درعُ الفرات تتخطّى سنتَها الرابعة

من ثمار فشل المحاولة الانقلابية، التي قادها مجموعة من الضباط الأتراك، بمساندة من جماعة فتح الله غولن، ضد العدالة والتنمية، في: 15/ 7/ 2016، عمليةُ درع الفرات (Fırat Kalkanı Harekâtı)‏.

ففي الرابعة صباحًا من يوم الاربعاء: 24/ 8/ 2016، يعلن الرئيس أردوغان عن الشروع بتحرّك عسكريّ تركيّ في الداخل السوريّ، في أول توغل كبير للقوات الخاصة التركية منذ عملية قصيرة لنقل ضريح سليمان شاه في: شباط/ 2015؛ كتعبير عن فكّ الأغلال التي كانت تقيد إرادته في التحرّك في هذا الملفّ بشكل أكثر عملياتيًّا، وكردّ عمليّ على مزاعم قوات سورية الديمقراطية بأنّ لتركيا اتفاق مع داعش، لإنقاذه في جرابلس من هجوم قواتها، وهو الادعاء الذي يستجلب مشاكل خطيرة بالنسبة لأنقرة، كونه يؤمن به كثيرون في واشنطن وتركيا.

صحيحٌ أنّ المُعلن من درع الفرات هو القضاء على عناصر داعش، في المنطقة الواقعة بين نهر الفرات إلى الشرق والمنطقة التي يسيطر عليها المتمردون حول أعزاز إلى الغرب؛ غير أنّ هناك غايات ذات أُطر ستراتيجية أكبر، في بلد ضاقت مساحتُه بتحرّكات (82) دولة، بذريعة محاربة الإرهاب الذي يمثّله تنظيم داعش، بعضها يبعد عنه آلاف الأميال، كنيوزلاندا التي تبعد عن دمشق (16,115 كم)

إنّه في الحديث عن درع الفرات تستوقفنا ثلاثة أمور:

1- إنّها جاءت كإحدى أهمّ نتائج فشل المحاولة الانقلابية ضد حزب العدالة والتنمية، حيث شعر الرئيس أردوغان أنّ يده قد أطلقت في كثير من الملفات، التي كانت تقيده فيها الدولة العميقة، ولاسيّما في المؤسسة العسكرية، التي كانت هي المتنفذّة في الملف السوريّ، عندما اتضح أن جلّ القادة الذين كانوا يمسكون به، هم من العناصر الانقلابية، الذين كانوا يقفون حجر عثرة أمام رغبته في التحرّك فيه، بحسب ما أفادت التقارير بأن تركيا أعدت خططًا من أجل التدخل في سورية قبل أكثر من عام، ولم يتسنّ لها التنفيذ نتيجة اعتراضات داخلية في معظمها.

2- إنّ التحرّك التركي لم يأت عفو الخاطر، وكمغامرة غير محسوبة النتائج، بل كان نتيجة توافقات دولية، وبعد سلسلة تحرّكات داخلية للعدالة والتنمية، ابتداءً بالأحزاب وانتهاءً بالبرلمان، وبعد جملة اتصالات دولية مهّدت لتخطّي وحدات الجيش التركي الحدود في العمق المجاور، الذي يجمعه مع تركيا شريط حدوديّ يزيد على (900كم).

ففي: 9/آب 2016، زار أردوغان روسيا، والتقى نظيره بوتين، بعد 9 أشهر من التوتر إثر إسقاط سلاح الجو التركي في: 24/ تشرين الثاني 2015 طائرة روسية عند الحدود السورية التركية.

وفي: 19/آب 2016، زار وزير الخارجية إيران، بعد أسبوع من زيارة قام بها نظيره الإيراني لأنقرة.

ليخرج بعدها رئيس الوزراء، بن علي يلدريم، معلنًا أنّ بلاده ترغب في أن تقوم بدور "أكثر نشاطًا" في الملف السوري خلال الأشهر الـ6 المقبلة.

صحيح أنّ الهدف المعلن للتحرّك التركي هو استهداف تنظيم داعش؛ غير أنّ هناك هدفًا آخر، لا يقلّ وجاهة عنه، يتمثَّل في توجيه ضربة إلى القوة السياسية والعسكرية لحزب الاتحاد الديمقراطي، وتعزيز موقفه المتوقع للتحول نحو مزيد من الحرب أو السلام.

وهو ما أعلنه وزير الدفاع التركي، فكري إيشيك: "منع حزب الاتحاد الديمقراطي الكردي من توحيد كانتونات كردية شرق جرابلس، مع تلك المناطق الغربية التي يتموضع فيها".

3- إنّ الآمال التي كانت معقودة على التدخّل التركي المباشر في الملف السوريّ، ربما قد آتى بعضها أُكله في مناطق تدخّلها الثلاث (درع الفرات، غصن الزيتون، نبع السلام)؛ كونه قد أوكل إلى قيادة الجيش التركي بالدرجة الأولى، بمؤازرة الجهات المدنية في المناطق التركية المحاذية، وهو ما أثمر عن نتائج ملموسة فيها، من حيث الخدمات والمستوى المعاشي للقاطنين فيها؛ غير أنّ هناك أختًا رابعة لهنّ، هي منطقة درع الربيع (إدلب الكبرى) ما تزال ترقب أن يكون لها ما كان لأخواتها، اللواتي شاءت الإرادة الدولية أن تكون تحت النفوذ التركي، ريثما تتهيّأ السبل لحلّ سياسيّ في سورية.

وتذهب التوقعات إلى أنّ السبب في ذلك هو جعل ملفّها بيد الجهات الأمنية، التي لم تبدِ اهتمامًا للجوانب التنموية والإنسانية؛ الأمر الذي انعكس سلبيًا على طريقة التعامل مع ملف إدلب، التي يرى قاطنوها أنّه بموازاة الأرتال العسكرية، ينبغي أن يكون هناك برامج تنموية تلبّي حوائجهم الضرورية، على غرار ما كان في تلك المناطق الثلاث.