وعلى الله قصدُ السبيل

سخّر الله تعالى بعض الحيوانات لخدمة البشر، فمما قال سبحانه في الآية الثامنة من سورة النحل( والخيل والبغال والحمير لتركبوها ، ويخلق ما لا تعلمون)، فالحيوانات المُسَخَّرة نوعان: أحدهما نعلمه ،ذُكِر في هذه الاية ، والثاني نعلمه ولم يُذكرْ هنا ،مثالُه ( الإبل). وهناك ما ليس حيواناً ، كالسفُن والمراكب .

قد يقول أحدهم : إن السفن من صنع البشر . فكيف تكون مِن خَلق الله؟! والجواب أن البشر صنعوا الفلك من الخشب وهو مما خلق اللهُ، كما أنها لا تسير إلا بأمر الله، فلولا أنها أخف من الماء لغاصت ، ولولا الريحُ التي تتحرك بامر الله سبحانه لبقيت واقفة لا فائدة منها. وهذا يدخل فيما نعلم ، ولعل الطائرات وما يستجِدُّ– على مبدأ السفن صناعةً وطيَراناً - مما لم نكن نعلم. وقد يأتي في المستقبل – مصداقاً لقول ربنا سبحانه- مما يخدم البشريةَ ما لا ندريه ..

فالبشر يستعينون ببعض الحيوانات وغيرها من مخلوقات الله المسخّرة لحمل الأثقال والسفر البعيد والقريب ، وقد منَّ الله علينا سبحانه بذلك فقال( وتحمل أثقالكم إلى بلد لم تكونوا بالغيه إلا بشق الأنفس)، وهذا من فضل الله علينا إذ سهّل لنا طرائق السفر والانتقال بهذه الحيوانات،وإلا صَعُبَ على الناس التلاقي والانتقال.

ومن عادة القرآن الكريم حين يحدثنا عن فضل الله المادّيّ علينا ينتقل بنا إلى فضله المعنوي من هداية وإيمان . يتلطف بنا إذ ينقلنا إلى كرمه ، حين هدانا إلى الصراط المستقيم . ألا ندعو دائماً ( اهدنا الصراط المستقيم ) نكررها عشرات المرات كل يوم في صلاتنا، وحين نقرأ الفاتحة دون صلاة أيضاً . والصراطُ هو الطريق الصحيح إلى مرضاة الله تعالى ورضوانه .

مثال ذلك الانتقال قولُه تعالى( يا بني آدم ؛ قد أنزلنا عليكم لباساً يواري سوءاتكم وريشاً ، ولباس التقوى ذلك خير..) الأعراف ،الآية 26، فمن اللباس المادي الذي يستر عوراتنا إلى لباس الإيمان والتقوى الذي يستر أخطاءنا وذنوبنا ويمحوها. فالله تعالى يكرمنا في الدنيا يالثياب التي تخفي العورات التي دَأَبَ الفسقَةُ والفجرةُ في إظهارها كما تظهرعياناً في الحيوانات والدوابّ، ومن العجب أن هؤلاء يودون أن يهبطوا إلى درك البهيمية الحيوانية ليعيشوا متفلّتين من الأخلاق والآداب ، ويرون الستر مذَمّة ورجعية ، ولا يدرون أنهم سقطوا في حمأة الرذيلة ومستنقع الفساد.

إن الله سبحانه وتعالى حين أرسل أنبياءه أوضح للبشر الطريق الذي ينبغي أن يسلكوه،فقال: ( وعلى الله قصد السبيل) ومن معاني قصد: التوجّه باعتدال ، والسير استواءً،وكذلك: بيان الطريق الموصل إلى الحقِّ، والقصدُ : استقامة الطريق.وكلها تعني طريق الهداية والوصول إلى الهدف بسلام ،يؤكده قول الله تعالى في سورة يونس ( والله يدعو إلى دار السلام ويهدي من يشاء إلى صراط مستقيم ) سورة يونس الآية 25 أما شياطين الإنس والجن فيدعون إلى البوار والهلاك لأن طريقهم ملتوٍ يتوه تابعُهم في صحارى الموت والبوار،وصفه القرآن الكريم بالجَورفقال: (ومنها جائر)وهو التمادي في الظلم والابتعاد عن العدل،ومن معانيه كذلك: الظلم والاستبداد. ومن طريف معنى الجائر: "الحَرُّ والحموضة في الحلق والصدرِ من غيظ أو جوع". وهي لا شك معبرة عن الألم والحنق لمن يسلكون سبيل الجور والظلم .

وما أروع قوله تعالى يوضح قصده الهادي إلى الاستقامة ويحذر مَيَلان الطريق لذي الأهواء في سورة النساء الآية 27( والله يريد ان يتوب عليكم ، ويريد الذين يتبعون الشهوات أن تميلوا ميلاً عظيماً).

وسوم: العدد 894