سُفرَتُه ملأى بالخُبز، وعُلبتُه ملأى بالتُتُن .. وليس بحاجة إلى أحد !

كان هذا في أواسط القرن العشرين ، حين لم تكن السياسة ، قد دخلت في كلّ شيء! 

سئل أحد الفلاحين ، في مجلس عامّ : كيف أحوالك ، يافلان ؟ فأجاب ، ببساطة: 

سُفرتي ملأى بالخبز، وعُلبتي ملأى بالتُتن ، ولستُ محتاجاً إلى أحد ، والحمد لله ! 

كان الفلاحون ، يزرعون أراضيهم بالقمح ، ويحصدونه ، ويطحنونه ، وتعجنه نساؤهم في بيوتهم ، ويَخبزنه ، ويَملأن به السفر! وكانت النسوة ، يملأن الجرار، من مياه النهر، فتشرب الأسَر، ماء نقيّاً صافياً ! وكانوا يشعلون السُرج ، بزيت الكاز، فتضاء بيوتهم .. وكان الطبيب العربي ، في القرية ، يتكفّل بمعالجة سائر الأمراض: باللبْخات ، أحياناً ؛ لبخات البصل والتمروالشعير.. وبالكيّ أحياناً !  

فما حال الناس ، اليوم ، في بلادنا ؟ 

لقد دخلت السياسة ، في كلّ شيء : في طعام الناس وشرابهم ، وفي علاجهم..!  

صارت الدول تبني السدود ، على الأنهار، فتحجب المياه ، عن الدول الأخرى ، التي تشاركها في مياه الأنهار! ولا تجود بالماء، إلاّ بشروط معيّنة، ولوظل الناس عطاشا! 

وصارت الدول تترك أراضيها الخصبة ، لتستورد القمح من أمريكا ! وإذا غضبت أمريكا من حكّام الدولة ، ظلّ الناس جياعاً ، في الدولة المغضوب على حكّامها.. أو خرجوا إلى الشوارع ، في مظاهرات احتجاجية عارمة ، تهزّ أركان الدولة ! 

وصارالطبّ العربي ، مهمَلاً أو منبوذاً .. بعد أن كثرت الأمراض ، وجدّت أمراض جديدة ، لم يكن الناس يسمعون بها ؛ فاعتمد الجميع ، على الطبّ الحديث ؛ طبّ أمريكا وأوروبّا ! 

وأكثر من ذلك : صارت الدول ، يحاصر بعضها بعضاً ، لأسباب سياسية ، أو اقتصادية ، أو مزاجية ؛ حسب تقلبات أمزجة الحكّام .. فتعاني الشعوب ، من الجوع والمرض .. ويُحرم أبناؤها من التعليم ، ويشرّد المواطنون من أوطانهم ..! 

بل صارت بعض الدول ، تحاصر حكوماتُها شعوبَها ؛ فتمارس عليها : سياسات التجويع، وسياسات القتل ؛عبر حرمانها من الأدوية ، التي يعالج الناس بها أنفسهم !  

بل صار بعض الحكّام ، في بعض الدول ، يقتلون شعوبهم : بالرصاص والقنابل والصواريخ .. ويستعينون بالدول الأخرى ، لقتل شعوبهم ومحاصرتها ، وتشريدها في أنحاء العالم ! 

لقد تمدّن الناس في بلادنا ، وتقدّموا ، وتحضّروا ! فهل المدنية والتقدّم والتحضّر.. هي أسباب المصائب ، التي تعاني منها شعوب أمّتنا .. أم ثمّة أسباب أخرى !؟ 

وسوم: العدد 900