أمريكا امبراطورية الشر والعهر والإرهاب

kksdfdsf0911.jpg

أمريكا أكبر قوة اقتصادية وعسكرية في العالم، وهي الدولة الأكثر عنجهية وطغيان، قدمت لنا نماذج من الرؤساء الحمقى والمقامرين المغامرين بالأمن العالمي.

انها امبراطورية العصر الحديث، المدنسة بكل ما هو وحشي لا يمت للإنسانية بصلة.

تمتلك هذه الامبراطورية جيوشاً جرارة واسلحة فتاكة، ولديها الكثير من القواعد العسكرية في أكثر من منطقة في العالم.

تمتلك وسائل تجسس دقيقة ومتطورة، تراقب دول العالم سواء الخصوم أو الحلفاء، ولا يفوتها مفردات الحياة الشخصية في أدق تفاصيلها لمناصريها واعدائها على حد سواء.

تلاحق اعداءها بالأقمار الصناعية، واجهزة التتبع المختلفة التي تزرعها في غالبية صناعاتها الالكترونية الني نشتريها بأغلى الاثمان، ولم تكتف بتسليط وسائل التجسس الالكترونية، فلديها عملاء وعيون في كل مكان من العالم، وكل مدينة، وكل بلدة وقرية وحي وكل شارع.

لديهم عملاء وعيون في غالبية الدول، والحكومات، والجيوش، والمؤسسات الامنية، وفي الوزارات، وغالبية المؤسسات الحكومية الأخرى.

الإمبراطورية الأمريكية، تتحكم بغالبية الإعلام العالمي، وتوجهه، والبعض الآخر تحاصره وتعاقبه،

ورغم كل هذه القوة التي تمتلكها أمريكا إمبراطورية الشر والإرهاب والعهر فإنها تخشى من كلمة حق تقال بحقها هنا أو هناك، لأنها لا تتماها مع صلفها وكبريائها وعنجهيتها، فتلجأ الى حظر منشوراتنا على شبكات التواصل، وتغلق صفحاتنا، ثم تتهمنا بالإرهاب، وبحجته تريد ان تكمم أفواهنا، لتمنعنا من فضحها وكشف عيوبها، والمستور من مظالمها.

إن ما حدث في الأيام القليلة الماضية وشاهدناه عبر محطات التلفاز لكل محطات العالم وما فعله همج الأمريكان ورعاعهم في المؤسسات الديمقراطية التي يفخر بها الأمريكان ويتعالون بها علينا، تجعلنا نفتش عن هذه الدولة وكيف قامت وما هو تاريخها الأسود الذي يحاول الإعلام الأمريكي تزييف الوقائع والحقائق، لنجد أن هذه الدولة قامت منذ ولادتها العسيرة على العهر والشر والإرهاب، فمنذ اللحظة الأولى لوصول كريستوفر كولمبوس إلى القارة الجديدة أمريكا، نجد أن الولايات المتحدة الأمريكية نشأت هناك كمستوطنات، لجأ إليها كل من يستطيع الهرب من أوروبا ويتمكن من عبور الأطلنطي إلى الأرض الجديدة، فكان هناك المهاجرون الأوائل من المغامرين، ثم لحق بهم المنفيون لأسباب دينية وسياسية، ثم وصل اليها المغامرون الباحثون عن الثروات في بلد متخم بثرواته، ولكن الأرض الجديدة كانت مسكونة بما يزيد عن 80 مليون من سكانها الأصليين، الذين أطلق عليهم كولمبوس مسمى (الهنود الحمر)، وخلال أقل من 200 سنة من الزمان تمت إبادة هؤلاء السكان الأصليين بشتى الوسائل مثل (المذابح الجماعية ونقل الأمراض والأوبئة والتهجير) حتى لم يتبق منهم سوى ثلاثة ملايين هندي أحمر حسب آخر تعداد لسكان أمريكا.

