هو مع الحقّ .. لكن أيّ حقّ !؟

طرفة  : أنا مع الله ! 

في إحدى الحلقات ، من سلسلة الانقلابات ، التي جرت في ستينات القرن العشرين ، أمسك رجال الشرطة ، برجل فقير جاهل ، يعمل حاجباً ، في أحد الخانات ، وسألوه : أنت مع مَن.. مع العهد القديم ، أم مع العهد الجديد ؟ فتحيّر الرجل وتلعثم ، ولم يدر مايقول ؛ خشي أن يقول : أنا مع العهد الجديد ، فيحبسه الممسكون به ، لأنهم من رجال العهد القديم .. كما خشي من القول : أنا مع العهد القديم ؛ فيكون الرجال مع العهد الجديد ، فيتعرّض للاعتقال أو الأذى ! فقال لهم : أنا مع الله ! فصرخ في وجهه أحدهم ، قائلاً : وهل ترانا ، نحن ، مع الشيطان .. ياملعون ؟ ثمّ ضحك الرجال ، وتركوه ، بعد أن عرفوا حاله !   

طرفة ثانية :  

جرى انقلاب ، ضدّ أحد الرؤساء .. وبعد فترة ، زار بعضُ الشرطة ، من العهد الجديد ، أحدَ السجون ، وفتحوا زنزانة ، وسألوا نزلاءها : مَن أنتم ؟ فأجابوا : نحن مِن أعداء الرئيس فلان ! ثمّ فتحوا الزنزانة الثانية ، فسألوا نزلاءها : مَن أنتم ؟ فأجابوا : نحن من أنصار الرئيس فلان ! ثمّ فتحوا الزنزانة الثالثة ، وكان فيها رجل واحد ، فسألوه : مَن أنت ؟ فأجاب أنا الرئيس فلان ! 

وهنا ، يُطرح السؤال التالي : مَن المُحقّ ، ومَن المُبطل ؟   

ولمّا كانت أوقات الاضطرابات ، تشكّل حُجُباً ، على العقول والأفهام ، كان تمييز الحقّ من الباطل صعباً ، ويكون صعباً جدّاً ، في بعض الظروف ، على بعض الأذهان ! وتصبح القلّة القليلة من الناس ، التي تحظى باستقلال العقل والإرادة ، هي المؤهّلة ، لمعرفة الحقّ والباطل ، والخطأ والصواب ! لأن الفئات الأخرى ، متضادّة متصارعة فيما بينها ، وكلّ فئة ترى نفسَها صاحبة الحق ، وترى أن حقّها كامن ، في السلاح الذي تحمله ، أو في القوّة التي تملكها ! 

إنه شأن الاضطرابات السياسية والاجتماعية ، في كلّ عصر ومصر! ولا تخلو أمّة من عقلاء ، يرشدونها إلى الحقّ ! 

ولله درّ القائل : تُهدى الأمورُ بأهل الرأي ماصلحت    فإنْ تولّت ، فبالأشرار تَنقادُ ! 

وسوم: العدد 905