من مذكرات مواطن

ينشغل العالم بتلكم الأحداث المتلاحقة منذ بداية هذا العام . الجميع  يتحدث عنها البعض ترعبه، والبعض الآخر يظهر لا مبالاته رغم أنه وبقرارة نفسه مهتم جدا. 

الحرب  :من عاش داخلها كانت له رؤية مختلفة عن ذاك الذي اكتفى بمراقبتها من بعيد ، محروم ذاك الأخير من شعوره بالفرح والحزن والخوف و.. و.. على حدٍ سواء. وتثقل كاهل آخر ربما فرحة إنهاء وجبة غسيل الملابس ، أو كيّها قبل انقطاع التيار الكهربائي أوانقطاع المياه! شحن الجوّال، أو حتى مشاهدة حلقة كاملة من مسلسل اعتاد أن يشاهده ،  فيحمد الله على إنهاء هذه المعضلة . وحتما يستغرب الكثير كون ذلك معضلة! في الوقت الذي يُعتبر أمرا بديهيًا طبيعيًا لدى غيره.

حقيقة لن يعرف ذاك الذي يقف بعيدا عن حدود هذه الحياة مشاعر هذه اللحظات التي قد تبدو سخيفة من نظرته الخاصة .

و هناك شعور الرعب حين تستيقظ صباحا على أصوات تغريد طائرة الميغ حين  تتكوّر في سريرك وتغمض عينيك لتعيش في لجة معتمة تعتصر جبينك بيديك تردد بأعماقك كل الأدعية المأثورة ،  والآيات المنجيات من نزول الرزايا لحين سقوط الحمولة! فتفتح عينيك بعد غياب الصوت ، وتنظر حولك تراقب أنفاسك هل لازلت حيّا ! وتطمئن على مَن هم حولك فتردد : الحمد لله لازلنا على قيد الحياة .

ثم شعور الخوف حين يستهلكك طوال الوقت فلست تدري أبستطاعتك تأمين الطعام لعائلتك حين تقف الساعات الطِوال  تتأمل أسعار المواد الغذائية وتعدّ مابقي في جيبك وأنت ببداية الشهر !أبمقدورك أن تشعرهم بالأمان؟ هل تقصّر بواجباتك تجاه عائلتك؟ هل فعلت كل ما بالإمكان لأجلهم؟ نعم كل هذه التساؤلات وغيرها تتصارع داخلك طوال الوقت ، وتجلد ذاتك حين يجيب ضميرك أنك مقصّر بل أكثر !  تحاول أن تكذّبَ ما رأته عيناك تود لو تقتلعهما!  تتمنى لو أن مايحدث ليس إلا كابوسا عندما تفتح عينيك سيزول!

لكنه لا يزال مستمرا ، وتزداد الأوضاع سوءًا ، وينشغل الجميع بالأحداث تارة بجائحة كورونا ، وتارة بهبوط وارتفاع الدولار ، الفقر ، الأوبئة، بالإضافة إلى الحرب التي باتت تفاصيلها معتادة وروتينية . الشهداء ليسوا إلا أرقاما تحصى ، والفقر والأوبئة والموت!

الجميع قيد انتظار نهاية البؤس الذي نحياه منذ سنوات ،  ولكن ليخبرني أحدكم هل بنهايته ستعود الحياة كما كانت؟ أولئك الذين هاجروا بعيدا هل سيتقبّلون العودة لوطن نصفه مقابر ونصفه الآخر بكاء على من يصعب عودتهم من تحت التراب ! بيوت نجت لتحكي عمَّن قُتلوا بأرضها ، وعائلات نجت مفترشة العراء بعد أن فقدت بيتها وكل ذكرياتها التي عاشتها فيه .

وعلى الرغم من أن نهاية كل ماذُكر _  إن ساءت الأمور  _ هو الموت ، فالموت حق إلاّ أننا لم نستطع حتى الآن السيطرة على هذا الهاجس . خوفنا على من نحب محاولتنا أن نبعدهم عن الموت ، ونحميهم منه تأمينهم على حياتهم ومحاولة إسعادهم . نحاول بشتى الطرق أن نفتديهم بأرواحنا لكنّ الموت لايقدّر ذلك ! لازال يباغتنا ويخطف منّا من اعتدنا وجودهم قربنا ، فنظن برحيلهم أن الحياة توقّفت لكنها مستمرة إلى أن يشاء الله سبحانه وتعالى . ورغم نوبات النكوص والتيه الذي نصارعه لايزال الوطن عالقا هناك في صدق ترديد نشيد العلم بنشاط في الساعة الأولى داخل المدرسة بذاك الأمل الذي نرجوه ونتيقن أنه سيكون يوما حقيقة . بصوت اليقين القادم من كوة ضيقة ليؤكد أنه ابتلاء وحتما سينقضي . إشراقة البراءة في وجوه أطفالنا ، وتمتمات الجدَّات ــ وهُنَّ يسألن الله النجاة والخلاص ــ والصوت القادم من وراء الغيوب ، كلها تقدم العزاء للثكالى ، وتفتح أمام المواطنين صفحة سُنة الله في خلقه .

وسوم: العدد 894