الإسْلاَمُ .. وَ الحَقُ المُبِيِنُ

د. حامد بن أحمد الرفاعي

أخَذَ اللهُ تَعَالى عَهْدَهُ الأزَلِيُّ علَى بَنِي آدَمَ بِأنَّهُ رَبُّهُم لِقَوْلِهِ تَعَالَى: "وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى شَهِدْنَا". وأكْرَمَهُم سُبْحَانَهُ فَبَلَّغَهُم تَعَالِيِمَهُ وقِيِمَهُ.. مَعَ تَتَابُعِ الزَمَانِ وامْتِدَادِ المَكَانِ.. فَأرْسَلَ إليْهِم رُسِلِهِ عَلَيِهِمُ الصَلاَةُ السَلَامُ لِقَوْلِه تَعَالَى:" وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اُعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ ". وأحَدَثَ اليَهُودُ والنَصًارَى (المَسِيِحِيِيِن) وغَيْرُهُم مِنْ أتْبَاعِ الرُسِلِ اخْتِلَالَاتٍ.. فَابْتَدَعُوا لأنْفُسِهِم نَزْعَةَ احْتِكَارِ القُرْبَةِ مِنْ اللهِ تَعَالَى كَمَا فِي قَوْلِهِ سُبْحَانَهُ: "وَقَالَتِ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى نَحْنُ أَبْنَاءُ اللَّهِ وَأَحِبَّاؤُهُ". وبَالَغَ اليَهُودُ فَجَاءُوا بِفِتْنَةِ مَا يُسَمَى (شَعْبُ اللهِ المُخْتَارِ). وخَطَى المَسِيِحِيونَ خِطْوَةً مُوَازِيَةً.. فَقَالَوا بِبَشَرِيَّةِ المَرْجِعِيَّةِ الدِيِنِيَّةِ وحَصَرُوهَا فِي المَسِيِحِ عَلَيِهِ السْلَامُ, ومَنَحُوهُ صِفَةَ الرُبُوبِيَّةِ والألُوهِيَّةِ - قَاتَلَهُمُ الله أنَّى يُؤْفَكُونَ. وجَاءَ الإسْلَامُ لِيُصَحِحَ المَسَارَ ولِيَرُدَ الأمَرَ إلىَ اللهِ الحَقِ المُطْلَقِ المُبِيِنِ لقوله تعالى:" إنَّ هَذَا القُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ". ولِيُؤكِدَ أنَّ الرُسُلَ جَمِيِعًا جَاءوا لِغَايَةٍ واحِدَةٍ ألاَ وهِي تَوْحِيدُ اللهِ وعَدَمُ الشِرْكِ بَهِ سُبْحَانَهُ, كَمَا فِي قَوْلِهِ تَعَالَى:" وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا ". وهَكَذَا انْتَقَلَ الإسْلَامُ بِالنَّاسِ مِنْ قَوْمِيَّةِ الأدْيَّانِ إلى أنْسَنَةِ الإسْلاَمِ وعَالَمِيَّتِهِ لِقَوْلِه تَعَالَى:" يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا". وحَذَّرَ الإسْلاَمُ النَّاسَ مِنْ فِتْنَةِ التَّحَزُّبِ والتَّشِيُعِ كَمَا في قَوْلِه تَعَالَى:" وَلا تَكُونُوا مِنَ الْمُشْرِكِينَ مِنَ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعاً كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ". ولِلأسَفِ فُتِنَ بَعْضُ المُسْلِمِيِنَ فَابْتَدَعُوا ثَقَافَةَ الحِزْبِيَّةِ والتَّحَزُّبِ , واحْتَكَرَ كُلُّ حِزْبٍ حَقِيِقَةَ فَهْمِ دِيِنِ اللهِ, مِثْلَمَا احْتَكَرَ الإخْلَاصَ في تَحِقِيِقِ قِيَمِهِ مِنْ دُوْنِ غَيْرِهِم مِنِ المُسْلِمِينَ.. فَلَا يَقُومُ الإسْلَاُم إلَّا بِهِم.. ولَا يُصْلِحُ حَالَ النَّاسِ إلَا هُم ..وهُم بَعْضُهُمُ علَى بَعْضٍ في حَرْبٍ وَمُكَايَدةٍ.. والأُمَةُ بِنَهْجِهِم إلى دَمَارٍ وهَلاَكٍ.. وبَعْدُ, ألَيْسَ فِيِهِم ومِنْهُم رَجُلٌ رَشِيِدٌ ..؟

وسوم: العدد 892