ولكي تقام الحضارة الأمريكية المزيفة في الأرض الجديدة، تم جلب عشرات الملايين من الأفارقة، واستعبادهم وتشغيلهم في بناء الإمبراطورية الأمريكية، وقد مات معظمهم؛ سواء أثناء نقلهم من شواطئ أفريقيا للشواطئ الأمريكية، أو أثناء عملهم كعبيد بلا حقوق، ولم يصدر إبراهام لينكولن قانون تحرير العبيد إلا بعد استبدالهم بقوة البخار والآلات.

فالعقلية الأمريكية لا تعترف بأي حقوق أيا كان نوعها، الحق الوحيد الذى تؤمن به هو حق القوة المطلقة، فالغاية تبرر الوسيلة مهما كانت وحشية، والقوة هي التي تحقق القانون وليس غيرها.

قامت الولايات المتحدة الأمريكية عبر التطهير العرقي والإبادة الجماعية، ولها قصب السبق في ابتكار وسائل متفردة لتنفيذ جرائمها، فخلال الحرب العالمية الثانية أمطرت الطائرات الحربية الأمريكية المدن اليابانية بالقنابل الحارقة، وفى ليلة 9-10/3/1945 قامت 334 طائرة أمريكية بتدمير مساحة 16 ميل مربع من مدينة طوكيو بواسطة القصف بالقنابل الحارقة، مما أدى لمقتل عدد يتراوح بين 80 ألف إلى 100 ألف ياباني.

يقول أحد قادة الجيش الأمريكي عن تلك المذبحة: "لقد تم إحراق الرجال والنساء والأطفال اليابانيين وتم غليهم وخبزهم حتى الموت، لقد وصل الماء في القنوات إلى درجة الغليان، وذابت الهياكل المعدنية، وتفجر الناس في ألسنة اللهب".

لم تكن طوكيو وحدها هي التي تعرضت لذلك، بل تعرضت 64 مدينة يابانية أخرى إلى هجمات من نفس النوع.

ولم يكتف الساسة الأمريكيون بذلك بل رغبة في إذلال الشعب اليابانى ولتخويف الاتحاد السوفييتى أمر الرئيس الأمريكى هارى ترومان بضرب اليابان بالقنبلة الذرية، وبالفعل فى يوم 6/8/1945 تم إلقاء القنبلة الذرية الأولى على مدينة هيروشيما، محت القنبلة المدينة من الوجود وأبيد كل الذين كانوا قرب نقطة سقوط القنبلة بدون أثر، وباقي السكان الأبعد عن نقطة السقوط ماتوا من الانفجار محترقين كليا.

قضى 100 ألف ياباني نحبهم فورا، بينما مات 50 ألف آخرين من التسمم الإشعاعي، وقد تحطمت كل مباني المدينة، وكعادة الأمريكيين في تسجيل وتوثيق جرائمهم، فقد التقطوا صورا جوية للمدينة قبل الانفجار تبدو فيه نابضة بالحياة والبشر، ثم بعد الانفجار وقد تحولت لسطح رمادي غير واضح العالم بعد أن غابت عنها الحياة.

تمت تلك الجريمة رغم يقين القادة الأمريكيين باستسلام اليابان الحتمي، ولم يكتف الأمريكيون بذلك فرغبة في إثبات التفوق ودون أي داع عسكري تم إسقاط القنبلة الذرية الثانية على مدينة ناجازاكي في يوم 9/8/1945، ليتم محو المدينة من فوق الأرض، وإبادة 70 ألف ياباني، كل ذلك من أجل إرضاء الشعب الأمريكي المتعطش للانتقام من اليابانيين منذ بيرل هاربر.

وبحلول عام 1950 كان عدد اليابانيون القتلى جراء ضرب هيروشيما وناجازاكي بالقنابل الذرية، قد بلغ 350 ألف قتيل جراء القصف والأورام التي أصيبوا بها.

