التدين والتعصب ... والغضب بين الترشيد والتوظيف

وروح الدين الحق تأبى التعصب ، وبعض الناس لا يذكرون دينهم إلا إذا حضر الآخر .

ومن حارتنا الشرقية نبدأ ، فقد عرفنا بعض من لا يصلي جماعة ولا جمعة يحمر أنفه ، ويقوم ولا يقعد ، ويضج ويجهد ليبني مسجدا ...في منطقة بنى فيها الآخرون كنيسة ..!!

وفي الطرف المقابل ، من الحي الغربي ، عرفنا أناسا ، يصنفون أنفسهم بين قومهم تحت خانة اللادينيين ، ويظلون يسخرون من الكنيس والكنيسة والكهنوت والرهبان ..فإذا حضر مجلسهم مسلم أو مخالف ..أشهروا على الناس سيف العداوة والبغضاء والنبذ والإقصاء !!

وحدثني من لا أتهم قال : ساكنت شيعيا مرة في بغداد ، فكان إذا ذكر الإمام الحسن رضي الله عنه ذكره بالسوء وزاد على أمه وأبيه - رضي الله عنهما - غضبا لأنه تنازل لمعاوية رضي الله عن الجميع ..!!

لا مشاحة أن من حقنا أن نغضب من الرسوم المسيئة لأهلها .. وأن غضبنا من فعل ماكرون يكون أكبر ، ولكن يجب دائما أن نحذر أن يكون غضبنا موظفا في مصلحة آخرين ، نغضب لأن الغضب حق من حقوقنا ، ندرأ فيه عن أنفسنا وعن ذاتنا أن يستهين بنا الآخرون ، ولنحذر أن يوظف غضبنا في مصالح قوم آخرين ..

وأحب أن أذكر أقواما يقومون بما صدر عن شارلي إيبدو وماكرون ولا يقعدون .. ويا غيرة الدين ، ويا خيل الله اركبي ، ويظلون ينادون : الحرب .. الحرب .. السلاحَ ..السلاحَ .. الصليبيةَ.. الصليبيةَ

أن ما يقرره الروافض في كتبهم بحق رسول الله ، وبحق أزواجه ، وبحق أصحابه ، لا يستطيعه ، رسام شارلي إيبدو بخياله المريض ، وفي كتبهم منذ قرون بحق إسلامنا وديننا ورجالنا ما لا يستطيعه خيال أي مريض .. وفينا ومنا من يعتبرهم ويعتبرهم ويعتبرهم .. ( بَلْ عَجِبْتَ وَيَسْخَرُونَ ) !!

ثم هذا ما يفعله بشار الأسد وزمرته بحق حرمات الإسلام والمسلمين ،على مدى عشر سنوات ، وبحق عرض رسول الله وشريعته ودينه ، أكثر نكارة وفظاعة وفحشا من رسوم باهتة بائسة - ولا أقلل من نكارتها قط - ولكننا أتباع دين زبدة فقهه في تقدير المصالح والمفاسد ، وتحقيق الكبرى من الخير ودرء الكبرى من الشر ، وفي تنبيهي أن لا يكون غضبنا من شارلي إيبدو أكبر ، على طريقة أهل التعصب ، الذين يعتبرون بشار الأسد ابن حارتنا ، فيحق له فينا ما لا يحق لأبناء الحارة الغربية ، ولعلكم توقنون ..

يمتلئ قلبي بالألم ، وتقف الغصة في حلقي ، والدمعة في عيني ، وأنا أتابع ما يتردى به الرئيس ماكرون ، من حديث مفترى عن " حرية التعبير " أو ما صدر عن العاملين في شارلي إيبدو بحق صاحب الخلق العظيم ، ولكن حرقتي وغصتي ودمعتي كانت أكبر ، عندما سمعت المأفون عدو الله ، يحرض الأخ على قتل أخيه ، ويقول على رؤوس الناس " اضرب بالمليان " فكانت مقولته تلك أشد وأنكى وأكثر عدوانا على حرمات رسول الله ودينه من كل الجريمة التي فعل الآخرون ..من غير تقليل لإثم فعل الآخرين .

نعم منكر ومدان ومرفوض ومثير للغضب ما صدر عن رسام شارلي إيبدو ، وعن الرئيس الفرنسي ..ولكن المجرم البئيس صاحب فتوى " نصف ساعة على الهواء " قاتله الله .. أشد نكارة وخبثا وأكثر إثارة للنكارة والغضب والإشمئزاز من كل ما صدر ويمكن أن يصدر عن مجرمي الآخرين ....

غضبنا لنبينا دين ، وغضبنا من مجرمينا إذ يعدون علينا أولى بالتوظيف .. ولو كان فينا من يطيع قول نبينا في توقير نبينا ( لِتُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُعَزِّرُوهُ وَتُوَقِّرُوهُ وَتُسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلا ) لما عدا علينا العادون ..

لتؤمنوا بالله وتسبحوه ..

وتؤمنوا بالرسول وتوقروه وتعزروه ..

وقوله تعالى في حق رسوله : وتعزوره أي لتُجلوه وتعظموه ، من الإجلال والتعظيم . ومهما قلنا فحقك أعظم يا رسول الله ..نعتذر إليك من قول سفهائنا وسفهائهم أجمعين ..

وهذا في علم البلاغة لف ونشر غير مرتب لقوم يعلمون ..

اللهم خذ الظالمين إليك لفيفا ..

*مدير مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

وسوم: العدد 901