مكانة السنّة في حياة المسلم 3

[ باختصار من كتاب: الإسلام على مفترق الطرق. تأليف: محمد أسد (ليو بولد فايس) ]

الحلقة 3/3

ثم نأتي إلى الناحية الثالثة من السنّة وإلى التشدّد في العمل بها.

في هذا النظام من العمل بالسنة يكون كل شيء في حياتنا اليومية مبنياً على الاقتداء بما فعله الرسول صلى الله عليه وسلم، وهكذا نكون دائماً، إذا فعلنا أو تركنا ذلك، مجبرين على أن نفكر بأعمال الرسول صلى الله عليه وسلم وأقواله المماثلة لأعمالنا هذه. وعلى هذا تصبح شخصية أعظم رجل متغلغلة إلى حد بعيد في منهاج حياتنا اليومية نفسه، ويكون نفوذه الروحي قد أصبح العامل الحقيقي الذي يعتادنا طول الحياة.

ذلك يقودنا عن وعي منا أو عن غير وعي إلى أن ندرس موقف النبي صلى الله عليه وسلم في كل أمر. فحينئذ نتعلم أن ننظر إليه، لا على أنه صاحب وحي أدبي فقط، بل على أنه الهادي إلى الحياة الكاملة أيضاً. وقبل أن نتزحزح عن هذه النقطة يجب أن نجزم فيما إذا كنا نعُدّ النبي صلى الله عليه وسلم رجلاً حكيماً كغيره من الحكماء، أو أنه رسول الله الأسمى الذي يعمل دائماً بوحي إلهي. إن نظرة القرآن الكريم إلى هذا الأمر واضحة إلى حد أنها تجعل كل سوء فهم لها غير ممكن.

إن الرجل الذي أُرسِلَ "رحمةً للعالمين" لا يمكن إلا أن يكون موحى إليه على الدوام، فإذا أبينا عليه هداه أو أبينا بعض عناصر هذا الهدى، فإن هذا لا يعني شيئاً أقل من أننا نأبى رحمة الله أو نبخسها حقها، ويعني فوق ذلك، إذا تابعنا هذه الفكرة منطقياً، أن الرسالة التي جاء بها الإسلام لم تكن حتى بمجموعها الحل النهائي لقضايا البشر، بل كانت حلاً آخر قد يكون مساوياً له في الصحة والفائدة، وإن المفاضلة بين هذين الحلين قد تُركت لفطنتنا نحن: هذا المبدأ الهيّن، لأنه لا يجبرنا أدبياً ولا عملياً على أن نجزم بشيء مطلقاً، قد يقودنا إلى كل مكان ولكنه بكل تأكيد لا يقودنا إلى روح الإسلام، وقد جاء في القرآن الكريم: (اليوم أكملتُ لكم دينكم وأتممتُ عليكم نعمتي ورضيتُ لكم الإسلامَ ديناً). {سورة المائدة: 3}.

نحن نَعُدُّ الإسلام أسمى من سائر النظم، لأنه يشمل الحياة بأسرها: إنه يهتم اهتماماً واحداً بالدنيا والآخرة، وبالنفس والجسد، وبالفرد والمجتمع، إنه لا يهتم فقط لما في الطبيعة الإنسانية من وجود الإمكان إلى السموّ، بل يهتم أيضاً لما فيها من قيود طبيعية. إنه لا يحملنا على طلب المحال ولكنه يهدنيا إلى أن نستفيد أحسن الاستفادة مما فينا من استعداد، وإلى أن نصل إلى مستوى أسمى من الحقيقة، حيث لا شقاق ولا عداء بين الرأي والعمل.

إنه ليس سبيلاً بين السبل، ولكنه السبيل!. وإن الرجل الذي جاء بهذه التعاليم ليس هادياً من الهداة، ولكنه الهادي. فاتباعه في كل ما فعل وما أمر، اتباع للإسلام عينه، وأما اطّراح سنته فهو اطراح لحقيقة الإسلام.

وسوم: العدد 894