الخرطوم تشيّع لاءاتها الثلاث!!

شيّعت الخرطوم "اللاءات الثلاث" التي التصقت بها لسنوات مديدة، وتحولت مجبرة أو طواعية، إلى قائمة "المطبعين مع الكيان الصهيوني".

القمة العربية عقب هزيمة حزيران 1967

انعقدت القمة العربية الرابعة في العاصمة السودانية الخرطوم ما بين 29 أغسطس/آب و1 سبتمبر/أيلول 1967 بُعيد هزيمة يونيو/حزيران 1967، التي احتلت القوات الإسرائيلية خلالها الضفة الغربية وقطاع غزة والجولان وسيناء. وحضرت القمة كافة الدول العربية باستثناء سورية التي دعت إلى حرب تحرير شعبية ضد إسرائيل، في نوع من المزايدة الرخيصة وغير البريئة، ومعروف أن سورية البعث وجيشها العقائدي آنذاك، وعلى يد وزير دفاعها اللواء حافظ الأسد سلمت الجولان دون دفع أو مدافعة، حيث أصدر الوزير الهمام حافظ الأسد أمراً للجيش السوري بأن ينسحب كيفياً ويترك أسلحته حتى لا تكون عبئاً عليه في عملية الانسحاب، لتقع غنيمة بيد الجيش الصهيوني، ومن ثم أصدر بلاغه الكاذب بسقوط القنيطرة عاصمة الجولان، والتي لم يدخلها حتى إصدار البلاغ جندي صهيوني واحد.

الخرطوم تلتحق بقافلة المطبعين

الخرطوم التي خرجت منها القمة العربية، والتي أكدت على اللاءات الثلاث: "لا صلح، لا اعتراف، لا تفاوض مع الكيان الصهيوني"، حتى أنها اشتهرت بـ"عاصمة اللاءات الثلاثة"، وللآسف انضمت، الجمعة 23/10/2020، لركب الدول المطبعة، لتكتب حقبة جديدة في تاريخ المنطقة، وفي تاريخ السودان.

وفي وقت سابق الجمعة، أعلن الرئيس الأمريكي أن السودان وافق على تطبيع العلاقات بالكامل مع إسرائيل، عقب اتصال مشترك مع رئيسي الوزراء السوداني عبد الله حمدوك، والإسرائيلي بنيامين نتنياهو.

وقال ترامب، في مؤتمر صحفي بالبيت الأبيض، إن "اتفاق التطبيع بين السودان وإسرائيل، تم من دون قطرة دم على الرمال"، بحسب وكالة "أسوشيتد برس" الأمريكية.

نتنياهو يشدو طرباً بالتحاق الخرطوم بدول التطبيع

في بيان نشره في حسابه عبر تويتر، بعد إعلان الرئيس الأمريكي توصل السودان وإسرائيل لاتفاق، قال نتنياهو: "نعلن اليوم عن تحقيق انفراج دراماتيكي آخر للسلام، حيث دولة عربية أخرى تنضم إلى دائرة السلام، وهذه المرة يتم تطبيع العلاقات الإسرائيلية السودانية. يا له من تحول هائل".

ومضى رئيس الحكومة الإسرائيلية موضحًا: "في العاصمة السودانية الخرطوم تبنت (قمة) الجامعة العربية في العام 1967 ثلاثة لاءات: لا للسلام مع إسرائيل، لا للاعتراف بإسرائيل ولا للمفاوضات مع إسرائيل".

واستدرك نتنياهو: "ولكن اليوم الخرطوم تقول نعم - نعم للسلام مع إسرائيل، نعم للاعتراف بإسرائيل ونعم للتطبيع مع إسرائيل. هذا هو عصر جديد. عصر السلام الحقيقي".

وأضاف نتنياهو: "هذا هو سلام يتوسع ليشمل دولا عربية أخرى - ثلاث منها صنعت السلام معنا خلال الأسابيع الأخيرة"، في إشارة إلى السودان، وقبلها الإمارات والبحرين، اللتان وقعتا اتفاقيتي سلام مع إسرائيل في منتصف سبتمبر أيلول الماضي.

