انتشار الإسلام.. معجزته صلى الله عليه وسلم

السيد إبراهيم أحمد

انتشار الإسلام..

معجزته صلى الله عليه وسلم

السيد إبراهيم أحمد

[email protected]

لقد كانت السُّرعة التي انتشر بها الإسلام مقارنة بالديانات الأخرى هي السبب الأكبر في لفْتِ أنظار العالم بعامة، والعالم الغربيِّ على وجه الخصوص، لهذا الدين ونبيه صلى الله عليه وسلم، فقاموا على دراسته تارةً، والحرب عليه تارةً أخرى، وإرسال المُغامرين والمكتشفين للأراضي المقدَّسة بحثًا وكشفًا عن أسراره مرات عدة، مما أدَّى إلى إيمان بعضهم به كدِينٍ، كما فعل عقلاؤهم، أو على الأقل الإعجاب به، فتفرَّغ المستشرقون لدراسة سرِّ انتشار هذا الدين من عصر النبوة وإلى يومنا هذا؛ إذ كان انتشار الإسلام في عهده صلى الله عليه وسلم معجزته، تبقى أيضًا معجزةً له في سرعة انتشاره في عصرنا كدليل صدق من دلائل نبوته الباهرة.

 والمعجزات التي أُثبتُها لرسول الله صلى الله عليه وسلم هي المعجزات التي أثبتَها له كل من قرأ سيرته المطهَّرة من المُفكِّرين والعلماء، فصارت بهذا المفهوم من شهاداتهم باللفظ الصريح "معجزة".

 أما انتشار الإسلام على عهده صلى الله عليه وسلم وبعده بعقود، فهو معجزته التي شهد بها وأثبتَها بعضُ الأعلام من الشرق والغرب؛ فمِن الشرق يقول الإمام محمد عبده[1]: "اندفَع المسلمون في أوائل نشأتهم إلى الممالك والأقطار يفتحونها، ويتسلطون عليها، فأدهشوا العقول وقهروا الأمم، وامتدت سلطتهم من جبال بيريني الفاصلة بين إسبانيا وفرنسا إلى جدار الصين، مع قِلَّة عدَّتِهم وعددهم، وعدم تعوُّدهم على الأجواء المختلفة، وطبائع الأقطار المتنوعة، أرغموا الملوك، وأذلُّوا القياصرة والأكاسرة، في مدة لا تتجاوز ثمانين سنة.. إن هذا ليُعدُّ من خوارق العادات وعظائم المعجزات!".

 أما مُعاصِره الدكتور طه حسين فيقول[2]: "في أقل من ربع قرن، في ثلاثة وعشرين عامًا أنفَق النبي منها ثلاثة عشر عامًا بمكة لا يَكاد يَنشُر الإسلام إلا قليلاً، وعشرة أعوام في المدينة، أتمَّ الله فيها على يده جُلَّ هذه المعجزة الكبرى، فخلق العرب خلقًا جديدًا، وجعل منها أمة بأدق معاني هذه الكلمة وأوسعها، أنشأها إنشاءً جديدًا، وهيَّأها للنهوض بالمُهمَّة الكُبرى التي تتَجاوز حدود جزيرتها، وتحول وجهة التاريخ، وتُغيِّر وجه الأرض في أقل من نصف قرن".

 كما يقول العلامة محب الدين الخطيب في مقاله: "قدوتنا الأعظم"[3]: "نذكُر بالفخر والإعجاب انتشار الإسلام في الصدر الأول انتشارًا يكاد يكون معجزة".

 وأخيرًا فيقول الدكتور حسين مؤنس في كتابه "الإسلام الفاتح"[4]: "ورسول الله صلى الله عليه وسلم عندما أنشأ أمة الإسلام في المدينة، وبدأ مغازيَه، استطاع في عشر سنوات أو نحوها أن يُدخِل في الإسلام جزيرة العرب كلها، وهى وحدها سُدْس مساحة عالم الإسلام".

