«مافيت لِعرابيم»!

hgdhs907.jpg 

«الموت للعرب»! هذا هو عنوان هذا المقال باللغة العبرية.

لم ألجأ إلى العبرية لأنني قررت، والعياذ بالله، أن أتبنى اقتراح بعض شركات الطيران الخليجية بإدخال العبرية إلى إحدى لغات التخاطب في طياراتها، فأنا لن أرضخ لمتطلبات «السلام الإبراهيمي» ومشاريعه الخرقاء. هدفي هو أن يقرأ الشيوخ الإماراتيون ويسمعوا بآذانهم هتاف رابطة مشجعي فريق «بيتار القدس» لكرة القدم، في مدرجات ملعبهم الكائن في قرية المالحة غربي القدس، وهي قرية مهجّرة استوطنها الصهاينة، ولم يبق منها ما يذكّر بحقيقتها الفلسطينية سوى مئذنة الجامع.

اسمعوا يا من دفعتم ملايين الدولارات كي تشتروا خمسين بالمئة من أسهم هذا النادي الليكودي، واهتفوا مع مشجعيه: «مافيت لعرابيم».

هذا الهتاف العنصري يقول الحقيقة. فالشعار رغم وقاحته وسفالته ليس خاطئاً، بل أجرؤ على القول بأنه شعار يليق بكم.

نعم يا أصحاب الجلالة والسمو والسيادة وإلى آخره من الألقاب البلا معنى، نعم: الموت للعرب.

لكن ما فات مشجعي النادي الكروي الإسرائيلي أن العرب ينقسمون إلى قسمين:

عرب ماتوا، والهتاف بالدعوة لموتهم لم يعد مجدياً.

وعرب لن يموتوا، والهتاف ضدهم بلا معنى.

والذين ماتوا لم يموتوا البارحة بسبب حمّى «السلام الإبراهيمي» واتفاقيات «التتبيع» التي وُقعت وستُوقع. بل ماتوا من زمان. أنظمة الاستبداد ميتة سريرياً، وليست على قيد الحياة إلا بفضل الأوكسيجين الأمريكي – الإسرائيلي المسموم.

والذين لن يموتوا، يقاومون منذ سبعين سنة في فلسطين وجوارها، وسيقاومون إلى ما شاء الله.

تعالوا نقرأ المسألة بشكل عقلاني، فهذا الإيحاء بأن ما جرى ويجري وقع كمفاجأة صاعقة، ورافقه ويرافقه ندب وتأسف وأسى، هو أكبر حفلة تكاذب تشهدها لغة العرب.

بماذا نُفاجأ وعلى ماذا نبكي؟

هل فوجئنا بأن هذه الأنظمة المستبدة هي مجرد دمى؟

هل فوجئنا بأن الأنظمة التي تقتل شعوبها وتسحقهم وتذلهم بالفقر والجوع مُعجبة بإسرائيل، التي افتتحت موجة التطهير العرقي المنظّم في المشرق العربي؟

هل فوجئنا بأن المستبدين حوّلوا فلسطين إلى مجرد شعار، يستطيعون من خلاله قمع شعوبهم، تارة باسم القومية أو التقدمية، وتارة أخرى باسم الدين والدفاع عن المقدسات، بينما كانوا يتفاوضون سراً مع إسرائيل ويعقدون الصفقات معها؟

هل فوجئنا بأن الأنظمة استخدمت شعارات فلسطين من أجل بناء جيوش ليست مؤهلة للحرب، بل مؤهلة فقط لقمع الشعوب؟

هل فوجئنا بأنهم عاجزون، يسـتأسدون على شعوبهم ويتأرنبون أمام العدو؟

هل فوجئنا بأن من باع اليهود العرب لإسرائيل من أجل حل مشكلتها الديموغرافية، مستعد لبيع فلسطين وشعبها وأرضها لقاء وعد بالبقاء في الحكم، أو الاعتراف بسيادته على الصحراء، أو غض النظر عن منشاره؟

ما سبب هذا الحزن؟

هل نحزن لأنهم نزعوا أقنعتهم بأيديهم؟

هل نخاف من الحقيقة؟

يجب أن لا نحزن على الإطلاق. فلقد انتهت الكذبة. شكراً يا من لا تتحلون سوى بشجاعة الجبناء، شكراً لأن الزمن دار دورته وأجبركم على الإعلان عن هوياتكم التي أخفيتموها.

والآن حلّوا عن فلسطين، فلقد حملنا جثث الأنظمة طويلاً على ظهورنا حتى تعفنت أجسادنا. ورجاء، لا تحكوا عن الدولتين أو عن المقدسات، اذهبوا إلى باب الأسباط، في الجهة الشمالية من الأقصى، وأضيئوا مع المستوطنين شمعدان الاحتفال بـ«عيد الحانوكاه» واخرسوا. لا نريد أن نسمع تأتآتكم، بعد اليوم.

لا لن نخاف على فلسطين، فلفلسطين شعب يحميها.

أما أنتم فمن يحميكم من جشع الإسرائيليين وطمعهم في ثرواتكم؟ من سيحميكم من العنصريين الإسرائيليين، الذين سيهتفون في قلب صحارى العرب: «مافيت لعرابيم». وستنحنون لسيدكم الجديد لأنكم لم تعرفوا سوى الانحناء ودفع الجزية.

فلسطين تعود اليوم إلى حضنها العربي، فمأساتها ونكباتها هي جزء من مآسي الشعوب العربية ونكباتها.

مكان فلسطين هو في كل السجون العربية من تدمر إلى الجفر إلى أبو غريب إلى أبو زعبل إلى تزمامارت إلى آخر ما لا آخر له…

مكان فلسطين هو في ميدان التحرير في القاهرة وساحة الساعة في حمص، وجسد البو عزيزي المُحترق ثورةً، وساحة الشهداء في بيروت، وساحات الجزائر والخرطوم وكل مدن العرب التي ثارت بحثاً عن حريتها.

صارت فلسطين وطناً سليباً لأن كل أوطان العرب سُلبت من شعوبها، ومعركة فلسطين من أجل حريتها هي جزء من معركة الشعوب العربية من أجل الحرية والحق والعدالة الاجتماعية.

لا نخاف على فلسطين إلا من أمر واحد، هو أن يسود قياداتها الهرمة منطق الواقعية، التي قادت إلى فضيحة الحكم الذاتي الذي لا حكم له ولا ذات. احذروا، فالواقعية لا تعني اليوم سوى الواقعة؛ أي الهاوية.

فلسطين أيضاً تنتظر ربيعها كي تخرج من التطويق الإسرائيلي والاختناق في حضن أنظمة الاستبداد العربية، فترسم من جديد طريق حريتها. الأسرى الفلسطينيون يشكلون اليوم كتلة الأحرار الوحيدة في وطن سجين ومهدد ويتعرض للإذلال اليومي، ولا يقف إلى جانبهم سوى رفاق باسل الأعرج الذين يقتحمون السماء.

اذهبوا أيها المستدون إلى عاركم، وتنعّموا بذُلِّكم. أما نحن فنجد أنفسنا مضطرين لشكركم مرة أولى وأخيرة، لأنكم كشفتم حقيقيتكم وتعريتم.

فلسطين لها شعب جُبل من ترابـــــها وزيتها، كانت وستكون خريطة القلب وقُبلة الحرية ونبض الحياة وارتعاشة الحب.

وسوم: العدد 907