وفي الفترة من 1950 إلى 1973، قتلت الولايات المتحدة الأمريكية حوالى 10 ملايين صيني وكوري وفيتنامي ولاوسي وكمبودي، فقد تم قتل 2 مليون كوري شمالي في الحرب الكورية، و3 ملايين صيني في نفس الحرب، وفى حرب فيتنام تم قتل 4 ملايين فيتنامي، وتعذيب وتشويه 700 ألف أخرين، واغتصاب 31 ألف امرأة، وإحراق 4000 حتى الموت، وتدمير ألف معبد وضرب 46 قرية فيتنامية بالأسلحة الكيماوية، وبلغ عدد المفقودين 300 ألف فيتنامى، وفى عام 1972 تسبب القصف الأمريكي على مدينة هانوي في إصابة 30 ألف طفل فيتنامى بالصمم الدائم.

وامتدت الأيادي الأمريكية إلى اندونيسيا ونيكاراجوا والسلفادور وتشيلي وجواتيمالا وأنغولا وموزمبيق والكونجو، فلم يترك الأمريكيون مكانا على سطح الكوكب إلا ووضعوا بصمات جرائمهم الدامية عليه.

وفى وطننا العربي حدث ولا حرج، فقد تعددت الجرائم الأمريكية، وكان أبشعها جريمة العصر، التي تمثلت في اغتصاب فلسطين وتشريد شعبها، لزرع كيان موال للغرب في المنطقة، يقسم العالم العربي لقسمين، ويمنع حدوث عملية التنمية والتحديث في المنطقة الأغنى في العالم بفضل النفط.

وكانت الولايات المتحدة الأمريكية هي التي فرضت حظرا على تصدير السلاح للدول العربية في كانون الأول عام 1947، بينما كانت معظم الأسلحة التي وصلت للإسرائيليين منذ عام 1945 وحتى رفع الحظر في عام 1949 قد جاءت عبر الولايات المتحدة الأمريكية، وقد تم تقدير المساعدات الأمريكية لليهود خلال حرب 1948 ب 1300 متطوع، ومبلغ يتراوح من 15-20 مليون دولار، وكان قائد جبهة القدس الإسرائيلية هو الضابط الأمريكي دافيد ماركوس، وقامت الطائرات الأمريكية والأطقم الأمريكية بنقل الأسلحة والعتاد إلى الصهاينة طيلة فترة الحرب.

وعندما حققت الجيوش العربية بعض الانتصارات في بداية الحرب، قامت الولايات المتحدة بدعوة مجلس الأمن للانعقاد من أجل وقف القتال في فلسطين، وبفضل الضغوط الأمريكية توقف القتال لمدة 4 أسابيع، خرق الإسرائيليون الهدنة 11 مرة في اليوم الأول لها، وبلغ عدد خروقاتهم عندما انتهت الهدنة 150 خرق، أتاحت تلك الهدنة للصهاينة النصر في الحرب.

ولم تكن حرب فلسطين هي نهاية الدور القذر للولايات المتحدة الأمريكية في العالم العربي، فالولايات المتحدة الأمريكية كانت هي السبب وراء نشوب حرب السويس 1956 بعد رفضها تمويل بناء السد العالي، وهي التي فرضت الحصار الاقتصادي على مصر، كما كانت الولايات المتحدة الأمريكية شريك رئيسى فى حرب 1967 بالسلاح والتخطيط والاشتراك في المعارك، فحاملات الطائرات الأمريكية صنعت مظلة جوية فوق إسرائيل طيلة أيام الحرب، والطائرات الأمريكية ضربت المطارات المصرية أثناء المعركة، والأقمار الصناعية الأمريكية صورت الجبهات العربية، والرادارات الأمريكية شوشت على شبكة الاتصالات المصرية، والمتطوعون الأمريكيون حاربوا مع إسرائيل،

لذا وصف الرئيس الفرنسي شارل ديجول حرب 1967 ببصيرته النافذة "بأن المعركة أمريكية والأداء إسرائيلي".