 أما أعلام الغرب[5] فيعتبر م.ن.روي بحق "أن انتشار الإسلام هو معجزة، وهو أكبر آيات الأنبياء وأروعها إعجابًا وخرقًا".

 كما يقول وول ديو رانت[6]: "توفي جستينان في عام 565م وهو سيد إمبراطورية عظيمة، وبعد خمس سنين من وفاته وُلِد محمد من أسرة فقيرة في إقليم ثلاثة أرباعه صحراء مُجدِبة قليلة السكان، أهله من قبائل البدو الرحَّل، إذا جُمعت ثروتهم كلها، فإنها لا تكاد تكفي إنشاء كنيسة أيا صوفيا، ولم يكن أحد في ذلك الوقت على عِلم أنه لن يَمضي قرن من الزمان حتى يكون أولئك البدو قد فتحوا نصف أملاك الدولة البيزنطية في آسيا، وجميع بلاد المغرب ومصر، ومعظم شمالي إفريقيا، وساروا في طريقهم إلى إسبانيا، والحق أن ذلك الحدث الجلل الذي تمخَّضت عنه جزيرة العرب، والذي أعقبه استيلاؤها على نصف عالم البحر المُتوسِّط ونشر دينها الجديد في ربوعه - لَهُوَ أعجبُ الظواهِر الاجتماعية في العصور الوسطى".

 أما الأمريكي لوثروب ستودارد فيقول[7]: "كاد يكون نبأ نشوء الإسلام النبأ الأعجب الذي دُوِّن في تاريخ الإنسان، ظهر الإسلام في أمة كانت مِن قَبلِ ذلك العهد مُتضعضِعة الكيان، وبلادًا منحطَّة الشأن، فلم يمضِ على ظهوره عشرة عقود، حتى انتشر في نصْف الأرض مُمَزِّقًا ممالك عالية الذُّرى، مترامية الأطراف، وهادمًا أديانًا قديمة كرَّت عليها الحِقَب والأجيال، ومُغيِّرًا ما بنفوس الأمم والأقوام، وبانيًا عالَمًا حديثًا متراصَّ الأركان، هو عالم الإسلام، كلما زدنا استقصاءً، باحثين في سرِّ تقدُّم الإسلام وتعاليمه زادَنا ذلك العجب العجاب بهرًا، فارتددْنا عنه بأطراف حاسرة، عرفْنا أن سائر الأديان العُظمى إنما نشأت، ثم أنشأت تَسير في سبيلها سيرًا بطيئًا ملاقية كل صعب، حتى كان أن قيَّض الله لكل دين منها ما أرادَه له من مَلكٍ ناصر، وسلطان قاهِر انتحَل ذلك الدين، ثم أخذ في تأييدِه والذبِّ عنه، حتى رسخَت أركانه، ومُنعت جوانبه، بطل النصرانية "قسطنطين"، والبوذية "أسوكا"، والمزدكية "قباء كسرو"، كل منهم ملك جبَّار، أيَّد دينه الذي انتحله بما استطاع من القوة والأيد، إنما ليس الأمر كذلك في الإسلام، الإسلام الذي نشأ في بلاد صحراوية، تجوب فيها شتى القبائل الرحَّالة التي لم تكن من قبْل رفيعة المكانة والمنزلة في التاريخ، فلسرعان ما شرع يتدفَّق ويَنتشِر وتتَّسع رقعته في الأرض مُجتازًا أفدح الخطوب، وأصعب العقبات، دون أن يكون من الأمم الأخرى عَونٌ يُذكر، ولا أزر مَشدود، وعلى شدة هذه المكاره فقد نُصر الإسلام نصرًا مُبينًا عجيبًا؛ إذ لم يكد يَمضي على ظهوره أكثر من قرنين، حتى باتَت راية الإسلام خفاقة من "البرانس" حتى "هملايا"، ومن صحارى أواسط آسيا حتى صحارى أواسط إفريقية" هذا ما كان من أمر انتشار الإسلام على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومن تلاه.

