تهافت مفهوم الحرية لدى العلمانية الفرنسية والضرورة الملحة لمراجعته

من الأمثال السائرة  في الثقافة العربية قولهم: " عذر أكبر من الزلة " ،وهو مثل يضرب لمن يريد الاعتذار عن زلة صدرت عنه باعتذار أقبح منها . وهذا المثل ينطبق على الرئيس الفرنسي الذي صرح في لقائه الصحفي الذي بثته قناة الجزيرة القطرية بما يوهم أنه اعتذار عما صدر منه من إساءة إلى مشاعر المسلمين الدينية ، وهو في الحقيقة ليس اعتذارا بالمعنى المعروف في ثقافة المسلمين بل كان عبارة عن محاولة تبرير الإساءة من خلال اتهام غيره  بسوء الفهم وبتحريف ما صدر عنه مما نقلته  وسائل الإعلام نقلا حيا من قبيل قوله : "الإسلام يعيش أزمة في كل أنحاء العالم " ومن قبيل إصراره على السماح بما سماه حرية التعبير المسيئة إلى المقدس لدى المسلمين ،  

وكان من المفروض أن يعتذر بشكل واضح لا غبار عليه، وذلك بسحب ما وصف به الإسلام ، وبوقف الإساءة إلى المقدس.

ولقد جعل تهافت مفهوم الحرية لدى العلمانية الفرنسية الرئيس الفرنسي في موقف حرج  ومخجل أمام المجتمعات الإسلامية لا ينفع معه اعتذار ما لم يلغ تهافت هذا المفهوم بحيث لا يسجل عليه تناقض صارخ  حين تكون الحرية مضمونة لطرف ومصادرة من طرف آخر كما هو الشأن بالنسبة لضمان حرية الرسوم الكاريكاتورية الساخرة من المقدس والمسيئة إلى مشاعر من يقدسونه  ، وفي المقابل التنكر لحريتهم في التمتع بحق صيانة مشاعرهم الدينية  .

إن مفهوم الحرية لدى العلمانية الفرنسية فضيحة مدوية يجدر بأصحابها أن يخجلوا من أنفسهم لأنهم يبيحون لأنفسهم  حرية الاعتداء على حرية غيرهم علوا واستكبارا وهم يتبجحون بأن علمانيتهم بمثل هذا العيب المشين إلى جانب عيوب أخرى من قبيل التضييق على حرية العبادة  كحرمان المرأة المسلمة  من لباسها الذي هو من صميم تعبدها ، و كحرمان المسلمين من حرية اختيار طعامهم ، وهو أيضا مرتبط بتعبدهم ، مدعين أنها هي التي يجب أن تسود  وتهيمن ، وهي الصواب وغيرها هو الخطأ .

ولقد آن الأوان لتراجع العلمانية الفرنسية وغيرها من العلمانيات الغربية نفسها ، وتفكر بجدية في طريقة تعايشها مع المسلمين الذين يوجدون في بلادها والذين يؤدون ما عليهم من واجبات لا بد أن يحصلوا مقابلها على حقوق ، وعلى رأسها الحق في العبادة تامة غير منقوصة ، والحق في احترام عبادتهم ومقدساتهم .

وإنه من ضيق أفق تلك العلمانيات أن تشترط في وجودها إلغاء ما سواها . وإذا كانت تضمن لمن لا دين له أن يكون كذلك ، فيلزمها أن تضمن لمن له دين تدينه، وبذلك يزول تهافت مفهوم الحرية لديها إذا كانت بالفعل ترغب في ذلك وإلا عليها أن تقبل بتهمة الكيل بمكيالين ، والكيل بمكيالين يفقد من يمارسه أيا كان مصداقيته.  

وسوم: العدد 901