وبعد الحرب عملت الولايات المتحدة على تثبيت الأوضاع وحاربت مع إسرائيل ضد مصر في حرب الاستنزاف، وأنقذتها عندما تعرضت للهزيمة في الأيام الأولى لحرب 1973.

والولايات المتحدة الأمريكية هي التي سمحت لإسرائيل بتدمير لبنان، وطائراتها هي التي أغارت على ليبيا، وهي التي ضربت السودان بالصواريخ، فلا يوجد نشاط مضاد للعرب إلا وكان وراءه الولايات المتحدة الأمريكية.

وكانت ذروة الإبداع الإرهابي الأمريكي قد تجلت عندما تبنت الولايات المتحدة الأمريكية الجماعات الجهادية المتطرفة ودعمتها وأمرت الأنظمة العربية العميلة لها بدعمها في حقبة السبعينيات، وهي العملية التي تمثل أعظم عملية استخباراتية في القرن العشرين - هكذا يصفها زبجنيو برجينسكى مستشار الأمن القومي الأمريكي خلال حكم الرئيس كارتر- عندما ورطت الولايات المتحدة الاتحاد السوفيتي السابق في المستنقع الأفغاني، ثم دعت الحكومات العربية التابعة لها إلى إعلان الجهاد ضد السوفييت الملاحدة، وشحنت آلاف الشباب العربي المسلم المتحمس بواسطة سفنها وطائراتها، وبتمويل عربي إلى أفغانستان، لكى يجاهدوا هناك ضد السوفييت الملاحدة، بينما فلسطين المحتلة على بعد أميال قليلة منهم وعلى مرمى البصر ويحتلها الصهاينة، ولكن الجهاد في أفغانستان حلال بأمر الأمريكيين ومن تبعهم من الحكام، حرام في فلسطين المحتلة.

وتبقى الحرب الأمريكية على العراق خير شاهد على الجرائم الأمريكية، فالولايات المتحدة الأمريكية هي التي حرضت كل من العراق وإيران الخمينية على شن الحرب الضروس بينهما، وعملت على إطالة الحرب لأقصى مدى لتستنفذ قدرات البلدين وثرواتهما.

وعندما انتهت الحرب بنصر محدود للعراق وبجيش عراقي قوي مدرب، ربما يشكل خطرا على الكيان الصهيوني، كان الأمريكيون هم المحرضون للكويت والإمارات للقيام بخنق العراق اقتصاديا واستغلال ضائقته بعد الحرب مع إيران، وكانت السفيرة الأمريكية في بغداد هي التي أعطت الرئيس صدام حسين الضوء الأخضر لدخول الكويت، لكي تحقق الولايات المتحدة حلمها الدفين بوجود قواتها في قواعد بالخليج العربي.

وعندما حاول الرئيس صدام حسين الانسحاب من الكويت بطريقة مشرفة تمنع الحرب، كان الأمريكيون هم الذين أغلقوا كل الأبواب في وجهه ومنعوه من الخروج من الأزمة، وجيشوا الجيوش لتدمير العراق.

وفي يوم 16 كانون الثاني 1991 بدأت الولايات المتحدة الأمريكية حربها على العراق والتي امتدت حتى 27 شباط 1991، خلال تلك الفترة أسقطت الطائرات الأمريكية 88 ألف طن من القنابل على العراق، بما يعادل القوة التفجيرية لسبع قنابل ذرية من طراز قنبلة هيروشيما، أي أن العراق تعرض أثناء الحرب للقصف بقنبلة ذرية كل أسبوع توزعت على كل مناطق البلاد. وقد تسببت تلك الأسلحة المحرمة في موت 50 ألف طفل عراقي في الأشهر الثمانية الأولى من عام 1991 نتيجة الإصابة بالأورام المختلفة.

