الفُتُوحَاتُ الإسْلاَمَيَّةُ

حامد بن أحمد الرفاعي

ذُكِرت عِبارةُ "فَتْحٌ" لأوْلِ مَرْةٍ في سُورَةِ الفَتْحِ :"إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُّبِينًا ليَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِن ذَنبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ وَيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ وَيَهْدِيَكَ صِرَاطًا مُّسْتَقِيمًا" وهَي نَزَلَت علَى رَسُولِ الهُدِى سَيِدِنَا محمد صلى الله عليه وسلم بَعَدَ صُلحِ الحُدَيَّبِيَّةِ..فَكَانَت تَأيِيِدًا مِنْ رَبِّ العَالَمِيِن لِلصُلْحِ ومَا جَاءَ فِيِه.. بَلْ وصَفَهُ جَلَّ شَأنُه "بِالفَتِحِ المُبِيِنِ" فَالفَتْحُ في الإسْلَامِ يَكُونُ مَعَ حَقْنِ الدِمَاءِ , وَلَيْسَ مَعَ سَفْكِهَا كَمَا جَاءَ في قَوْلِه صلى الله عليه وسلم :" واللهِ لا تَدْعُونِي قُرَيْشٌ اليَوْمَ إلى خِطَةٍ أحقنُ بِهَا دِمَاءَ النَّاسِ إلاَّ أجْتُها". أجَلْ الفَتْحُ يَكُونُ مَعَ السْلِّمِ والأمَانِ , ولَيْسَ مَعَ الحُرُوْبِ والدَمَارِ.. أمَّا حَالَاتُ الظُلْمِ والاعْتِدَاءِ والْعِدْوانِ والبَغِيِّ فَلَا تَهَاونَ ولَا تَسَاهُلَ مَعَها.. لِذَا كَانَت بَيّْعَةُ الرِضْوانِ يَوْمَ أنْ بَلَغَ المُسْلِميِنَ أنَّ قُرَيْشًا قَتَلَت عُثمان بن عفان- رضي الله عنه.. ولَمَّا تَبَيَّنَ لَهُم خِلَافَ ذَلِكَ.. تَغَيْرَ المَنْحَى مِنَ الاتِجَاهِ إلى الحَرْبِ لِرَدِ العُدْوانِ, إلى الحِوَارِ والتَفَاوضِ فَكَانَ الصُلْحُ وكَانَ حَقْنِ الدِمَاءِ.. وذَلِكَ تَأصِيِلًا لِمَبْدَأ جِهَادِ الكَلِمَةِ والبَيَانِ والحُجَةِ والبُرْهَانِ.. فَالأصْلُ في الجِهَادِ تَبْلِيِغِ دِيِنِ اللهِ تَعَالى للنَاسِ بِالحِكْمَةِ والمُوْعِظَةِ الحَسَنَةِ.. أمَّا حِيِنَ يُمْنَعُ المُسْلِمُونَ مِنَ التَّعْرِيِفِ بِدِيِنِهِم.. فَالإسْلَامُ شَرَّعَ مَنْهَجًا واضِحًا لِلتَعَامُلِ مَعَ حَالَاتِ المَنْع ِنُوجِزُهَا بِمَا يِليِ: إنْ جَاءَ المَنْعُ مَصْحُوبًا بِإعْلَانِ حَالَةِ حَرْبٍ علَى المُسْلِمِين ..؟ فَالْحُكْمُ جَلِيٌّ كَمَا فِي قَوْلِه تَعَالى: "وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ". وإنْ كَانَ المَنْعُ بِدُونِ قِتَالٍ لِلمُسْلِمِين ..؟ فَالْحُكْمُ يَكُونُ بِالحِوَارِ والتَفَاوضيِّ كَمَا في قَوْلِه سُبْحَانَهُ :" تَعَالَوْا إِلَىٰ كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللَّهَ وَلَا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا وَلَا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضًا أَرْبَابًا مِّن دُونِ اللَّهِ فَإِن تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ ". وإنْ أُتِيِحَ لِلمُسْلِمِينَ التَّعْرِيفُ بِدِينِهِم..؟ فَالحُكْمُ كَمَا فِي قَوْلِه تَعَالى:" لا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ". والتَارِيِخُ يُؤكِدُ أنَّ المُسْلِمِينَ لَمْ يُبَاشِرُوا قَطْ أحدًا بِقِتَالٍ.. أمَّا اليَوْمَ وقَدْ اُتِحَت للمُسْلِمِينَ كُلُّ فُرَصِ التَّعْرِيفِ بِدِينِهِم وثَقَافَتِهِم.. فَهَا هِي مَسَاجِدُهُم ومَرَاكِزُهُم الثَقَافِيَّةُ شَامِخَة فِي جَمِيِعِ بُلْدَانِ العَالَمِ.. بَلْ أنَّ كَثِيِرًا مِنَ الجَامِعَاتِ مِثْل هارفارد ,وجورج تاون, وكمبرج, والصربون, وموسكو, وطوكيو, وأكسفورد وغيرها, قَدْ أسَسَت كَرَاسِي أكَادِيِميَّةٍ لِلدِرَاسَاتِ الإسْلَاميَّةِ.. وهَا هَي المُؤتَمَراتُ تُعْقَدُ في بُلْدَانِ العَالَمِ لِلحِوارِ ولِلتَّعَارُفِ.. وأسْتَطِيعُ القَوْلَ جَازِمًا: أنَّ المُسْلِميَنَ اليَوْمَ عَاجِزُون عن الاسْتِجَابَةِ لِلْفُرَصِ المُتَاحَةِ لَهُم لِلتَعْرِيفِ بِالإسْلَامِ ورِسَالَتِهِ الإنْسَانِيَّةِ العَالَمِيَّةِ.. حَقًا إنَّ الإسْلَامَ اليَوْمَ- كما قال ابن تيمية - مَحْجُوبٌ بَأهْلِه.. وبَعَدُ: فَهَلْ يَصِحُ أنْ يُصِّرَ بَعْضُ المُسْلمِين علَى اسْتِخْداَمِ مُصْطَلَحِ (غَزَواتٌ أي حَمَلَاتٌ عَسْكَرِيّةٌ لِلتَّعَرِيفِ بِالإسْلاَمِ ..؟). حَقًا ..فَالأزْمَةُ أزْمَة مُصْطَلَحَاتٍ .