موقف الشعب المصري وموقف الشعب الخليجي من السلام مع إسرائيل

41 عاما هي الزمن الفاصل بين اتفاق السلام المصري _ الإسرائيلي في 1979 واتفاق السلام الإماراتي والبحريني _ الإسرائيلي . في ذلك الحين ، 1979 رحب الشعب المصري  بالسلام مع إسرائيل ، وإن لم يرحب في عمق روحه بالتقارب معها لامتلاء تلك الروح بكرهها بعد أربع حروب استشهد فيها عشرات الآلاف من المصريين ، وأنفق الكثير من المال والجهد على حساب التنمية الاقتصادية والمجتمعية . وقوى جنوحَ الشعب المصري للسلام الرغبة في استعادة ما تبقى محتلا من سيناء ، وهو ما تحقق في مايو 1982 ، وشعوره بأن السادات بطل حرب أكتوبر يتخذ القرار الصحيح ، وقوته أيضا الوعود بالرخاء والازدهار بعد الشدة التي عبر عنها السادات بقوله :" نحن نأكل من لحمنا " . كان السلام مع إسرائيل خيار المضطر لا خيار الراضي المتحمس . والسادات ذاته كان يريد إنهاء حالة الحرب بين مصر وإسرائيل دون إقامة علاقات دبلوماسية ، واقترح أن تبدأ هذه العلاقات بعد 25 عاما من إنهاء حالة الحرب  لتكون النفس تهيأت لها ؛ قاصدا نفس الشعب المصري . ورفضت إسرائيل وأميركا اقتراحه . ومع الزمن خابت توقعات الشعب المصري من السلام ، فاستيقظت كراهيته لإسرائيل وبرزت للسطح ، واشتدت عمقا واقتناعا بأنه لا خير ولا أمل في أي سلام معها ، وأججت إسرائيل تلك الكراهية حين وضح أنها استغلت سلامها مع مصر في العدوان على لبنان وعلى الفلسطينيين ، وفي العمل الجاد الاستراتيجي للقضاء على الدور المصري  في المنطقة ، وشرح الكاتب البريطاني باتريك سيل هذا الاستغلال في مقال بعنوان : " يوم نامت مصر " . ومن البداية رفضت الطبقة المصرية المثقفة التطبيع مع إسرائيل باستثناء حالات نادرة مثل أنيس منصور والكاتب المسرحي علي سالم الذي سماه أحد الكتاب المصريين ساخرا " إيلي شالوم " ، وقال سعد الدين وهبة رئيس مؤسسة المسرح والسينما إنه لن يطبع علاقة المؤسسة مع إسرائيل ولو على جثته . وفي الإجمال ، برهن الشعب المصري أنه شعب نقي الروح مصرية وعروبة وإسلاما وإنسانية . وفي الصورة المقابلة ، صورة السلام الخليجي _ الإسرائيلي ، وهو حتى الآن في الجانب الخليجي إماراتي وبحريني ، نشهد ترحيبا شعبيا تختلف أسبابه عن الترحيب الشعبي المصري المبدئي باتفاق السلام الخاص ببلاده ، فالإمارات والبحرين لم تكون يوما في حرب مع إسرائيل ليفرح الشعبان بإنهاء حالتها ، ولم تكن لهما أراضٍ محتلة ليفضلا استعادتها سلما بثمن سياسي . أسباب الترحيب في البلدين نابعة من قبول الشعبين اختيار قيادتي البلدين ولو مسايرة واضطرارا وخوفا من القمع الذي سيعصف بمن يعارض هذا الاختيار . وفي الإمارات توفرت أسباب شعبية للتطبيع لدى طبقة رجال المال والأعمال ، وأسباب سياحية ذات أبعاد ربحية وترفيهية لدى فئات شعبية أخرى . وبدأ بعض رجال المال والأعمال في الاستثمار في فريق بيتار القدس الإسرائيلي لكرة القدم المشهور بعنصريته ضد العرب وتعرضه بالإساءة للرسول الأكرم _ صلى الله عليه وسلم _ . في هذه الناحية التجارية الصبغة نشهد حماسا إماراتيا أهوج عديم الحساسية يغذيه استهتار غريب من قادة النظام الإماراتي . وتميز الموقف الشعبي البحريني بمعارضة أوضح للتطبيع عبرت عنه جمعية "الوفاق"  وجمعية " وعد " . واجتهد النظام السعودي ، الذي يتلهف للحظة تطبيعه بعد أن شجع  الإمارات والبحرين متآزرا مع أميركا وإسرائيل لتسبقاه  في الركوب بقطاره ،  بقيادة محمد بن سلمان لبيان أن التطبيع مع إسرائيل رغبة حرة لشعب بلاد الحرمين ، وظهر هذا الاجتهاد المثابر  في وسائل التواصل الاجتماعي ، وفي مقالات في الصحف السعودية تمتدح إسرائيل ، وفي اتهام الفلسطينيين بنكران إحسان بلاد الحرمين إليهم الذي سماه مؤلف " مخرج 7 " تضحيات . وهكذا يبدو الطابع الشعبي الخليجي أكثر بروزا في السلام مع إسرائيل لتختفي الأنظمة الخليجية وراءه ، وهذه خدعة لن يمتد نجاحها . ومهما كان الفرق بين التجربة الشعبية المصرية والتجربة الشعبية الخليجية في السلام مع إسرائيل فستنتهي التجربة الخليجية إلى ما انتهت إليه التجربة المصرية :  لا خير ولا أمل في السلام مع إسرائيل ، وأنها تشبه القنفذ ؛ لا تستطيع حضنه أو تقبيله ، وستكون الأنظمة الخليجية الخاسر الأكبر في هذا السقوط التاريخي بتحرك شعوبها ضدها على مستوى جزيرة العرب في حراك قومي عربي متحرر من الروح  القبلية التي تقيد بها هذه الأنظمة شعوبها وتكبت نزوعها القومي الطبيعي الذي لن ينقص عن النزوع القومي المصري الذي وقف 41 عاما معاديا لإسرائيل ورافضا للتقارب معها . ولنتذكر أن فهد المارك في بلاد الحرمين  أول من دافع عن الشعب الفلسطين في كتابه : " افتراها الصهاينة وصدقها مغفلو العرب " مفندا فرية بيعه لوطنه .  القضايا القومية المصيرية لا سبيل لاختصارها في تجارة مربحة وسياحة مرفهة ، وأمن أنظمة لا تمثل روح شعوبها وانتماءها لأمتها .  

وسوم: العدد 894