نحن على الموعد

ليس بالضرورة أن تتضح ملامح الأشياء مع مرور الوقت ، ثمة أمور تبقى يكتنفها الغموض ، وربما تزداد الملامح تعقيدا في بعض الأحيان . والتعامل مع القضايا له أساليبه ، ولكل شخص في هذه الحياة زاوية محددة/ رؤية معينة يلاحظ من خلالها الأشياء حوله ثم يطلق أحكامه/تحليلاته/استنتاجاته...

فنحن نبحث دائما عن تفسيرات منطقية لكل مايحدث حولنا ، رغم أن الحياة أبسط من ذلك بكثير ، إلاّ أن فكرة تفسير الأمور وتحليلها باتت الطريقة الأنسب لإيجاد مبررات وقوع الحدث .

أحيانا أتساءل ماذا لو ترك لنا مَن سبقونا خارطة تدلنا على أي الطرق نسلك وعن أي الطرق نبتعد... حتما كان ذلك سيوفّر علينا الكثير من العناء والوقت

ولكن هل فعلا كنّا سنقتنع بالخريطة التي نرثها منهم ؟ ألا يتملكنا فضول خوض التجربة بأنفسنا وأخذ الدرس والعبرة.ليكون لنا رصيدنا الخاص بهذه الحياة ، ولنمتلك ذاك الماضي الذي طالما ترحّم عليه قوم ، وقدسه قوم آخرون ، ولم يجعلوه موئلا لمجرد ذكريات . نعم... هذا ما أردت قوله نحن نقدّس الماضي لأنه رحل محتفظًا بأسمى ماتمتلكه قلوبنا ، ولم يزل مراحا لمشاعرنا ،ونبراسا لأمنياتنا التي غامت آفاقها خلف سحب الأكدار ،ولعلنا حين نلعن الحاضر فلأننا نعيشه ونقاسي أوجاعه لحظة بلحظة .

 نحن متعبون جدا مما نعاني ، ونحارب لنغيّر كل ما حولنا وليس من العبث أن نفعل هذا ، فالقيم التي نعشقها عالية سامية خالدة ولن يأتي عليها الفناء .

نبحث عن أماكن جديدة نسكنها ‘ نتعلم لغات أخرى بحجة أن فيها ولو كُوى انفراج ، نتناول مشروبات جديدة متنوعة الألوان والطعم ، ونتعرّف على الكثير من الأشخاص رجالا ونساء ، ومن كل الطبقات ، ومن نخب نتحرَّى من خلال التعامل معها أن نجد مانصبو إليه من تلك الأمنيات الضائعات .. نقترب من هذا.. ونبتعد عن ذاك ونحتك بأحداث ، لكنّ شيئا ما لـم يتغيّر . نبحث أيضا طوال الوقت عن مرآتنا التي نشاركها تفاهاتنا المنطقية ، وأحلامنا الوردية ، فلا نجد هنا ولا هناك إلا ضباب الخلل الذي يزيدنا بعدا عن هدفنا الجميل ، فلانجد من يشاركنا أفراحنا بصدق وإخلاص ، فالنفاق عمّ المكان ، دعني أقُلْ : نحتاج لوطن فعلي نتكئُ عليه فلا تتعبنا أبعاده التي يتعلق بها الآخرون ، لوطن لا يمل احتضاننا مهما تكررت عثراتنا سقطاتنا المتتالية نحو الهاوية . لماذا نحن هنا؟ متى ستنتهي معاناتنا؟ ومتى ستمر القافلة ؟

هي هذه ... وغيرها من تلك الأسئلة التي تشكك فيما تحمله قلوبنا وعقولنا ، وما تتغنى به مشاعرنا ، لن نحقد على الحياة التي عشناها بطريقة مختلفة عن تلك التي نتمناها ، جميلة هذه المرحلة مرحلة الصحوة الروحية التي تعيشها أنفسُنا ، بعد سنوات من العزلة والضغوطات والمنازلات ، فإننا نطرح عشرات الأسئلة طوال الوقت على أنفسنا ، وعلى من حولنا ونبحث عن إجابات مرضية لإيجاد معنى حقيقي لوجودنا بهذه الحياة . يخيَّل للبعض أن يقوم بتطوير هذا المعنى لإبعاد شبح التفكير بأن حياتنا وهمية لاقيمة لها،وليحارب الشعور بالغربة المريرة والوحدة التي استوطنت أرواحنا رغم كل ما يحيط بنا ،في المجتمع رؤى ، معلومات ، نخب ،تكتنفها صور غير واضحة ، رغم أن الذين زاولوا العمل في مساحاتها ، قيل لنا بأنهم مبدعون . ولم نزل نحن ومن خلال معاناتنا من التعرف عليها نخشى زيف الأقنعة ، وتقلب الوجوه ، وغياب تلك النخب فجأة وبدون مقدمات .

كانت صديقتي العزيزة تحرص على أن تجد السكينة والرضا في نفسي ، ولكن لاترى أمارات السعادة في وجهي ، وكانت تعلم أنني لا أنقاد للوهـم ، ولا أركن للعروض السلبية ، ولا أفرح لمراسم تتويج بعض النجاحات في بعض الأحيان ، أردت أن أُخرجها من دائرة حزنها على الحال التي أعيشها ، عفوا ، على الحال التي نعيشها ، فقلت لها وعلى وجهي ابتسامة الأمل الفياض بالثقة : نحن على الموعد .

وسوم: العدد 895