ضيفٌ ثقيلٌ في بَيتِنا (كوفيد19)

صداعٌ شديدٌ في الرأس ودَوخة، لعلّه الزكام أو الكريب ! سأشرب عصير الليمون والبرتقال بعد الإفطار.

كان هذا ما أَلمَّ بي في العشر الأول من شهر رمضان، حيث شعرتُ بأعراض الكريب يوم الاثنين وأنا في عملي في المدرسة، وعندما رجعتُ البيت هرعتُ إلى الفراش لأرتاح، ولم تكن عادتي النوم وقت العصر، وتناومتُ فلم أستطع الاستسلام له، فالنوم يهرب من عيني، ولكن التعب أوهمني بالنعاس، وبعد المغرب اشتدّ عليّ الصداع والدوار وشعرتُ ببردٍ جعل فرائصي ترتجف، وهممتُ أن أرسل رسالة لمدير المدرسة أعتذر له عن المجيء يوم الثلاثاء، ومع ذلك أجّلتُ رسالتي، وعند السحور وصلتْني رسالة من المدير ذكر فيها أنّ حالات المرض زادت بين الطلاب، وظهرتْ الكورونا على بعضهم، فنصحنا بالبقاء بالبيت حِفاظاً على صحتنا، فقلتُ في نفسي: الحمد لله جاءتْ على قدميها.

وفي صباح الثلاثاء نويتُ الذهاب إلى المركز الصحي (المستوصف) لتصفَ لي الطبيبةُ هناك بعضَ الأودية للكريب كما جرى معي قبل شهور، فقد تماثلتُ للشفاء بعد يومين من تناولي بعض الأدوية في ذلك الزمن والحمد لله، وفعلاً كتبتْ لي أربعة أدوية: فَوّار فيتامين، ونوعين من حبّ الالتهاب، وبخاخ للفم، وبدأتُ بأخذِ الدواء من نفس اليوم، فقد كانت البرديّة تجعلني أرتجف بشدّة وكأننّي أرقص، ولذلك أفطرتُ لأهدَئ وتذهب عني الرجفة، وصرتُ أتناول الدواء بانتظام، فذهبتْ عنّي البرديّة فقط دون غيرها من الآلام، وقد رحتّ أتعرّقُ كثيراً فحاولتُ طمْرَ جسمي باللّحافِ ولكن لم أتحمّل الوجع، فأتكشّف بسرعة وأنهضُ دون أن أسمح لتلكَ الالتهابات الخروج مع العرق.

ومضتْ عِدّة أيام دونَ أيّ تحسن بل زادتْ آلامي وكثرتْ شكايتي، فالصداع زاد بقوة رافقهُ ألم غريب في الظهر، ثمّ بدأ الوجعُ ينزل إلى أسفلِ الظهر عند الورك فالفخذين والركبتين، وعمّ جميع بدني وَهنٌ شعرتُ خلاله بأننّي لا أقوى على الوقوف أو الحركة، وزاد سُعالي وكأنّه ينتزعُ روحي من عظامي، كذلك أحسستُ مغارةَ حلْقي تتضيقُ تدريجياً فلا أكاد أطيق بلعَ ريقي، ولم يبقَ في جسمي موضع إلّا وبه ألم حتى مَفاصل أصابعي، وكانت أوجاع الظهر والركبتين في الليل تزداد بشكل غريب فقد كان يَنْسلُّ من عظامي كأنّه تيار كهربائي يجري فيها، فلا أستطيع الاستلقاء ولا القعود ولا الوقوف، فلا يَخفّ الألمُ إلّا بالمشي، فأدورُ في البيت كبعيرِ الطاحون حتى تتعبني الحركة، وأكاد أنام ماشياً، وعند السحور أتناول دوائي وأُصلّي الفجر، ثمّ أحاول الاحتيال على نفسي بالاسترخاء لأنام، لكن دون جدوى فلا أستطيع ذلك حتى طلوع الشمس، وبعدها أستسلم للنوم نصف ساعة أو ساعة على الأكثر، ثمّ أقفزُ كمن وُخِز من أسفله بإبرة، أو لدغته عقرب أو حيّة لعودة الألم في ظهري ورجلي فأعودُ للمشي ثانية، وبقيتُ هكذا سبعة أيام، وفي اليوم التالي اتصل بي أربعة من الأخوة الأساتذة في المدرسة والجامعة للاطمئنان عليّ، وعندما عَلِموا حالي وسمعوا سُعالي نصحوني جميعاً بالذهاب الى المستشفى وإجراء تحليل الكورونا، وزاد الوهم لدّي بعد إصرار جيراني بضرورة زيارة المستشفى وكذلك قال صديق لي أيضاً، فالجميع يُحذّرني من البقاء بلا علاج، فإنّ هذا المرض ينزل فجأة على الرئتين فلا يقدر المريض بعدها على النَفَس فتخرج روحه مع أخر زفرة.