وأشار نتنياهو إلى أن "بعثات سودانية وإسرائيلية ستجتمع قريبًا من أجل بحث التعاون في العديد من المجالات، ومن ضمنها الزراعة والتجارة ومجالات هامة أخرى بالنسبة لمواطنينا".

السودان هي الدولة الخامسة التي تنضم إلى الدول المطبعة

يرى محللون أن محاولة تمسك الخرطوم بفكرة "اللاءات الثلاثة" حتى اليوم لم تعد واقعية، لأن الزمن تغير، وأصبحت المصالح هي السائدة وليست المبادئ، وهذا ما قاله أيضاً المسؤولون السودانيون مبررين الالتحاق بركب المطبعين.

وبتطبيع السودان، تصبح الدولة العربية الخامسة، التي تتفق رسميا على السلام مع إسرائيل، بعد البحرين والإمارات (2020)، وقبلهما الأردن (1994) ومصر (1979).

السودان استبدل بوابة الخليج مخرجاً من أزماته الاقتصادية إلى بوابة تل أبيب

كان السودانيون يبحثون عن مخرج من أزماتهم الاقتصادية من بوابة الخليج، لكن هذه المرة سييمنون وجوههم إلى بوابة إسرائيل، بهدف الانفتاح على العالم الخارجي، عقب الإطاحة بنظام الرئيس عمر البشير (1989: 2019).

ومنذ فبراير/ شباط الماضي، ساد جدل حول إمكانية التطبيع بعد لقاء تم بين رئيس المجلس السيادي السوداني، عبد الفتاح البرهان ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، وتأثير العلاقات مع تل أبيب على أوضاع الخرطوم.

انقسام الشارع السودان حول عملية التطبيع

ينقسم الشارع السوداني بين من يرى في التطبيع مع إسرائيل، مكسبا اقتصاديا يساعد على التخفيف من حدة الأزمات المعيشية، وبين من يرى أنه سيفرض مزيدا من القيود على البلاد، لكن من نوع آخر.

ويرى خبراء سودانيون، أن هناك مكاسب اقتصادية يمكن أن ينالها السودان، باتخاذ قرار التطبيع، بينها الاستفادة من التقنيات الحديثة لإسرائيل في مجال الزراعة، والتي من شأنها أن تساهم في تحقيق طفرة إنتاجية كبرى بالسودان.

إضافة إلى التوليد الكهربائي والاتصالات والمجالات البحثية، غير أن الخبراء شددوا أيضا، على أن الاستفادة الاقتصادية القصوى، ستكون لصالح إسرائيل، لبحثها المستمر عن دولة لتكون بوابتها إلى القارة الإفريقية.

التطبيع ثمناً لرفع اسم السودان من قائمة الدول الراعية للإرهاب

طغى خبر التطبيع السوداني مع إسرائيل، على رفع اسم السودان من قائمة الدول الراعية للإرهاب، إذ أعلن البيت الأبيض، في وقت سابق الجمعة، أن ترامب، أبلغ الكونغرس، نيته رفع السودان من قائمة الإرهاب.

وتدرج الولايات المتحدة، منذ عام 1993، السودان على هذه القائمة، لاستضافته آنذاك زعيم القاعدة، أسامة بن لادن.

ولعل التزامن بين رفع اسم السودان من قائمة الإرهاب وإعلان تطبيعه مع إسرائيل، أظهر حكومة الخرطوم وكأنها رضخت للضغوط الأمريكية، والقبول بالتطبيع كشرط لإزالة اسم السودان من القائمة، التي تفرض على السودان عزلة دولية إلى حد كبير.

ترحيب المسؤولين السودانيين برفع العقوبات

وكان اللافت، ترحيب العديد من المسئولين السودانيين بخبر رفع العقوبات عبر صفحاتهم الرسمية على موقعي "تويتر، وفيسوك"، ثم صمتهم عن الحديث بعد إعلان التطبيع مع إسرائيل.

ويرى مراقبون، أن هذا الصمت من المسؤولين السودانيين، يظهر أن قرار التطبيع سيكون له عواقب داخلية واسعة، بسبب الاعتراضات المتوقعة، علاوة على أن السودان ليس مستقرا في الأساس، ويشهد حوادث أمنية ويعاني من أزمات اقتصادية طاحنة.

