المقاومة الفلسطينية الباسلة كذبت المتكهنين على طريقة الخليفة العباسي المعتصم بالله

مما احتفظ به تراثنا الشعري العربي الرائع  بائية الشاعر أبي تمام الشهيرة التي مدح فيها فتح الخليفة العباسي المعتصم بالله مدينة عمورية  بعدما استعصت على الفتح لشهور وهو يحاصرها  ، وخاض المنجمون كل خوض في زمن فتحها ،وضربوا لذلك مواعد كذبتها إرادة الله عز وجل وعزيمة الخليفة  القوية .

 ومما جاء فيها :

السيف أصدق أنباء من الكتب         = في حدّه الحد بين الجد واللعب

بيض الصفائح لا سود الصحائف في = متونهن جلاء الشك والريب

والعلم في شهب الأرماح لامعة       = بين الخميسين لا في السبعة الشهب

أين الرواية بل أين النجوم وما        = صاغوه من زخرف فيها ومن كذب

تخرصّا  وأحاديثا ملفقة                = ليست بنبع إذا عدّت ولا غرب

عجائبا زعموا الأيام مجحفة           = عنهنّ في صفر الأصفار أو رجب

وخوفوا الناس من دهياء مظلمة       = إذا بدا الذنب الغربي ذو الذنب

وصيّروا الأبرج العليا مرتبة          = ما كان منقلبا أو غير منقلب

يقضون بالأمر عنها وهي غافلة      = ما دار في فلك منها وفي قطب

لو بيّنت قط أمر قبل موقعه           = لم تخف ما حل بالأوثان والصلب

فتح الفتوح تعالى أن يحيط به        = نظم من الشعر أو نثر من الخطب

فتح تفتح أبواب السماء له            = وتبرز الأرض في أثوابها القشب

يا يوم وقعة عمورية انصرفت       = منك المنى  حفّلا معسولة الحلب

أبقيت جدّ بني الإسلام في صعد     = والمشركين ودار الشرك في صبب

هذا المقطع الرائع  من هذه القصيدة العصماء  يمكن القول أن العبرة فيه بعموم لفظه لا بخصوص مناسبته على غرار ما يقوله المفسرون في الذكر الحكيم : " العبرة بعموم لفظه لا بخصوص سببه "  لأن حكمه يسري على كل فتح إسلامي  في كل عصر ومصر إلى قيام الساعة ، ولأنه يساير ما  جاء في الذكر الحكيم وهو أصدق القول من وعد ناجز بنصر دين الله المبين على الشرك والمشركين، والكفر والكافرين ، وما النصر إلا من عند الله رب العالمين .

ولقد حق لأبطال أرض الإسراء والمعراج أن يرددوا هذا المقطع من قصيدة الشاعر أبي تمام رحمه الله تعالى لأن نصرهم  اليوم على عدوهم الصهيوني في غزة  حاكى نصره على الصليبيّن في عمورية الذي كذب  المنجمين إذ  ضربوا له موعدا إذا آن أوان نضج التين والعنب ، ولم يكن يومئذ التين ولا العنب قد أينع  ، وكانوا يريدون  صده عن فتح عظيم كان علمه عند الله عز وجل في غيبه الذي لا يجليه لوقته إلا هو سبحانه وتعالى .