وفي ظلّ هذا النصح والضغط من هؤلاء جميعاً شعرتُ في تلك الليلة أنّها آخر ليلة لي، وأنّ هؤلاء جميعاً ما قاموا بنصحي إلا لعلمٍ قذفهُ اللهُ في قلوبهم أننّي في خطر حقيقي جعلهم يُلحّونَ عليَّ بالأمرِ لألجئ إلى الطبيب، وفعلاً .. ففي تلك اللية ضاقَ نَفَسي وصرتُ أُتمتمُ أتفكّر بوصيتي التي سأكتبها، وغدوتُ في حال وكأننّي أستضيف ملكَ الموت، سبحان الله ليلة غريبة قضيتها ! وبعد الاستغفار والتوبة والرجوع الى الله، نويت الذهاب إلى المستشفى إن طلعت عليّ شمس هذا اليوم، ولا أنكر أنّ أكثر من أخ وصديق عرض عليّ المساعدة ليأخذني إلى المستشفى خلال هذه الأيام، اللهم زِد وبارك في أمثال هذه الثلّة الطيّبة، وفي الصباح قمتُ وجهزتُ نفسي للخروج، وعند الظهيرة اتصلتُ بأستاذ أخ لي جزاه الله خيراً ليأخذني بسيارته إلى المستشفى، وركبت سيارته من الخلف خوفاً عليه إذا كنتُ مَكْرُوناً، وذهب بي إلى مستشفى الجامعة، فدخلنا قسم الإسعاف وكان فارغاً وهادئاً ونظيفاً فأخذتني الممرضة لتُجري لي الفحص، وهو عبارة عن عود يشبه نكّاشة الأذن ولكن أطول منه قليلاً في رأسه قطن، فأدخلتْ العود في فمي فكأنني شعرتُ به يغمزُ معدتي، ثمّ أدخلتْ عُوداً آخر إلى أنفي فغرزته حتى أظنّه وصل إلى الصمام التاجي في القلب ثمّ حرّكتهُ وأخرجتهُ بعجلة كصياد أحسّ صنارته قد اهتزّت في الماء فإنّه يرفعها ويُخرجها دفعة واحدة ليخترق رأسُها فمَ السمكة، ثمّ وضعتْ الأعواد في أنابيب التحليل، وهذا الإجراء يجعل المفحوص يحسّ بأنّ الدنيا قد لَفّتْ به فيشعر بالغثيان، وتبدأ العينان بالدمع، والصور أمامه تدورُ كراكبِ دويخة العيد (أرجوحة مستديرة يجلس فيها مجموعة من الأطفال تدور بهم أيام العيد)، والنجوم تطوف حول رأسه يكاد يفقد توازنه، وكنتُ أظنّ الممرضة من جماعة ملائكة الرحمة ولكنّها بعد هذا الفحص تحولتْ إلى الفريق الآخر، فقد بالغتْ في فحصها حتى آذتني وكأنّ لها عداوة وثأراً معي فأرادتْ أن تَقتصَ منّي، وقد شعر الأخ الذي رافقني في قسوة الممرضة في فحصها، فتصبّرتُ وقلتُ في نفسي أعانها الله وهداها وأصلحها.

وقالت لي: اذهبْ إلى البيت، وانتظرْ نتيجة التحليل، فستأتيك رسالة على هاتفك بعد ساعات، وكانت مُدّة الفحص كلّه خمس دقائق في الوقت، وساعات في الألم وخاصة فحص الأنف.

