قراءة في بيان أمناء الفصائل الفلسطينية .. الصياغة والمخرجات

أصدر الأمناء العامون للفصائل الفلسطينية الثلاث عشرة بيانا ختاميا لاجتماعهم الذي انعقد في رام الله وبيروت عبر تقنية الفيديو ، وترأسه عباس . وأول ما نلاحظه على صياغة البيان خلوه من البسملة ، وهذا لا يليق بهوية الشعب الفلسطيني الإسلامية ، وقطعا هو غير مقصود . وننبه إلى أن البسملة في صميمها تعني الاستعانة بالله _ وعز وجل _ في الأمر الذي يقدم عليه المسلم قولا أو عملا ؛ أملا في أن يأتي القول أو العمل بالخير لمن يقدم عليهما ، واسم الله _ تقدست أسماؤه _ لا يضر معه شيء في الأرض ولا في السماء ، ولهذه القيمة العظيمة للبسملة يسمى أي بيان أو خطاب  يخلو منها " أبتر " أي مقطوع الخير . وثاني الملاحظات على صياغة البيان أنه أسقط صفة " الفلسطيني "  في مخاطبته للشعب الفلسطيني " شعبنا العظيم " ، وهي غفلة ما كان لها أن تكون لأهمية صفة " الفلسطيني " في هذا المقام ، بل هي أهم من " العظيم " التي ما زادتنا خردلة . ونأتي إلى مخرجات البيان : نلاحظ أنها توافقية  استهدفت تجنب الخلافات ، والحركة التي لم يُراعَ موقفها في هذه التوافقية هي حركة الجهاد التي لا تقبل بدولة في غزة والضفة ، وتتطلع إلى دولة في كل فلسطين من نهرها إلى بحرها وسيلتها الكفاح المسلح لا المفاوضات العابثة التي استهدفت منها إسرائيل دائما الفوز بكل شيء أو تضييع الوقت . ومن التوافقية في البيان دعوته إلى مقاومة الاحتلال مقاومة شعبية باعتبارها الانسب في هذه المرحلة ، وإن أشار البيان إلى حق الشعب الفلسطيني في مقاومة هذا الاحتلال بالوسائل كافة إلماحا إلى استعمال السلاح في هذه المقاومة . والتوافقية في البيان مكسب لنهج عباس ، وتنازل من حماس . وتكوين لجنة من الأمناء العامين وشخصيات وطنية لطرح رؤية بعد خمسة أسابيع تنهي الانقسام وتصلح  منظمة التحرير سيركز الأنظار الفلسطينية  علي هذه اللجنة  ولو بقليل من الأمل ترقبا لما ستطرحه . وأغلب  الظن أن ما كان سابقا سيكون تاليا ، وستنتهي مخرجات البيان إلى ما انتهت إليه كل مخرجات البيانات الفلسطينية  التي سبقته بعد 2007 سنة الانقسام ؛ لأن كل الجياد الفلسطينية الحالية التي تجر العربة الفلسطينية انتهت صلاحيتها الزمنية وهرمت ، وقبل انتهاء الصلاحية والهرم أخفقت في قيادة العربة الفلسطينية إلى أي مكسب وطني ملموس . وحتى اللحظة لم يصدر عن إسرائيل أي إشارة انزعاج من البيان ، وهو ما يبين معرفتها بمآل مخرجاته السلبي ، ولو صدرت عنها تلك الإشارة فلن تكون إلا بغرض التمويه والتضليل لإيهام الشعب الفلسطيني أن ساسته أنجزوا له في اجتماعهم شيئا . ومما يؤكد اقتناع إسرائيل بسلبية مآل المخرجات فلسطينيا أن التنسيق الأمني بينها وبين السلطة لم يتوقف ، وما تسربه عن عرض السلطة العودة إليه بزعم أن الضم ألغي فهو تضليل ، فالضم أجل ولم يُلغَ ، والتنسيق مستمر ، ولا حاجة لإعادته . ومن ينسق مع إسرائيل لا يقاومها ولو مقاومة شعبية سلمية ، وهي على كل حال لا تردعها المقاومة الشعبية . والبيان ليس سوى رد فعل يائس على التطبيع المندفع  بين إسرائيل وبين الدول العربية ، ومن علامات هذا  اليأس تأكيد عباس تمسكه بمبادرة  السلام العربية التي تخلت عنها الجامعة العربية التي تبنتها ، وتخلى  عنها النظام السعودي الذي هو صاحبها الأصلي ، ولا ينفي تخليه عنها زعم وير خارجيته فيصل الفرحان التمسك بها ، وتطلعه للتطبيع القريب مع إسرائيل الذي تتكاثر شواهده يؤكد تخليه عن المبادرة . لا رجاء في أي مكسب وطني فلسطيني بالجياد القديمة التي دفعتنا إلى هذه الهاوية العميقة . ولننظر أين نحن بعد 27 عاما من أوسلو وأين إسرائيل . عندما اطلع أعضاء البرلمان التركي على نصوص اتفاق سيفر بين تركيا وبين الحلفاء الذين انتصروا عليها في الحرب العالمية الأولى هالهم ما في الاتفاق من إجحاف فاحش بتركيا ، فاتهموا  الوفد التركي الذي وقع الاتفاق بالخيانة  العظمى  felony ،  وما من خيانة ، فتركيا مهزومة ، والحلفاء منتصرون ، وأعدم  البرلمان أعضاء الوفد والصدر الأعظم ، وقاتل الجيش التركي قوات الحلفاء التي كانت تحتل أجزاء من الأرض التركية والتي وقع اتفاق سيفر في ظل احتلالها ، وطرد تلك القوات ، وأعادت تركيا التفاوض مع الحلفاء من موقف أفضل ، فكان اتفاق لوزان الذي سينتهي في 2023 ، أي بعد مائة عام من توقيعه .  لا نطالب بإعدام من وقعوا اتفاق أوسلو الذي تنوي إسرائيل والإمارات توقيع اتفاقهما في ذات تاريخه 13 سبتمبر الحالي في واشنطن ، وكُشِف هذه الأيام أن شيمون بيريز بادر بعد اتفاقه مع الفلسطينيين في ذلك الزمان ، 1993 ، إلى الاتصال بالإمارات للسير في ذات السبيل . نقول : لا نطالب بإعدام من وقعوا اتفاق أوسلو النكبة ، وإنما نبين أن الشعوب الواعية ذات الكبرياء والشعور الوطني الحي العظيم لا تسكت على التساهل  أو الخطأ في ما يتصل بوطنها ومصيرها . القضية هنا قضية حياة أو موت ، ومن لا يتعامل معها بصفتها هذه يُنكب بما نُكب به الفلسطينيون في اتفاق أوسلو الذي نعته بيريز بأعظم إنجاز للصهيونية بعد إقامة دولتها على الأرض الفلسطينية في 1948. 

وسوم: العدد 893