عندما تتفجر الموقوتات في الجسم الوطني !!!

وهل زرعت إلا لتتفجر عندما يريدون الزارعون ؟!

ودعيت إلى أكثر من تجمع ، جعلوا عنوانهم " الدعوة إلى إسقاط الائتلاف " ولماذا لا نتجمع لتشكيل البديل ؟؟؟

وهل خلاصنا أو تخلصنا من الائتلاف الوطني ؛ خير صريح محض ، أو شر صريح محض ، ولا يقول نعم لأحد الجوابين إلا مستعجل .

يُدرك المتابعون للواقع السوري أن هذه الأجسام ، وقد أنشئت بقرارات فوقية، ما أنشئت إلا ليمرر على كواهلها هدف ، ومهما تكن نيات المشاركين فيها ، فإنها عندما يبلغ المنشؤون لها غايتهم فيها ، ستضمحل وتتلاشى كما المجلس الوطني من قبل .

في " مزيج " الائتلاف الوطني ، عندنا جسم الائتلاف الأصلي الذي تشكل من معارضين أفراد وتنضم إليه كتل مثل جماعة الإخوان المسلمين وهيئة التنسيق ، والمجلس الوطني الكردي ، وهذا الجسم فيه ما فيه .. ثم هناك الملحقات من منصتي القاهرة وموسكو ، اللتين تقفان - مع الاحترام للشخصيات - من المشروع الثوري الوطني ببعده الشعبي الجماهيري على شمال بشار الأسد في رفضهم لمخرجات الديمقراطية ومقتضيات المساواة

من كل الفرقاء ؛ وفي أولئك وهؤلاء أجسام قابلة للانفجار ، عندما يطلب منها ذلك ، أو عندما تشعر أنه فاتها القطار .وهذا يشكل خطرا كبيرا على المشروع الوطني ببعديه الثوري والسياسي ..

السؤال الذي يجب أن نطرحه بشكل عقلاني : هل سيكون حال مشروعنا الوطني أفضل لو أُسقط هذا الائتلاف ، أو لو شاركنا بإسقاطه ، أو شجعنا على إسقاطه ؟؟؟ ومع أننا طالما انتقدنا أداء الائتلاف ، أو شجبنا ونددنا إلا أن الجواب الحق عن السؤال الصعب ، يحتاج إلى كثير من الريث والأناة .. وستزداد حاجتنا للأناة والريث أكثر ، عندما نعلم أن تجاوز هذه المؤسسة، على ما هي فيه ، أصبح مطلبا دوليا تعمل عليه بعض الدول عبر العديد من القنوات و الأدوات .

سيقول قائل : نسقطهم ونؤسس البديل . ونقول " نؤسس البديل " وستراهم يسقطون بدون إسقاط . ومن قبل قالت العرب " لئن ترد الماء بماء أحزم " " ولئن ترد الماء بماء أكيس " وقالت العامة "

ومع الأسف السياق الراهن في منحنى عام الثورة السورية سياق تفتت وتشرذم ، وليس سياق تجمع والتحام . ومن محنة المحنة ، أن لا تؤلف بيننا المحنة ، وأن ترانا شذر مذر ونزداد .. وشر الزنازين زنزانة ضيقة لا يسود بين نزلائها الانسجام .

 ومع الأسف عجز الناس - كل الناس - وعلى مدى عشر سنين عن تشكيل تجمعات وطنية حقيقية ، مع مسيس الحاجة ، وتوفر القناعات ..

وحالة الغوغائية الواتسابية تنبئنا عن كثير ، ولم تعد على السوريين لا بشيء من التعارف ، ولا بشيء من التآلف يجمعهم فظلوا في الحالة الفردية على النحو الذي تصوره العربي الأول حين تحدث عن أبيات من الشعر بلا ناظم فقال :

وشعر كبعر الكبش فرق بينه .. لسان دعيّ في القريض دخيلُ

ويقولون لك القصيدة العربية بلا سياق !!

ونعود إلى سياق الشرذمة والتفتيت الذي نعيش فنقول :حتى بعض الأجسام الكبيرة ذات العراقة التنظيمية ، بدأت تتشظى من داخلها ، على خلفيات إيدولوجية ، وأخرى عصبوية ضيقة ، أو ربما تحت مطارق المحنة ؛ ومن يعيش في الفضاء العام للحالة السورية ، يلحظ هذه الشروخ واضحة جلية في بنى كبرى الحركات، حيث نشهد ردة عن المشروع الوطني ، ومحاولات جديدة لركوب موجات الداعشية والتطرف ، كما حصل من قبل في تاريخ سورية القريب .ويتبدى هذا التشظي في كثير من الأنشطة والمحاضرات والمقالات .

والشعر صعب وطويل سـلمه .. إذا ارتقى فيه الذي لا يعلمه

زلــت به إلى الحضيض قدمه .. يريد أن يعربـه فيعجمـه

وربما تنشئ الردة عن المشروع الوطني ، تعلقا بركوب الموجة الداعشية ، ومطرها الأسود .وأشد أنواع التدعش فتكا وخطرا حين يلبس ثوبا متحضرا في زي أهل الشام ، أو أهل مصر . ..فيرطن بقولهم أو يلحن بلحنهم .. وقديما قال الأول : وأعذب الحديث ما كان لحنا ، فيستهوي من الدواعش المكتومين العقول والقلوب

ثم بقاء الائتلاف الوطني يشكل بالنسبة للجمهور المختلف غير المؤتلف المشجب الذي نعلق عليه كل آثامنا وعيوبنا وتقصيرنا .. فهو بدوره هذا ا نافذة للتنفيس عن المكبوت السلبي في دواخلنا ، وتصوروا لأننا أصبحنا وليس في الفضاء السوري جهة ما نطالبها ونحاسبها ونتهمها فكيف سيكون الحال ؟!

لن أفرح بسقوط الائتلاف ، ولن أشارك في أي جهد لإسقاطه ، لأنه متساقط بنفسه ، أو ساقط بوكزة من أسسه ليبلغ عليه حاجة في نفسه ، وربما سنأسى عليه إذا سقط ، قبل أن نسبق جادين بتأسيس بديل وطني جامع، يجمع كل الذين يريدون التغيير للأفضل ، باتجاه أقانيم العصر الثلاثة : العدل والحرية والمساواة ...

العدل : ضد الظلم بكل صوره وأشكاله ، ضد الظلم السياسي الذي يتمثل في الاستبداد ، والظلم الاجتماعي الذي يتمثل بأنظمة الاستغلال والاحتكار، والظلم الذكوري الذي يتمثل في أشكال الطغيان التي يفرضها الرجال على النساء ..

والحرية ؛ بكل آفاقها وتجلياتها الإيجابية ، الحرية الدينية والفكرية والسياسية والاجتماعية والاقتصادية ..تحدد قطر دائراتها إرادة مجتمعية حرة للسوريين الأحرار ، نعيش فيها ، وننتمي إليها ...

والمساواة على قاعدة المواطنة لجميع المواطنين ، " ولك في هذا الوطن مثل الذي لي فيه" أو " ولي في هذا الوطن مثل الذي لك فيه "والمساواة في مرصوفة الحقوق والواجبات ، فلا استئثار ولا امتياز .. وحين نجتمع على مثل هذا .. يمكن أن يكون بشار الأسد وليس فقط الائتلاف الوطني قد صار خلف ظهورنا ..

*مدير مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

وسوم: العدد 913