عدتُّ إلى البيت، وأخذتُ انتظر النتيجة، وبعد الإفطار وصلتْ النتيجةُ بالإيجاب، يعني أنني حامل.. بذلك المرض (كوفيد 19) وهنا بدأ الاستنفار في البيت، فرفعوا الجاهزية القصوى، وما كان ينقصنا إلّا صافرات الإنذار، فالجميع آخذ يبتعد عني ويخاف مني، بل ويدفعني ويطلب مني عدم الاقتراب منه، والله أمر عجيب، صار لي سبعة أيام وأنا مريض، والجميع كان يعرف بل ويوقن أني قد تَكَورَنْتُ (فعل الإصابة بالكورونا) ومع ذلك لم يحتاطوا أو يحذروا كما فعلوا الآن، فرسالة صغيرة من المستشفى على الهاتف جعلتهم ينتفضون فيقومون ولا يقعدون مذعورين، يا الله ما أشدّ فعل السلطة والقانون والدولة بالعباد! ففي هذا الموقف أيقنتُ وأنا أتبنّى هذا الرأي أنّ السلطة والحكم لهما الأثر الأكبر على الشعوب لا العكس ..

وبعد نصف ساعة اتصلتْ بنا امرأة وقالت أنّها ممرضة من الفريق الطبيّ المتنقل، وستزورني في البيت لتعطيني الدواء، وترشدني ببعض الإرشادات الخاصة بهذا المرض.. وفعلاً جاء فريق طبّي مُكوّن من ممرضتين وسائق لم يصعدوا إلى بيتي بل أنزلوني إلى أمام البناء، فأعطوني ورقة إرشادات الكورونا، ودواء واحد عبارة عن أربعين حبّة، على أن آخذ ثمان حبّات الآن (كحال الذي يريد الانتحار)، وفي الصباح ثمان حبّات، وفي المساء غداً ثلاث حبّات، ثمّ بعد ذلك ثلاث حبّات صباحاً، وثلاث حبّات مساء ..

كما قالت لي: إيّاك والصيام، فأنتَ بحاجة إلى السوائل بشكلٍ كبير، وعليك أن تعتزل في غرفة وحدك، ولا تختلط بأهل البيت، ثمّ أخذتْ أسماء أهل البيت، فكان ابني الكبير مسافراً في ولاية أخرى، ورفض ابني الأوسط الدخول في الحظر فاستأذن صاحبة بيتي والبناء لينام في البيت الأرضي الفارغ ، وهكذا بقي عدد المعزولين في البيت أربعة.. فممنوع أن يتخطّى أحدهم عتبة الباب لعشرة أيام، ومن يخالف عليه جزاء 3000 ليرة تركية يعني (375 دولار) تقريباً..

وكانت الطبيبة أو الممرضة في المركز الصحي (المستوصف) تتصل يومياً مشكورة لتسأل عن حالي وحال أهل البيت جميعاً، بينما كانت تأتي دَوريّة من الأمن تتفقدنا بين الحين والآخر (لا كدوريات الأمن المجرمة في سورية)، ليتحققوا من التزامنا بقرار الحظر، وبأننا لم نخرج منه أبداً، فكان عنصر الأمن يطلب رؤية جميع أهل البيت من الشرفة للتأكد منهم.

إنّ هذا العلاج الذي أعطوني إياه لا أعرف ما هي فائدته، فلم ألمس به أيّ تحسنٍ أو تخفيف أو تسكين للآلام على الإطلاق، فكنت أشربه وأنا مُكره وأعرف أنّه لا فائدة له، فإلى الآن لا يوجد أي علاج في العالم للكورونا، ولكن كما يُقال في المثل: "الغريق يتعلّقُ بقشّة" وكذلك الموجوع يتعلق بحبّة، والأمثل أن يتعلق بالله وحده فهو القادر على كلّ شيء.

وبقيتْ هكذا معاناتي أياماً، حتى نصحني أخ لي بأن آخذ دواء (...) مُسكّن عام للجسم، فهو رخيص ومتوفر في كلّ مكان، وما كنتُ أعرفه من قبل فلستُ من عشّاق الأدوية، وفعلاً لقد كان له أثر ملحوظ في تخفيف الألم لا في زواله، وبعد ذلك والحمد لله استطعت الرقاد قليلاً في الليل.