وكما وجد في  زمن المعتصم منجمون راجمون بالغيب ، ووجد في يومنا هذا متكهعنون أيضا راجمون بالغيب، زعموا أن المقاومة الفلسطينية لن تستطيع الوقوف في وجه  العدوان الصهيوني أو صده أبدا لأنه  صاحب ترسانة حربية  لا تقهر جوا ،وبرا، وبحرا،  وقد ضرب فوق الأرض التي يحتلها بقبة دفاعية تصد كل هجوموترده ، و كان يفخر أول الأمر بأنها  قبة ذهبية تقاخرا بفعاليتها  ثم تراجع بعد ذلك فوصفها بالحديدية  حتى كذبته صواريخ المقاومة ، وأنزلتها منزلتها الحقيقية ، فكانت  في حقيقة أمرها مجرد قبة سرابية . ولقد بالغ منجمو هذا الزمان في الرجم بالغيب عند حلول جائحة الفيروس التاجي ، وزعموا أن العالم سينقلب رأسا على عقب بسبب ذلك . ومن تكهناتهم  أن أرض فلسطين ستهود بالكامل بعدما أمضى الرئيس الأمريكي السابق بجرة قلم  على ما سماه السلطة الأبدية  للكيان الصهيوني على مدينة القدس ، وعلى دعمه اللامحدود له وهو دعم  فوق  العادة وغيرمسبوق إلا أن تنجيم  هؤلاء المنجمين ببقائه لفترة رئاسية ثانية  جازمين بذلك لكنهم كبوا ، ولم يصدق هو بخسارته  ولا زال لحد الساعة لم يعترف بها محالفا عادة سابقيه حين يخسرون  ، وكان  بذلك أول رئيس يريد  العودة بأكبر بلد ديمقراطي إلى حظيرة دول العالم الثالث الذي تجهز فيها الانقلابات العسكرية على كل تجربة انتخابية ديمقراطية فتية أو على انقلابات سابقة لها  حيث جيّش بلطجيته التي اقتحمت مقر الكونغرس وهي مسلحة  لتغيير نتائج  صناديق الاقتراع الزجاجية لكن  محاولته باءت بالفشل الذريع  ، فصار بسبب ذلك  متابعا أمام البرلمان ، وقد يتابع  قضائيا أمام العدالة أيضا . وبانهيار حلمه بالفوز بفترة رئاسية تكون استكمالا لما سمي صفقة القرن ، وهي صفقة تهويد أرض فلسطين ومقدساتها، بدأ حلم الكيان الصهيوني بالانهيار أيضا ، ولكنه ظل يطاوع  خيال حلمه حتى جره  ذلك إلى النزال الأخير مع الشعب الفلسطيني في القدس والضفة والقطاع وعموم فلسطين المحتلة حيث سفهته المقاومة الفلسطينية الباسلة ،وقلبت كل موازينه فسقط تنجيم المنجمين الذي بشروا بصفقة القرن التي  زعموا بموجبها تحقيق  تهويد أرض فلسطين مع امتداد نفوذ الكيان الصهيوني سياسيا واقتصاديا وعسكريا  في الوطن العربي من خليجه إلى محيطه لتحويل شعوبه إلى  مجرد قطعان ماشية  يسوقها وفق هواه إلا أن تنجيمهم  لم يعد تنجيم عصر المعتصم حيث هبت الشعوب العربية عن بكرة أبيها مساندة أشاوس فلسطين ،كما هب كل أحرار العالم لنفس الغرض . وبتحطم القبة الحديدية تحطمت أسطورة الجيش الذي يقهر حيث صورته  منهزما ومتراجعا وسائل الإعلام العالمية ، ووسائل التواصل الاجتماعي  وهو ينهار أمام ضربات المقاومة  الموجعة التي بلغت كل شبر في أرض فلسطين منذرة بالويل والثبور وعواقب الأمور . وتحركت شعوب دول الطوق نحو حدود أرض الإسراء والمعراج مهددة بزحف شعبي ينسل من حل حدب ،  فلا يبقي ولا يذر، ولم يجد الجيش الصهيوني الذي قهرته المقاومة سوى الانتقام من الضعفاء من ولدان ، ونساء، وشيوخ وقد دك  مساكنهم فوق رؤوسهم بمئات الطائرات الحربية  القاذفة بأقوى  وأفتك ما يملك من قنابل دون أن يفلح في إسكات دوي الصواريخ المدوية فوق قبته السرابية المنهارة ،وقد أصابت بتسديد من الله عز وجل  أهدافها إصابات مدمرة أثارت فيه الهلع الكبير، وأنهت  كل خرافات التنجيم ، وصدق عليها ما جاء في قصيدة أبي تمام التي سيبقى ما بشرت به ساري المفعول  حتى يزول هذا العالم .

وحدث في كل أرجاء المعمور ما كان الكيان الصهيوني يتوقع عكسه ،وهو خروج الآلاف من أحرار العالم في العواصم الغربية ، وفي كل مكان ينددون بعدوانيته ووحشيته ،وقد سقط قناع عنصريته المقيتة ، ورجحت بذلك كفة الدولة والشعب الفلسطيني على كفة الكيان العبري الذي يزعم أنه شعب الله المختار .

وفي الأخير نقول لفلول المنجمين والمتكهمين  الذين رجموا بالغيب ليتكم تدبرتم  جيدا وبروية  بائية أبي تمام  وفيها الخبر اليقين الذي بشرت به سورة الإسراء ،كما بشر به حديث  الحجر وشجر الغرقد  ، وقد كانا ناطقين في نزال سيف القدس  الأخير عن طريق الصور الحية  المنقولة إعلاميا بما أخبر الصادق المصدوق  صلى الله عليه وسلم .     

وسوم: العدد 930