كتاب الله عز وجل وسنة رسوله عليه الصلاة والسلام حجة على الناس جمعيا

كتاب الله عز وجل وسنة رسوله عليه الصلاة والسلام حجة على الناس جمعيا مؤمنهم كاسب الخير في إيمانه وغير كاسبه وكافرهم صريح الكفر ومنافقهم

إن كتاب الله عز وجل وسنة المصطفى صلى الله عليه وسلم باعتبارهما رسالة من المولى جل وعلا الخاتمة  إلى الناس جميعا ، جاءت بعد رسالات سابقة كانت توجه إلى أمم وأقوام بعينها إنما هي حجة على الناس جميعا كما كانت سابقاتها حجة على من خصهم بها الله عز وجل  في أزمنتهم . وكما كان البشر قبل الرسالة الخاتمة صنفين : مؤمنون وكافرون برسالات الله عز وجل ، فإنهم على نفس الحال بعدها لا شيء تغير فيهم . وتحت كل صنف يوجد نوعان ، فالمؤمنون إما أن يكونوا ممن يكسبون في إيمانهم خيرا أو ممن ليسوا كذلك ، والكافرون إما أن يكون كفرهم بواحا أو يكون منافقين يظهرون الإيمان ويبطنون الكفر .

والرسالة الخاتمة العالمية  كسابقاتها حجة على الصنفين بنوعيهما مصداقا لقول الله تعالى في محكم التنزيل في سياق الحديث عن الرسل والرسالات  :

(( رسلا مبشرين ومنذرين لئلا يكون للناس على الله حجة بعد الرسل وكان الله عزيزا حكيما ))

و يقتضي انتفاء حجة الناس على الله عز وجل  بعد الرسل والرسالات أن هذه الأخيرة تكون حجة عليهم ، ذلك أنهم على ضوء ما جاء فيها يحاسبون ويجازون  في الآخرة بصنفيهم  وما لكل  نوع منهما.

والملاحظ أن كل نوع من كل صنف له مقولته في الكتاب والسنة ،فصنف المؤمنين الكاسبين خيرا في إيمانهم يقرون  بحجتهما عليهمـ فيستقيمون بذلك في حياتهم  كما أمروا فيهما ، أما غير الكاسبين في إيمانهم خيرا، فمع إقرارهم بحجتهما عليهم لا يستقيمون في حياتهم كما أمروا فيهما ،ومنهم من يقر بعدم استقامته ،ولكنه لا يزيد عن التباكي على تقصيره في ذلك متذرعا بضعفه، وهي ذريعة مردودة عليه، لأن الله تعالى لم  يتعبده بما لا طاقة له به ،ذلك أن إقامة الحجة عليه يكون بما يطيق وليس بما لا يطيق ، ومنهم من يصر متعمدا على عدم استقامته ، ولا يبالي بذلك  ، وعمده وإصراره حجة عليه .

أما صنف الكافرين، وتحديدا أصحاب الكفر البواح ،فإنكارهم للكتاب والسنة صريح ومنسجم مع كفرهم البواح . أما من يخفون كفرهم ويظهرون إيمانهم، فموقفهم من الكتاب والسنة يموهون عليه تمويها ،ولا انسجام لموقفهم منهما مع كفرهم الخفي تبعا لعدم انسجام ظاهرهم مع باطنهم ، ذلك أنهم يجادلون المؤمنين الكاسبين الخير في إيمانهم ، وهم الجبهة المستعصية عليهم، لأن غير كاسبي الخير في إيمانهم ، فعبارة عن جبهة طيعة و مخترقة بالنسبة إليهم، وقد يستطيعون التأثير فيهم وهم يخوضون في الكتاب والسنة خوضا  منكرا ماكرا خبيثا ،فيزينون لهم  مخالفتهما ،ويهونون لهم ذلك، وقد يصل بهم الأمر إلى حد تشكيكهم فيهما بالقول أنهما قابلان للتكييف مع تطور الزمن وتغير أحوال الناس  لتبرير كل شكل من أشكال مخالفتهما .

 وهذا النوع من أصحاب الوجهين، واحد يظهرون به الإيمان ويتظاهرون به، وآخر يخفون وراءه كفرا خفيا يشكلون خطرا على المؤمنين الذين لا يكسبون خيرا في إيمانهم ، وهمهم أن تتوسع قاعدة وجود هؤلاء، ويكثر عددهم لترجح كفة الكفر الخفي على كفة الإيمان ، ويحصل بذلك  التطبيع مع الكفر ، وهو تطبيع يبدأ أولا بمرحلة مخالفة ما ينص عليه الكتاب والسنة ،  فيمر بعد ذلك بمرحلة التشكيك فيهما ، ثم ينتهي بمرحلة الكفر البواح والجحود بهما .