لقد كان لهذه العُزلة محامد ومساوئ، فمن حسناتها مع أننّي لم أغتنمها من بدايتها لعدم سكوني بسبب الألم، فالألم يجعلك تتوتر وتدور في الغرفة كالمجنون دون جلوس، ويجعل عقلك وتفكيرك مشوشاً لا تريد أن تشغله بغير الأنين والتأوه، فمن تلك الحسنات عودتي إلى القرآن الكريم بعد أن تركته لأيام مُجبراً، والتفاتي للقراءة والمطالعة في كتب شتّى أدبيّة وفقهيّة وتاريخيّة ولغويّة وقصصيّة، فكنتُ كالنحلة أتنقّلُ من زهرة إلى أخرى دون كللٍ أو ملل، وكذلك متابعة لبعض الدروس المرئيّة على الانترنت، وبعض المسلسلات التاريخية المهمّة، وكذلك في الابتعاد قليلاً عن شؤون البيت وحوائجه ومشاكل الأهل (ولستُ دقيقاً في تحقق هذا الأمر تماماً).

ومن محاسن هذا المرض قلّة أكلّي وفقدان شهيتي (من أعراض هذا المرض) أدّى ذلك إلى خسارتي خمس كيلو من وزني، وهذا أفرحني لأننّي كنتُ أودّ أن أنقص وزني منذ زمن ولا أعرف الوسيلة، وأحزنني بسبب انسحال البنطال عن خصري وعدم ثباته.

وكنت أتحرّج الجلوس في الأرض بسبب الكرش وألم في الركبتين وضيق في النفس، أمّا خلال هذه العزلة فقد تعوّدتُ وألفتُ النوم والجلوس أرضاً، ولم أعد أشعر بتلك المضايقات في البطن والركب والحمد لله.

أمّا سلبيات هذه العزلة هو الحبس، وعدم التمكن من الخروج من البيت (ولم يكن هذا يهمني فأنا لست من رواده) بل وعدم الاستطاعة على التجول في البيت إلا بشكل محدود جداً، إضافة إلى الغيظ والكبتِ الذي تحمّلته من مُشاكسة الأولاد لي ولبعضهم ولأمهم، دون قدرتي على قمعهم وكمّ أفواههم والتجبر والهيمنة عليهم وغلّ أيديهم، كما يُمارس بعض الحكّام المستبدّين سلطتهم على شعوبهم الضعيفة (مع فارق التشبيه).

ومن سلبيات العزلة جعل الأولاد في حالة توتر لمنعهم من الخروج، فقد ملّوا وأخذوا يُفرغون طاقتهم وغيظهم بي أو ببعضهم، وكثيراً ما كانوا يُحمّلونني المسؤولية بهذا السجن، وكذلك أدّى ذلك إلى كثرة نومهم، وعدم متابعتي لهم في أمورهم وخاصة صلاتهم، وتراخي أمّهم في أخذ مكاني في هذا الأمر، فتحسرتُ مِراراً وقلت: يا ضيعتهم من بعدي، ثمّ تذكرت أنّ الله هو صاحب الشأن والهادي.

ومن سلبياتها انزعاجي من تصرف بعض الأولاد، فعندما يرونني أتسللُ إلى غرفتهم يُسارعون إلى تكميم أفواههم وسدّ أنوفهم وحبسِ أنفاسهم، وهذا تصرف صحي في هذا المرض من جهة، ولكنّه من أولادي بالذات كان موقفاً استفزازياً كَيديّاً، فهم عندما يريدون أيّ أمر منّي كانوا يدخلون غرفتي الموبوءة فيَصِلون حتى فراشي، بل ليس لديهم أيّ مشكلة في تقبيلي أيضاً، دون أيّ تحسس أو تكميم للأفواه والأنوف، ولكن عندما أريدُ منهم شيئاً يبادلونني بأفعال وكلمات ونظرات أشعر خلالها أنني ابتليتُ بجميع الأمراض المُعدية الوبائيّة، فيتصرفون كأنهم يتوجسون مني انبعاث غازات كيماوية وجرثومية تجعلهم يهربون مني هروب السليم من الجذام، فأيقنتُ أنّ العفاريت يتشكلونَ أحياناً بصور مختلفة، ومنها صور بعض البشر وخاصة الأولاد، فإبليس يعجز ويندهش عمّا يفكّر به هؤلاء الأبناء حفظهم الله..

