سوريا مريضة ولا دواء لها سوى الديموقراطية والعدالة الاجتماعية

في عام ١٩٥٩ كنت طالباً في الصف الأول ثانوي، ايامها كان المد العربي القومي مسيطراً على اتجاهات وتفكير نسبه كبيرة من شعوب الأمة العربية, أذكر في أحد الأيام الدراسية دار حديث ونقاش بين الطلاب يتركز حول قيامنا بإضراب إحتجاجا على عبور طائرة السيد عدنان مندريس رئيس وزراء تركيا آنذاك الأجواء السورية في طريقه إلى السعودية..فتركيا دولة مؤسسة لحلف بغداد بقيادة بريطانيا وحلف بغداد كما هو معروف حلف إستعماري يعادي تطلعات الامة العربية, وفعلاً تم تنفيذ الإضراب وخرجنا بمظاهرات في الشوارع منددين بعبور طائرة الرئيس  عدنان مندريس الأجواء السوريه.

في عام ١٩٦٠ كان السيد عدنان مندريس يقبع في احد سجون الانقلاب العسكري الذي قاده جمال جورسيل..وبمحكمة سريعة احيلت أوراق السيد مندريس الى فضيلة المفتي مع بعض رفاقه وتم 

اعدامهم شنقا في إحدى جزر مرمرة.

سألت اليوم نفسي السؤال التالي:

لماذا تظاهرنا ضد عدنان مندريس من اجل سبب بسيط ,ولم نتظاهر ضد الإنقلابي الجنرال جمال جورسيل علماً بأنه كان يكره العرب لدرجة الوقاحة؟.

إهتديت إلى اجابة منطقية وهي اننا في تلك الايام كانت أدمغتنا مغسولة بالكاريزما الديكتاتورية العسكرية منذ عهد الانقلابات في اواخر الاربعينات من القرن الماضي ،فلم نتعرف على حكم ديموقراطي في حياتنا الا لفترات محدودة , فأوهمونا ان هؤلاء الحكام سيعيدون مجدنا وحضارتنا وفلسطيننا , فخوفونا من الانتخابات الحرة والديموقراطية والحرية, فكانت عداوتنا لعدنان مندريس الذي إكتسح نتائج الانتخابات الديموقراطية اكبر من عداوتنا لجمال جوسيل صاحب الكاريزما العسكريه المشابهه للشخصيه العسكريه في بلادنا.

الرئيس المرحوم عدنان مندريس بإختصار شديد دخل على خط السياسه التركيه كرجل عادي لم يكن يحمل فكراً اسلامياً متجذراً في داخله بل كان عضو نشطاً في الحزب الذي أسسه اتاتورك ثم انشق عنه واسس حزبه واعلن مبادئه البسيطه كعودة الاذان الى العربية وفتح المعاهد الدينية والجوامع..مستشعرا ان هذه رغبة شعبيه فلم يشأ ان يقف حائلا امامها ، فإكتسح البرلمان بنسبة  مرتفعة جداً وشكل وزارته وبدأ بتنفيذ وعوده...فعاجله العسكر بانقلاب قاده الجنرال جمال جورسيل كما أسلفت فحكم عليه وعلى اقرانه بالاعدام ونغذوا الحكم فيه عام 1960.

 لقد كانت ردة فعل هذه الجريمة في الأوساط التركية قوية، فمن رحمها ولدت نبتة صغيرة في تركيا مالبثت ان ترعرعت لتولد اليوم تركيا الحديثة المهابة الجانب اقتصادياً وعسكرياً وسياسياً.. بعد ان كان الاتراك ينتظرون موسم الحج لتقف قوافل باصاتهم بالطريق في ساحة باب الفرج في حلب ليتبضعوا من البسة البالية وليشتروا كم كيلو من القهوة المطحونة يدخرونها لعام كامل .

 لدي شعور قوي اليوم من ان مخاضا صعبا وعسيرا سيمر على الامة العربية , إلا انه بالنهاية سيعيد التاريخ نفسه ولن يصح إلا الصحيح وستقود سوريا ومصر من جديد نهضة الأمة العربية على مبادئ الحرية والديموقراطية .

وسوم: العدد 928