بالحكمة والموعظة الحسنة

بيّن الله سبحانه للمؤمن سبيل الدعوة إلى دينه الحنيف، السبيلَ الأقوم والأجدى، السبيلَ الذي ارتضاه لعباده، فقال تعالى: (ادعُ إلى سبيلِ ربّكَ بالحكمةِ والموعظةِ الحسنة، وجادلهم بالتي هي أحسن. إنّ ربّك هو أعلم بمن ضلّ عن سبيله، وهو أعلمُ بالمُهتدين). {سورة النحل: 125}.

والحكمة، وإن لم تكن تعني اللين دائماً، هي إلى اللين أقرب. فالآية بتمامها تُشيع روح الرفق والودّ والتسامح، وسَعَة الصدر، ورحابة الأفق، والحِلم والأناة والصبر.

ومن الحكمة التبشيرُ والتيسير، لا التنفير والتعسير. ومن الحكمة حُسْن العرض، والتواضع للناس، وفهم لغة العصر، وإدراك مستوى المخاطَب من حيث عُمُرُه وثقافته ومنزلته الاجتماعية... والسُّمُوُّ على آفات النفس كالتكبّر والعُجْب والغلظة... في أثناء دعوة الناس إلى الخير.

وإذا كانت الدعوة بالحكمة والموعظة الحسنة مطلوبةً حين نخاطب الآخرين، فهي أشدُّ وجوباً حين نخاطب الأقربين، الأقربين في النسب، أو في الدعوة. فالداعية ينبغي أن يكون أسوة لأهل بيته وأقاربه، ولإخوانه وأصحابه، صبوراً حليماً على هفواتهم وزلّاتهم في آرائهم وفي تصرّفاتهم... محبوباً فيهم، مستقيماً موثوقاً، حتى يؤثّر فيهم.

والعلاقة بين الإخوان والأصدقاء، وما يتخللها من حوار وتوافق في الآراء واختلاف، وتسديد ونصح... ينبغي أن تقوم على هذه المعاني الكريمة: (فبما رحمةٍ مِنَ اللهِ لِنْتَ لهم. ولو كنتَ فظّاً غليظ القلب لانفضّوا من حولكَ). {سورة آل عمران: 159}.

وبعض المرضى، من المحسوبين على الدعاة، يحسب الفظاظة عزّة ملازمةً للانتصار للحق والصواب، وقد يزيد على ذلك سوءاً إذ يلين أمام الآخر الذي يأبى الاحتكام إلى دين الله، ويقسو أمام أخيه الذي خالفه في بعض اجتهاده.

ورضي الله عن إمام التابعين الحسن البصري إذ قال: "من علامات المسلم: قوةٌ في دين، وحزمٌ في لين، وإيمانٌ في يقين، وحِلمٌ في علم، وكَيسٌ في رفق".

إنّ ردّة الفعل على ما تراه من خطأ في إخوانك، وانحراف في الآخرين ينبغي أن تكون مزيداً من الحِلم والصبر، والبحث عن أنجع السبل في الدعوة والتبليغ والنصح... وترك الشدّة إلا مع العدو المحارِب.

وهناك صورة للتنفير يسلكها بعض الدعاة وهم يخاطبون أناساً تركوا بعض الواجبات الشرعية كالصلاة والصيام، أو وقعوا في بعض الآثام كشرب الخمر وتكشُّف النساء، لكنهم يقومون بواجبات شرعية أخرى، ويمتنعون عن بعض المعاصي... فيقول لهم الداعية إنه لا فائدة من صيامك وأنت لا تصلي، ولا فائدة من صلاتكِ، أيتها المرأة، وأنت لا تتحجبين... فهو ينفّرهم من بعض الطاعات التي بقيت في سلوكهم. فهلّا عمل على تنمية بذرة الخير في قلوبهم فيقول لهم: ما دُمت تفعل كذا من الطاعات فأنت مؤمن تحبّ الله ورسوله، وما أحراك أن تزيد إلى طاعتك هذه طاعة أخرى، وما أحراك أن تترك العمل الذي لا يُرضي الله تعالى، وإذا كانت نفسك لا تُطاوعك على فعل كل طاعة والإقلاع عن بعض المعاصي، فاعمل على التقرّب إلى الله بفعل ما تستطيع من طاعة، وترك ما تستطيع من مخالفة، واللهُ يُعينُك.

إنّ النفس لا تكاد تتمحّض للخير والحق والرشاد، كما أنها لا تكاد تتمحّض للشر والباطل والزيغ... فليحرص المؤمن الداعية على تنمية بذرة الإيمان في قلوب مَن يدعوهم لعلّ هذا يجعله ويجعلهم إلى الله أقرب.

(واللهُ يَهدي مَن يَشَاء إلى صراطٍ مُستقيم). {سورة النور: 46}.

وسوم: العدد 935