 ثم يَجيء انتشار الإسلام في وقتنا الحاضر ليُؤكِّد مُعجزةً مِن مُعجزات الرسول صلى الله عليه وسلم، ألا وهي الإخبار بالمغيبات، وهي مِن المُعجِزات التي أجراها الله تعالى على يدَيه تأييدًا لنبوته وبيانًا لها؛ فلا يظنها الظان أنها تنبؤات بشرية تُصيب مرة وتُخطئُ مرات، ولكنها مبشرات يقينية، صدرت من رسولِ الله صلى الله عليه وسلم الذي لا ينطق عن الهوى؛ كما قال فيه رب العزة في كتابه الكريم: ﴿ إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى ﴾ [النجم: 4]، وتأتي تأييدًا وتصديقًا لوعد الله بأن المستقبَل لهذا الدين؛ لقوله جل وعلا في محكم تنزيله: ﴿ هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ [التوبة: 33]، وقوله عز من قائل: ﴿ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا ﴾ [النور: 55].

 فما ثبَت الخبر عن الله ورسوله بأسانيد صحيحة فيجب الإيمان به، وكانت تلك الأخبار أعلامًا ومُعجِزات تدلُّ على صدق الرسول، وثبوت رسالته صلى الله عليه وسلم، وهذه نبوءات تحدَّث بها السيد الرسول محمد صلى الله عليه وسلم تجعلُك على مثل الشمس مُبصرةً، وأن محمدًا رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأنه لا يَنطِق عن الهوى"[8].

 فليس كلامنا إلا حالة التصديق الكامل من الواقع للنبوءات الثابتة، فليس كلامنا إذًا في التوقُّعات، وليس كلامنا في التكهُّنات الكهنية التي يُكذِّب الواقع عشرات مثلها، وليس كلامنا في النبوءات المدَّعاة التي يُدَّعى أنها قيلت قبل وقوع مضمونها، والحقيقة أنها قيلَت بعده، وليس كلامنا في أمر بُيِّت فتنبَّأ بوقوعها بعض من بيَّت، وليس كلامنا في إنسان تحقَّقت بعض نُبوءاته، وكذَّب الواقع بعضها، وليس كلامنا عن رؤيا منام أو يُشبِه رؤيا منام، وليس كلامنا في نبوءة صدرت عن تابع نبي صديق، فكانت كرامة له باتِّباعه لهذا النبيِّ.

 وإنما كلامنا في إخبار عن المستقبل المجهول، عن رجل يقول: إنه رسول، ويتحقَّق هذا المستقبل تحققًا تامًّا، لا يُخرم منه شيء، فتلك إذًا نبوة لا شك فيها، واتصال بالله عالِم الغيب والشهادة لا شك فيه"[9].

 ذلك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لعدي بن حاتم حين وفد عليه: ((فوالذي نفسي بيده ليتمنَّ الله هذا الأمر، حتى تَخرُج الظعينة من الحِيرة حتى تطوفَ بالبيت في غير جوار أحد، وليفتحن كنوز كسرى بن هرمز [10]((.

 وما رواه مسلم في صحيحه عن ثوبان رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إن الله زوى لي الأرض فرأيتُ مشارقَها ومغاربها، وإن أمتي سيَبلُغ ملكها ما زُوِي لي منها)).

 وكذلك ما رواه أحمد عن تميم الداري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((ليبلغن هذا الأمر ما بلغ الليل والنهار، حتى لا يَترُك الله بيت مدر ولا وبر إلا أدخله الله هذا الدين بعزِّ عزيز أو بذلِّ ذليل، عزًّا يُعزُّ الله به الإسلام وأهله، وذلاًّ يذلُّ الله به الشرك وأهله[11]((.

 صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ فقد أصبح الإسلام اليوم هو الدين الثاني في الغرب بعد المسيحية، وهو الديانة الأسرع انتشارًا فيه، حتى بلغ عدد المسلمين بين المواطنين الأصليين والمهاجرين الذين اكتسبوا حق المواطنة عشرات الملايين في الولايات المتحدة وأوروبا، وتُشير بعض التقديرات في هذا الصدد إلى أن عدد المسلمين في أوروبا حاليًّا يَصِل إلى قرابة خمسين مليونًا؛ ففي أواخر 2006 ذكرت مجلة السياسة الخارجية الأمريكية[12] أن المُسلمين سيُشكِّلون 30 % من الفرنسيِّين خلال عشرين عامًا، وفي بريطانيا بلغ الحُجَّاج الإنجليز في آخر موسم حج حوالي ثلاثين ألفًا أغلبهم من الشباب، كما أن 10% من كنائس إنجلترا صُنِّفت زائدة عن الحاجة، وفي روسيا المسلمون الآن يُشكِّلون أكثر من 15% من سكانها, كما أن خُمُسَ سكان موسكو من المسلمين، وقد توقَّعت مجلة "الأكونوميست" أن يصل تعدادُ المسلمين إلى نصف تعداد روسيا خلال 25 عامًا، أما هولندا فخلال ثلاثين عامًا سيُصبح المسلمون أغلبية، كما ذكرت مجلة "دير شبيجل" الألمانية في عددها الصادر في 28 مايو 2005 أن الإسلام يَنتشِر بسرعة بين الهنود الحمر، خاصةً في جنوب المكسيك، ومن جهتها أعلنت وزيرة الخارجية الأمريكية "كونداليزا رايس" في يوليو 2007 أن الإسلام هو أسرعُ الأديان انتشارًا في أمريكا, مما حدا ببوش إلى أن يعقد اجتماعًا مع الإعلاميِّين الأمريكيين المعادين للإسلام لبحثِ هذا الأمر.

 يقول شكيب مخلوف رئيس اتحاد المنظمات الإسلامية في أوروبا[13]: "وضع الإسلام والمسلمين في أوروبا ومستقبلهما بعون الله زاهر، ونحن ننظر إلى ذلك بتفاؤل، وقد كان الرسول صلى الله عليه وسلم وهو مُحاصَر في غزوة الخندق، يُبشِّر المسلمين بالنصر، وأكبر إنجاز للإسلام والمسلمين في أوروبا هو أن هذه الدول التي كانت تُحارب الإسلام سابقًا، أصبح الإسلام في عقر دارها، هناك آلاف المساجد في أوروبا، آلاف المآذن، والصوت الإسلامي أصبح مسموعًا فيها".

 كما ذكرت دراسة أعدتها صحيفة "لاليبر بلجيك" أن الدين الإسلاميَّ سيُصبِح الديانة الأولى في العاصمة البلجيكية بعد خمس عشرة إلى عشرين سنة من الآن.

 وتدل الإحصائيات الحديثة أن نسبة النساء اللواتي يعتنقن الإسلام في أوروبا وأمريكا هي نسبة كبيرة، وهذا ما تؤكِّده الباحثة Karin van Nieuwkerk في كتابها الجديد: "نساء يعتنقن الإسلام"، وتقول: "إن المرأة تجد في الإسلام العدالة، وتجد فيه كرامتها، واحترام الرجل لها".

 وذكرَت وكالة نوفوبرس أنه من المرجَّح أن يُصبِح الإسلام الديانة الأولى في روسيا بحلول عام 2050؛ نظرًا لزيادة الإقبال على اعتناق الإسلام، ولتزايُد معدَّل المواليد بين المسلمين الروس، ولقد أشارت عملية مسح ميداني حديثة صادرة عن مركز الأبحاث الاجتماعية في جامعة جورجيا الأميركية إلى أن الإسلام أسرع الأديان انتشارًا في الولايات المتحدة اليوم، ويبلغ عدد المساجد في أميركا بحسب المسح ما يزيد عن 1209 مسجد بُني أكثر من نصفها خلال السنوات العشرين الماضية، وتتراوَح نسبة الذين تحوَّلوا إلى الديانة الإسلامية ما بين 17 و30 %..