لقد قامت الطائرات الأمريكية بتدمير كل محطات توليد الكهرباء، ومحطات تصفية المياه، ونظام الاتصالات ومحطات التقوية، ومباني الإذاعة والتليفزيون، ومعامل تصنيع الغذاء، ومعامل الحليب والمشروبات، ومواقع الري، ومزارع الحيوانات، ومحطات الحافلات ومحطات القطارات وخطوط السكك الحديد، والجسور والطرق ومعابر الطرق السريعة، وآبار النفط ومصافيه ومنشآت تخزينه، وشبكات المجاري، والمصانع، والكليات والجامعات والمدارس، والمستشفيات، والمساجد والكنائس والمواقع الأثرية، في أكبر جريمة ترتكب في تاريخ الآثار عبر التاريخ، والمصارف، ودور المعوقين، وملاجئ المدنيين، وتم تدمير حوالى 20 ألف وحدة سكنية حتى المحلات الصغيرة والمطاعم والفنادق والجرارات الزراعية ومعاهد البحوث وسيارات الأجرة لم تسلم من التدمير.

كانت عملية إبادة جماعية ممنهجة لم يسبق لها مثيل في تاريخ الحروب ولا علاقة لها بخروج القوات العراقية من الكويت، كان هدف الساسة الأمريكيين تدمير العراق كدولة وكنظام اجتماعي، كان الهدف هو محو العراق من الوجود، والعودة به إلى العصر الحجري، والسيطرة على النفط، ومؤسساتها؛ وفي مقدمتها مؤسسة الجيش.

كما قامت القوات الأمريكية بتنفيذ مذابح جماعية بشعة خلال الحرب مثل مذبحة ملجأ العامرية في 13 شباط 1991، والمذابح المرتكبة بحق الجنود العراقيين المنسحبين من الكويت، فقد تم قتل الجنود العزل والمستسلمين وتم دفن ألاف الجنود في خنادقهم بالبلدوزرات الأمريكية.

وبعد انتهاء المحرقة الأمريكية على العراق وشعبه، تم تقدير عدد القتلى العراقيين بما يقرب من 158 ألف قتيل خلال المحرقة، وقدر عدد المصابين والجرحى بحوالي 700 ألف عراقي، في بلد تعداد سكانه 18 مليون تبدو تلك الأرقام كارثية وغير مسبوقة في تاريخ الحروب.

ورغم ذلك لم يكتف الأمريكيون بما ارتكبوه، بل تم فرض حصار جائر على العراق يمنعه من الحصول على كل السلع الضرورية ليس فقط ذات الأهمية الصناعية والعسكرية، بل تشمل الأدوية ومواد تصفية المياه ومعدات المستشفيات وحليب الأطفال والغذاء، كما تم تجميد الأرصدة النقدية العراقية وحظر بيع النفط العراقي، لقد كانت عملية قتل بطيئة لمستقبل العراق، وعملية إبادة للأجيال العراقية القادمة.

وعندما سُئلت مادلين أولبرايت في مقابلة تليفزيونية في شهر أيار سنة 1998 عن المبرر لوفاة نصف مليون طفل عراقي بسبب الحصار الأمريكي الذي يمنع الغذاء والدواء والمعدات الطبية عن العراق، أجابت ببرود: ربما تكون وفاتهم ثمن غال، لكننا نرى أن الهدف الذي نريده يساوى ذلك الثمن وأكثر.

بعد كل ذلك التدمير ومقتل مئات الألوف من العراقيين ونصف مليون طفل مازال الهدف الأمريكي لم يتحقق بل ويتطلب المزيد من الضحايا، وهو ما تحقق بغزو العراق في آذار 2003 حيث تكررت نفس المذابح بصورة أبشع وتم استخدام أسلحة أشد فتكا، ومقتل مئات الألوف من العراقيين مجددا، وتحويل العراق إلى مرتع للقتلة والعصابات الطائفية.