في خلال هذا المرض اتصل بي الكثير من الأهل والأصحاب والأخوة، ولكن للأسف ما كنت قادراً على التكلم معهم بسبب حدّة وشدّة السُعال الذي كان مُرافقاً لهذا الداء، فقد كان صوتي عند التكلم يشبه السيارة التي لا يدور مُحرّكها بسبب وسخة في الوقود (البنزين) فهي تعمل للحظات ثمّ تفقعُ دقائق، فكنت أستعيض عن الكلام بالكتابة لطمأنتهم عن حالي، أمّا أهلي في الشام فما أخبرتهم بمرضي، فما فيهم يكفيهم أعانهم الله، فكنت أتحيّل بضعف الهاتف والشبكة وهكذا.

أظن أنّ هذا المرض كان يشتدّ معي لاسيما الصداع والحلق والصدر عندما كنت أخوض معاركَ طاحنة مع الأولاد، ويحتدّ الجدال والشجار معهم، فكنت أشعر بأنّ النَفَس لا يكاد يخرج من صدري، وأنني سألقى حتفي في تلك الصولات والجولات، ولا أدري هل سأكون شهيداً فيها!!

ومن ملاحظات هذا المرض أنه يُعطّل ميزة الشمّ والذوق لدى المريض، فأنا من عشاق الطيب والعطور فما عدتّ أستطيع شمَّ أيّ رائحة إلا من خلال دسّها داخل أنفي عندها أشمُّ جزءاً بسيطاً من تلك الرائحة، فغدوتُ لا أميز بين المسك والبصل، بل وفقدتُ بعض حاسة التذوق بشكل خفيف، وهذا شيء فيه مَنفعة فما عدتُّ أسأل عن الملح ولا أصرخ للفلفل، والشيء المفيد الذي راق لي أننّي لم أعد أشمّ شيئاً من الروائح التي كانت تنتشر فور عودة ابني من عمله حين خلع حذائه.

بقيتُ في هذه النقاهة والعزلة سبعة أيام بعيداً عن الصيام وبركاته ونفحاته، ومع ذلك ما كنت أتناول أيّ طعام خلال النهار إلا بمقدار لقمة أو لقمتين لتسويغ حبوب الصباح، فقط كنت أحتسي المشروبات الساخنة والماء والعصير بكثرة. ومع ذلك كنت مُحافظاً على وقت الإفطار والسحور وكأنني صائم، أرجو الله ألا يحرمني أجر تلك الأيام.

وبالنسبة للتراويح فقد تركتها أياماً لعجزي عن القيام أو القعود بسبب ألم الظهر وأسفله والقدمين والصداع فكنت أكتفي بالفريضة والنافلة فقط، ثمّ عُدتّ بعد شعوري بخفّة لِما كنتُ عليه تقبّل الله منّا ومن جميع المسلمين.

وفي اليوم الأخير من الحظر والعزل حضرتْ دوريّة الأمن تتفقدني وجميع المعزولين شركائي الغارمين، وأعلمتنا بأنّه يمكننا الخروج في اليوم التالي.

ومع أنّها انتهت فترة العزل والدواء أيضاً فما زلتُ أشعر ببعض الأوجاع في الظهر، ومكان الكليتين والسعال لا كشدّتها في الأيام الأولى، وذكرَ لي بعضُ الأخوة أنّ هذه الآلام ستصاحبني مدّة شهر ثمّ تضمحل بإذن الله.

وعادتي في المرض عموماً غريبة ومزعجة، حتى أننّي أستنكرها بنفسي، فالمرض حين يصيبني لا كبقية النّاس، فيكون شديداً لديّ بشكل لا يُحتمل، ولا أفهم ما السبب، هل لضعف في بدني، أو أنّه اصطفاء لي بهذه الشدّة دون غيري، أو أننّي نقّاق كما يصفني بعض أهل بيتي؟!

ولكن الحقيقة .. إنّ مرضي صعب جداً، وهذا لمسته من خلال سؤالي لبعض المرضى عمّا أصابهم وخاصة الكورونا، فما ذكروا لي هذه الأعراض التي زارتني، لذلك تأكدتُ أن ّمرضي مخلوق لي فقط والله أعلم.

اللهم اشف جميع المرضى من المسلمين وغيرهم عدا الحكّام الظلّام والخونة وأعوانهم إنّك سميع محيب.

وسوم: العدد 930