 وقد أكدت دراسة أعدتها وزارة الداخلية الفرنسية[14]، أن الإسلام يَنتشِر بسُرعة كبيرة في البلاد، ويعدُّ الدِّين الثاني بعد النصرانية، وأظهرت الدراسة أن 3600 شخصٍ يعتنقون الإسلام سنويًّا في فرنسا، وأن أتباعَه أكثر السكان التزامًا بالقوانين، وتَندر جدًّا الجريمة في أوساطهم، كما يَحرِصون على تنفيذ تعاليم الإسلام، يؤيِّد ذلك أن مجلة "السياسة الخارجية" الأمريكية الشهيرة قد ذكَرت على لسان الصحافية البريطانية "ميلاني فيليبس" أن فرنسا ستُصبِح بلدًا إسلاميًّا خلال 30 عامًا.

 تأتي المفاجأة المثيرة فيما كشفت عنه صحيفة "معاريف" الإسرائيلية في مارس 2008، وكانت بمثابة لطمةٍ وصفعة قوية على وجه الكيان الصهيوني؛ حيث أرسلت المنظمات اليهودية الفرنسية بتقارير إلى الوكالة اليهودية الدولية تَستنجِد بها وتطلب منها التدخل من أجل وضع حد لِما أطلقت عليه "الإقبال اليهودي الكبير على اعتناق الإسلام"، بعد أن أكدت الإحصائيات أن 80% ممن دخلوا حديثًا في الإسلام من المُواطِنين الفرنسيِّين كانوا من اليهود.

 أما في المملكة المتحدة فقد رفع مجلس الكنائس البريطاني رسالة شكوى عاجلة إلى الحكومة يطالب فيها رئيس الوزراء جوردون براون بما أسماه بوقف طغيان الأديان الأخرى، وعلى رأسها الإسلام.

 ثم تأتي إحصائية الفاتيكان التي تؤكِّد ما توصلنا إليه؛ فقد صرح مسؤول بالفاتيكان أن عدد المسلمين فاق الكاثوليك ليَصير الإسلام أكثر الأديان عددًا وأتباعًا في العالم، وقال المونسنيور فيتوريو فورمينتي الذي أعَّد كتاب الإحصائيات السنوي لعام[15] 2008: إن المسلمين يُشكِّلون 19.2% من سكان العالم مقابل 17.4% للكاثوليك، وأضاف فورمينتي في تصريحات لصحيفة الفاتيكان (لوزرفاتوري رومانو): "للمرة الأولى في التاريخ لم نعُد في القمَّة، المسلمون تجاوَزونا؛ موضحًا أن هذه البيانات تعود إلى عام 2006، وتابع: إذا وضعْنا في الاعتبار كل الطوائف المسيحية بما في ذلك الكنائس الأرثوذكسية والإنجليكانية والبروتستانتية فتكون نسبة المسيحيين 33% من سكان العالم؛ أي حوالي ملياري نسمة، على حدِّ زعمه".

 سأذكر آخر أو بعض آخر الإحصائيات الصادرة حتى شهر يونيه من عام 2013:

 أكد الدكتور "سكوت فلاور" أحد الباحِثين الأكاديميين الأستراليين أن المسلمين بدولة "بابوا" (غينيا الجديدة) الواقعة غرب المحيط الهادي تضاعفَت أعدادهم بنسبة 500% منذ أحداث هجمات سبتمبر 2001 ضد الولايات المتحدة الأمريكية، وبناءً على البحث الميداني أكد "فلاور" أن انتشار الإسلام وزيادة أعداد المسلمين، ليس نتيجة تدفُّق المسلمين من الخارج، ولكن اعتناق المحليين للإسلام بتلك الدولة التي كانت النصرانية هي السائدة فيها من قبل، وقال: "إنه عندما ألقى الإعلام الضوء على حادثة 11 سبتمبر، أدرَك النصارى بالدولة أن هناك دينًا بديلاً عن النصرانية"[16].

