المارقين المجاهرين بانحيازهم لأعداء الأمة فإن دواعي ظرفية عجلت بهذا الاتفاق ، هي :  

أولا : صدمة محور المقاومة بتفجير بيروت ، وانشغال المنطقة بآثار هذا التفجير . 

ثانيا : حاجة ترامب إزاء تفوق منافسه بايدن إلى دعم إسرائيل ويهود أميركا في حملته الانتخابية لرئاسة ثانية ، وهو ، ترامب ، يبشر بأن دولا عربية أخرى ستحذو قريبا حذو الإمارات ، وكل هذا يعاظم إمكانات نجاحه في الانتخابات ، وزايد عليه بايدن فأيد الاتفاق .  

ثالثا : سيفيد الاتفاق في لم صفوف الإسرائيليين حول نتنياهو الذي يشتبك في صراع مرير مع شريكه في الحكومة جانتس ، ونتنياهو مفضل لترامب .  

والحق أن أطراف الاتفاق أعدت له جيدا ، ونسقت مع أتباعها في المنطقة ، وآية ذلك الإعداد والتنسيق مسارعة السيسي إلى تأييده زاعما ، على طريقة الإمارات ، أنه استجابة لتخلي إسرائيل عن الضم في الضفة .  ومؤلم فاجع أن تهوي دولة في قامة مصر إلى هذا الإسفاف والانحطاط الوطني والقومي ، وتتبع " دويلة " في قامة الإمارات . والمرجح أن نظام السيسي وعد بمكافأة مالية ثمنا لهذا التأييد السريع ، سبق الحديث عنها في مؤتمر البحرين عن السلام الاقتصادي في المنطقة .  

من نلوم على النكبة الثانية التي هزتنا في تسعة أيام ؟! كل الأمة ملامة ، وأقصد شرفاءها ، وهم الأكثرية ،  الذين سكتوا على طغاتها الفاسدين الذين ساروا بها إلى حيث يريد أعداؤها بثمن بخس هو بقاؤهم في مواقعهم المتحكمة في البلاد والعباد . ولا نعزي أنفسنا بالقول إن هذا الانهيار القومي العربي مؤقت ، وسيتلوه انبعاث قومي يجرف الطغاة العرب بدايةً فاصلة لهزيمة المشروع الصهيوني والتغول الغربي الوحشي بقيادة أميركا . وما أكبر خطأ إسرائيل حين تتوهم أن سلامها مع مزيد من الدول العربية سيحل صراعها الكبير مع الفلسطينيين الذي هو في صميمه جزء أولي من صراعها مع هذه المنطقة العربية والإسلامية . مآلات سلام إسرائيل مع الأنظمة العربية هلاك لها ولهذه الأنظمة ، وفي ما آل إليه بعض العرب والمسلمين   الذين تحالفوا  مع الصليبيين من بوار وعار  تاريخي عبرة ناصحة حين هزم الصليبيون وطردوا من المنطقة ، والإسرائيليون يعلمون هذا ، وقال شارون إنه درس تاريخ الصليبيين في المنطقة مائة مرة ليعرف سبب هزيمتهم وطردهم منها حتى يتجنبه الإسرائيليون ، فلا يهزموا فيها ولا يطردوا منها إلا أنه لا نجاة لهم ولا لحلفائهم من العرب من وبال هذا المآل الحتمي .  

وسوم: العدد 890