وكانت نهاية هذه الحرب القذرة تسليم العراق لمعممي قم مكافأة لهم لما قدموه من خدمات لوجستية لتسهيل دخول الجيش الأمريكي إلى العراق، وليدخل عملاء إيران لتسلم مقاليد الأمور فيه على ظهر الدبابات الأمريكية، وليتم تغيير وجه العراق الحضاري، وتتم المحاصصة الطائفية والعرقية بين فئات المجتمع، ويتحكم الروافض في العراق وأهله، ويستباح أهل السنة بكل مكوناتهم ذبحاً وتقتيلاً وتهجيراً وإبعادا.

أما عن موقف أمريكا من القضية السورية فكلنا يتذكر التصريحات الأمريكية النارية ضد النظام السوري منذ نهاية العام 2011 وما تلاه، وقد كان الرئيس الأمريكي السابق باراك أوباما سباقاً إلى نزع الشرعية من بشار الأسد عندما قال حرفياً إن نظام الأسد فقد شرعيته تماماً بسبب جرائمه التاريخية بحق السوريين. وقد كانت واشنطن على وشك تلقين النظام درساً قاسياً بعد استخدامه السلاح الكيماوي، وكانت حاملات الطائرات الأمريكية وقتها على أهبة الاستعداد لقصف مواقع الأسد، لكن الوساطة الروسية أحبطت الهجوم الأمريكي بعد أن تعهدت موسكو بتجريد النظام من ترسانته الكيماوية بدل معاقبته عسكرياً.

وقد استمرت واشنطن في شيطنة النظام السوري وعزله سياسياً ودبلوماسياً من خلال ما سمي وقتها بمجموعة «أصدقاء سوريا»، حتى أن أمريكا استضافت مكتباً للمعارضة في العاصمة واشنطن وفرضت قيوداً على تحركات سفير النظام لدى الأمم المتحدة. لكن أوباما على ما يبدو انقلب على سياساته السورية مائة وثمانين درجة عندما اعتبر في إحدى مقابلاته أن قوى المعارضة السورية غير مؤهلة وهي مجرد ثلة من المزارعين والفلاحين والأطباء والعمال. وقد بدا واضحاً وقتها أن أمريكا بدأت تتملص من تعهداتها السابقة حيال النظام السوري. وقد غسل أوباما يديه من الثورة السورية تماماً بعد إبرام الاتفاق النووي مع إيران، حيث على ما يبدو قد باع سورية للإيرانيين مقابل الاتفاق النووي كما فعل بالعراق. وقد ذكر أحد مستشارية لاحقاً أن أوباما أخبر إدارته بأن تنسى الملف السوري تماماً وألا تذكره أمامه مطلقاً.

وبعد الاتفاق النووي مع إيران تقدمت أمريكا خطوة أخرى باتجاه النظام السوري عندما اتفقت مع الروس في خطوة غير متوقعة مطلقاً في أواخر 2015 على التعاون مع موسكو للتدخل في سورية لحماية النظام. لقد انتهت وقتها كل التصريحات والتهديدات الأمريكية التي كانت تطالب بتغيير النظام وبدأ الحديث الآن عن إعادة تأهيل النظام وتقويته ومساعدته على استعادة الأراضي التي سيطرت عليها فصائل المعارضة. وفعلاً بعد اجتماع قصير في الجمعية العامة للأمم المتحدة بين أوباما وبوتين عام 2015 أعلنت روسيا أنها ستتدخل عسكرياً في سورية على نطاق واسع لمحاربة داعش، مع العلم أن هدفها الرئيسي لم يكن له علاقة بداعش بل بالقضاء على فصائل المعارضة السورية عسكرياً. وقد أثبتت الأيام أن الروس حاربوا كل فصائل المعارضة ولم يقتربوا من داعش إلا بشكل سطحي.