 لقد أشارت النتائج التي صدرت عن تحليل الإحصاء السكاني لعام 2011 إلى ارتفاع نسبة المسلمين، وانخفاض نسبة النصارى، مقارنةً بالنِّسَب السابقة مع بقاء النصرانية الديانة السائدة في بريطانيا[17].

 وكذلك أشار تحليل الإحصاء السكاني لعام 2011 إلى أن النصرانية بـ: "المملكة المتحدة" تشهد موجةً عارمة من الانخفاض؛ حيث زادت سرعة تقهقرها إلى 50% في الوقت الذي يرتفع فيه الإسلام بسبب الاعتناق والهجرة، وقد أشارت النتائج إلى أن نحو 10% من الشباب تحت 25 عامًا ينتسبون للإسلام، في الوقت الذي انخفضَت فيه نتيجة من يَعتبِرون أنفسهم نصارى اسمًا إلى النصف، وانخفاض نسبة مَن يَعتبرون أنفسهم نصارى لـ: "إنجلترا" و"ويلز" بنسبة 10%، كما أشارت النتائج إلى ارتفاع نسبة المسلمين بنسبة 75% في الإقليميين أيضًا[18].

 كتب الباحث المتخصِّص في الشؤون الإسلامية بالعالم الغربي "سورين كيرن" مقالاً حول مظاهر صعودِ الإسلام كديانةٍ تتفوَّق على النصرانية الكاثوليكية بفرنسا، يقول فيه[19]: "يَعتقِد غالبية الأفراد في فرنسا - طبقًا لاستفتاء جديد - أن الإسلام يُعتبَر شديد التأثير في المجتمع الفرنسي، وقرابة النصف يَعتَبِر المسلمين خطرًا على الهُوِيَّة الوطنية".

 توقَّع وزير الداخلية الفرنسي مانويل فالس[20] أن يُصبِح الإسلام الدين الثاني في فرنسا رسميًّا خلال السنوات القليلة المقبلة، ويزيد عدد مُعتنِقيه على ستة ملايين مسلم، ونقلت صحيفة نمساوي عن وزير الداخلية قوله: "لدينا بين 2200 و2300 مسجد وقاعات للصلاة في جميع أنحاء البلاد، ويجب على فرنسا وأوروبا أن تَعترِف أن الإسلام مُتوافِق مع الديمقراطية وحقوق الإنسانوالمرأة"، وذكر فالس أن تاريخ البشرية نادرًا ما شهد انتشار دين بهذه الطريقة في مثل هذا الوقت القصير، ويُعتبَر الإسلام بالفعل - ووفقًا لتعداد المسلمين - هو الدين الثاني في فرنسا، ويفُوق عدد أتباعه الخمسة ملايين، بنسبة 8% أو تزيد، وهم بذلك يُشكِّلون أكبر تجمُّع للمسلمين في أوروبا، الأمر الذي يُثير حفيظة الكثيرين ممن يَعتبِرون ذلك يُشكِّل خطرًا على هوية الدولة العلمانية.

 كما نشرت صحيفة "نيويورك تايمز" الأمريكية على موقعها الإلكتروني[21] أن هناك ارتفاعًا كبيرًا في نسبة اعتناق الدين الإسلامي داخل فرنسا رغم المواقف العدائية من قِبَل الحكومة الفرنسية تجاه المسلمين، وكتبت الصحيفة تقول: "إن الكثيرين داخل فرنسا باتوا يتجهون إلى اعتناق الإسلام، رغم مَواقِف حكومة باريس التي تتَّسم بالعدائية في بعض الأحيان تجاه الديانة الإسلامية"، واستندت الصحيفة في تقريرها إلى ما قاله بعض الخُبراء بأن نسبة الفرنسيين الذين يعتنقون الإسلام سنويًّا قد تضاعفَت خلال الـ: 25 عامًا الماضية، حتى إن كانت أعدادُهم لا تزال قليلة نسبيًّا بالنسبة لعدد سكان فرنسا.