و يبقى الكتاب والسنة  حجة على الجميع دون استثناء ،وبوسع الجميع معرفة حجتهما عليهم بعرض أنفسهم وأعمالهم عليهما ، فإن وافقت ما فيهما كانت الحجة لهم ، وإن خالفت ما فيهما كانت الحجة عليهم . وإذا كان الناس يستطيعون مخادعة بعضهم البعض بما يظهرون وبما يخفون عن بعضهم البعض  ، فإن المؤكد الذي لا يرقى إليه شك أنه لا يمكن للواحد منهم أن يخادع نفسه في أمر حجة الكتاب والسنة له أو عليه .

وقد تعارض أعمال ومواقف بعضهم الكتاب والسنة، وهم على وعي تام بذلك بل يقصدونه ويتعمدونه ،ومع ذلك يتذرعون بذرائع واهية لا تغنيهم شيئا  ، ولا تسقط الحجة عليهم بين يدي خالقهم عز وجل يوم يلقونه . ومن سوء تقدير هؤلاء العاقبة في الآخرة ارتياحهم لمن يجاريهم في ذلك ، ويمدحهم ويثني عليهم ويزين لهم تعارض أعمالهم  ومواقفهم مع ما سطر في كتاب الله عز وجل وفي سنة رسوله صلى الله عليه وسلم دون الأخذ بأهم وأخطر وصية وصى بها عليه الصلاة والسلام وهي قوله  مخاطبا المنتسبين إلى الإيمان : "  تركت فيكم أمرين لن تضلوا ما تمسكتم بهما كتاب الله وسنة نبيه "  وواضح من صيغة هذا الحديث الشريف أن التمسك بالكتاب والسنة هو طريق الخلاص من الضلال والمنقذ منه . ويؤكد هذا الحديث قول الله عز وجل : (( وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا ))  ،وحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم فيه أمر بالتمسك بالكتاب والسنة مع نهي عن ترك التمسك بهما بقرينة  قوله " لن تضلوا "  أي أن ترك التمسك بهما يفضي حتما إلى الضلال .

وكثيرا ما يختلف الناس في موضوع كيفية التمسك  بالكتاب والسنة الذي أمر به الله عز وجل ورسوله صلى الله عليه وسلم ، وتأتي كيفيات تمسكهم بهما مختلفة منها التي لا تجاوز ما ينصان عليه من أوامر ونواه بما يفهم من لغتهما دون تجاوز ذلك إلى تأويلات قد يكون وراءها تخندق في توجه من التوجهات أو قناعة من القناعات . والقول الفصل في الفصل بين خلافهم أو اختلافهم في ذلك هو تنكب سبل التأويلات التي تكون وراءها تخندقات في التوجهات والقناعات المختلفة ، والتي تكشف عنها أدلة أو مؤشرات  لا مجال لإنكارها .وكمثال على هذا الفصل أو الحسم في هذا الخلاف أو الاختلاف ، نورد أمر الله عز وجل في كتابه بإقامة الصلاة ، وأمر رسوله صلى الله عليه وسلم  في سنته بكيفية أدائها،  فمن لم يؤدها بتلك الكيفية أو زاد أو نقص منها، كانت كيفية رسول الله صلى الله عليه وسلم حجة عليه، ومن ثم كان كتاب الله عز وجل حجة عليه .  وعلى مثال عبادة الصلاة تقاس كل العبادات ، وكل المعاملات التي هي جزء لا يتجزأ من عبادة الله عز وجل . وكل معاملة لا وجود لسند لها في الكتاب والسنة، فهي حجة على صاحبها ، ولا اعتبار في التعامل بها  للذرائع والتبريرات التي لا سند لها فيهما.

وأخيرا نختم بالقول على  كل منتسب إلى دين الإسلام أن يضع نصب عينيه أنه سيواجه موقفين بين يدي الله عز وجل وهما : موقف الكتاب والسنة حجة له ، وموقف الكتاب والسنة حجة عليه ، وعليه أن يختار في حياته بين الموقفين . 

وسوم: العدد 907