ما الذي كانت تريده أمريكا من سورية يا ترى؟ كلنا يعلم أن واشنطن كانت على علم بكل شاردة وواردة تخص الثورة السورية، ولم تستطع أي جهة في العالم أن تتدخل في المسألة السورية من دون ضوء أخضر أمريكي وصهيوني. ولم تدخل بندقية واحدة إلى سورية إلا بعلم ومراقبة من الأمريكيين. وقد ذكر بعض الضباط السوريين الذين كانوا ينسقون مع الأمريكيين في شمال سورية أن مجلس إدارة الثورة السورية كان في واقع الأمر بإدارة الاستخبارات الأمريكية التي كانت تتحكم بكل القوى الغربية والإقليمية والعربية المتورطة في الملف السوري. بعبارة أخرى فإن الأمريكيين كانوا يديرون اللعبة السورية من المقعد الخلفي، وليس صحيحاً مطلقاً أن أمريكا كانت بعيدة عن المسألة السورية. والسؤال المحوري، لماذا سمحت واشنطن للقاصي والداني بمن فيهم الدواعش لضرب النظام وإضعافه واستهداف قواته وترسانته العسكرية والتغلغل في سورية ومساعدة قوات المعارضة على الاستيلاء على أكثر من سبعين بالمائة من الأراضي؟ لماذا فعلت كل ذلك ثم عندما أوشكت قوى المعارضة على الاقتراب من دمشق وأصبح النظام على كف عفريت، اتفقت مع الروس على إنقاذه بشهادة وزارة الدفاع الأمريكية؟ وقد اعترف أندرو إيكسوم مساعد نائب وزير الدفاع الأمريكي لشؤون الشرق الأوسط في خطاب له أمام لجنة الشؤون الخارجية في مجلس النواب الأمريكي أن الأمريكيين شعروا بالخطر عندما أيقنوا أن النظام أصبح على وشك السقوط وأن سقوطه سيشكل خطراً على أمن الكيان الصهيوني، فما كان منهم إلا التنسيق مع الروس للتدخل فوراً لحماية الأسد ودعمه عسكرياً في وجه قوى المعارضة التي أصبحت على أسوار القصر الجمهوري. وقد اعترف وزير الخارجية الأمريكي نفسه بأن النظام كان فعلاً على وشك السقوط خلال أسبوعين لولا التدخل الروسي المدعوم أمريكياً.

من سوء حظ السوريين أن الروس والأمريكيين في صراع حقيقي في كل أنحاء العالم، لكن أمن الكيان الصهيوني دفعهم إلى التحالف لأول مرة منذ الحرب العالمية الثانية لحماية أمن الدولة العبرية. ولا يمكن ذلك إلا من خلال إعادة الشرعية للنظام واستعادة أنفاسه عسكرياً. وهذا ما يحصل منذ التدخل الروسي عام 2015. واضح تماماً بعد تسع سنوات على الثورة أن الهدف من اللعبة الأمريكية في سورية لم يكن النظام بل سورية وطناً وشعباً، فقد تم تهجير نصف الشعب السوري وتحطيم الجيش وتدمير سورية، بينما منع الأمريكيون سقوط النظام، لأنهم يريدونه أن يستمر في مهمته التاريخية ككلب حراسة للكيان الصهيوني وككلب صيد ينهش لحوم السوريين على حطام بلد كان اسمه سورية.

هذا هو النصر الذي يتفاخر به الأسد ضد الصهيونية والامبريالية الأمريكية، مع العلم أن الذي يحميه حتى هذه اللحظة لا الروسي ولا الإيراني، بل أسياده الصهاينة في تل أبيب والامبرياليون في واشنطن كي يستمر في دوره الوظيفي التخريبي، وليكون قائد الفوضى الهلاكة في المنطقة بامتياز.

المصدر

*موقع حرمون-7/1/2020

*ديوان العرب-1/12/2018  

*القدس العربي-فيصل القاسم-13/3/2020

وسوم: العدد 911