 ولا أجد ختامًا أفضل مما سطره المفكر الهندي "م.ن.روي" في كتابه "الدَّور التاريخي للإسلام" من سرعة انتشار الإسلام؛ إذ يقول: "إن الإنسان ليدهش إذا تأمَّل السرعة الغريبة التي تغلَّب بها طوائف صغيرة من الرحالين، الذين خرَجوا من صحراء العرب مُشتعِلين بحماسة دينية على أقوى دولتين في الزمن القديم، لم يمضِ خمسون سنة على بعثة محمد صلى الله عليه وسلم حتى غرز أتباعه علم الفتح على حدود الهند في جانب، وعلى ساحل البحر الأطلنطيكي في جانب آخر، إن خلفاء دمشق الأولين حكموا إمبراطورية، لم تكن لتُقطع في أقل من خمسة أشهر على أسرع جمل، وحتى نهاية القرن الأول للهجرة كان الخلفاء أقوى ملوك العالم.

 كل نبي جاء بمعجزات آية لما يقول، وبرهانًا على صدقه، ولكن محمدًا صلى الله عليه وسلم هو أعظم الأنبياء وأجلُّهم؛ إذ كان انتشار الإسلام أكبر آيات الأنبياء وأروعها إعجابًا وخرقًا للعادة، إن إمبراطورية أغسطس الرومية بعدما وسَّعَها بطَلُها "تراجان" نتيجة فتوح عظيمة في سبعة قرون، لكنها لا تُساوي المملكة العربية التي أُسِّست في أقل من قرن، إن إمبراطورية الإسكندر لم تكن في اتساعها إلا كسرًا من كسور مملكة الخلفاء الواسعة، إن الإمبراطورية الفارسية قاومت الروم زهاء ألف سنة، ولكنها غُلِبَت وسقَطتْ أمام "سيف اللهِ" في أقل من عشر سنوات.

               

[1] الإمام محمد عبده: العروة الوثقى، (ص: 39، 94).

[2] الدكتور طه حسين، مرآة الإسلام (ص: 122).

[3] محب الدين الخطيب، قدوتنا الأعظم، الحديقة 10 / 90.

[4] الدكتور حسين مؤنس، الإسلام الفاتح، (ص: 3).

[5] نقلاً عن كتاب "المد والجزر في تاريخ الإسلام"؛ للعلامة أبي الحسن الندوي.

[6] وول ديورانت، قصة الحضارة (13 / 6 7 ).

[7] لوثروب ستودارد: حاضر العالم الإسلامي، ترجمة عجاج نويهض، دار الفكر العربي.

[8] الرسول، سعيد حوى (ص: 344)، مكتبة وهبة، القاهرة، بدون سنة الطبع.

[9] الرسول، سعيد حوى (ص: 343)، مكتبة وهبة، القاهرة، بدون سنة الطبع.

[10] ابن كثير: البداية والنهاية (5: 66)، ابن هشام: السيرة (4: 581)، ابن حجر: الإصابة في تمييز الصحابة (2: 468).

[11] صححه الألباني.

[12] عدد مايو / يونيو 2006 (ص: 9 Foreigh Policy.)

[13] جريدة الشرق الأوسط 20 مايو 2008، العدد: 10766.

[14] باريس إينا: بتاريخ 14/ 4/ 2008.

[15] Sato Tsugitaka, Muslim Societies Routledge,UK, 2004 .

[16] المصدرشبكة الألوكة 6 / 6 / 2013.

[17] المصدرشبكة الألوكة 28 / 5 / 2013.

[18] المصدرشبكة الألوكة 25 / 5 / 2013 [الإسلام الدين السائد خلال 10 سنوات].

[19] صفحات شبكة "معهد جيتستون" بتاريخ 5 / 6 / 2013: [انتشار الإسلام يتفوق على الكاثوليكية في فرنسا]، المصدر: GATESTONE INSTITUTE.ORG.

[20] باريس، 9مارس 2013م (إينا).

[21] قصة الإسلام، مفكرة الإسلام 5فبراير 2013.