هل يثير التطبيع بلبلة داخل الحاضنة الشعبية لحكومة حمدوك؟

يشير خبراء إلى أن التطبيع، قد يحدث بلبلة حتى داخل الحاضنة السياسية للحكومة، فأحزاب الأمة القومي والشيوعي والبعث (أحزاب الائتلاف الحاكم في إعلان قوى الحرية والتغيير) أعلنت رفضها مسبقا لعملية التطبيع مع إسرائيل"، وهذا بالتأكيد، "قد يؤدى إلى حدوث انقسام في قمة سلطة الفترة الانتقالية"، حسب الخبراء.

وفي 21 أغسطس/ آب 2019، بدأت بالسودان، فترة انتقالية تستمر 39 شهرًا وتنتهي بإجراء انتخابات، ويتقاسم خلالها السلطة كل من الجيش وتحالف "إعلان قوى الحرية والتغيير"، قائد الحراك الشعبي.

وقال حزب المؤتمر الشعبي (المعارض)، إنه يرفض التطبيع وإسرائيل دولة معادية، فيما أعلن حزب "البعث" السوداني (اشتراكي)، عن اتصالات سياسية ومجتمعية لتشكيل جبهة ضد التطبيع مع إسرائيل.

والخميس، هدد حزب الأمة القومي (ضمن الائتلاف الحاكم)، بسحب تأييده للسلطة الانتقالية في البلاد، إذا أقدمت على التطبيع، لأنه ليس من حقها ذلك، بحسب أن القضايا الخلافية الكبرى تتطلب حكومة ديمقراطية، وليست من مهام حكومة انتقالية.

هل تصل الأمور في السودان الى قمع الثورة؟

يرى محللون أن اتفاق السودان مع إسرائيل وأمريكا، سيفتح الباب أمام موجة جديدة من القمع في البلاد، باعتبار أن الحكومة وجدت لها سندا دوليا يمكنها من ممارسة القمع وكبت للحريات، لاسيما للرافضين للاتفاق أو معارضيها.

وفي هذا الصدد يقول الصحفي محمد عمر، إن "الموقف السياسي لحكومة السودان، الذي مثله مجلسا الوزراء والسيادي، بالموافقة على التطبيع مع إسرائيل، لا يخرج عن كونه بحث عن مصالحهم في حكم السودان وليس للشعب السوداني".

ويضيف عمر، للأناضول: "المؤيدون للتطبيع مع إسرائيل من أحزاب سياسية وعسكر، يعبرون عن موقف سياسي واحد، يتمثل في مصالحهم وليس مصلحة السودان".

حمدوك سيجد نفسه في مواجهة الجماهير الغاضبة

لقد ظلت حكومة عبد الله حمدوك لآخر لحظة تتمسك بأن إزالة السودان من قائمة الإرهاب مسار مختلف عن التطبيع، إلا أن ما حدث من تطبيع عقب رفع السودان مباشرة، يجعل مصداقية حكومة حمدوك على المحك.

هذه الانتقادات لحكومة حمدوك، تضعها في مواجهة مع الشعب، وتعيد إلى الأذهان خروجه في تظاهرات ضد نظام عمر البشير، وإسقاطه في إبريل/نيسان 2019.

وفي 28 سبتمبر/ أيلول الماضي، قال حمدوك، إن قضية تطبيع بلاده للعلاقات مع إسرائيل "معقدة، وتحتاج إلى توافق مجتمعي"، ورفض حمدوك، آنذاك، "ربط عملية التطبيع (مع إسرائيل)، بقضية شطب اسم السودان من قائمة الدول الراعية للإرهاب".

وينتظر السودانيون، ما ستسفر عنه الأيام المقبلة، ووسط توقعات الخبراء بتفاقم الأوضاع السياسية والاقتصادية والأمنية خلال الفترة المقبلة، ووعود الولايات المتحدة وأوروبا بالانفتاح على إسرائيل ودعمه بمليارات الدولارات.

المصدر

*وكالة الأناضول-24/10/2020

*الجزيرة نت-26/10/2020 و29/8/2016و23/10/2020

*الشرق الأوسط-23/10/2020

*الشرق-26/7/2020  

*العربي الجديد-24/8/2020

وسوم: العدد 900