من ثمرات قريحتي للكاتبة هيا العقيل

 

 
  bsfgfg935.jpg


هذا الكتاب مجموعة خواطر واقعية في أكثرها، كتبتها كاتبة أديبة مفكرة، لها سابقة في الكتابة والتأليف، منها رسالة نالت بها شهادة الماجستير وأخرجتها في كتاب.

والكاتبة الأديبة السيدة (هيا) من بيت علم وأدب ودين، ودعوة إلى الله بالحكمة والموعظة الحسنة، فوالدها الكاتب المستشار الداعية الشيخ عبد الله العقيل، نورٌ في رحاب الفكر والتراجم والدعوة، وله عشرات الكتب في هذا المقام، وقد استقت منه المؤلفة (هيا) كثيراً من فكره، وقلمه، وسعة علمه، وحكمته، وغزارة معلوماته، وقوة اطلاعه في مجالي الحياة، اكتسبه من خلال قراءاته المستفيضة في ألوان المعرفة، ومن خلال أسفاره التي جاب بها الكثير من الأقطار العربية والإسلامية والأوربية، وكانت رحلاته الهادفة، ينابيع ثرّة، أتحفت المكتبة العربية الإسلامية، بجواهر ثمينة، أفاد منها مثقفون كثر من رادة الفكر والثقافة الذين عبوّا ونهلوا الكثير الكثير، مما كتب وألف وأصدر في تواضع حقيقي جمّ...

وقد كتبت المؤلفة مقالها الأخير عما أفادته من أبويها، تربية، وثقافة، وديناً وأخلاقاً و.. وأضيف أنا: قوة شخصيتها، وجرأتها، وواقعيتها، وبعدها عن التهويمات، والأخيلة الفارغة، والصدق فيما تروي من حوادث، وفيما تعالج من مشكلات تغوص فيها بوعي، وحنكة، وثقافة اجتماعية، وعصرية، ولكنها من الدين العظيم، والأخلاق النابعة منه تأخذ وتبدع بشخصيتها القوية، محاكماتها الجريئة، واستخلاص ما يمكن استخلاصه بشدّة مشوبة بذوق، يغبطها عليه قارئها..

ومن هذه الموضوعات الحيوية، قضايا المرأة، وما أدراك ما المرأة، وقضاياها شاغلة الناس..

المرأة في جاهليتها، وفي إسلامها.. في عملها وفي جلوسها في البيت مربية لأطفالها، عاملة لإسعاد زوجها، راعية لبيتها، مسؤولة عن رعيتها..

ثم ما تعانيه النساء مع كثير من الأزواج (الذكور) وشتان بين الرجولة والذكورة.. فالأولى شهامة، وشجاعة، وخلق، وأمانة، وكرم، كما جاء في حديث الرسول القائد أستاذ الحياة، عليه الصلاة والسلام:

"إذا أتاكم من ترضون دينه، وخلقه، وأمانته، فزوجوه"..
فقد يأتيك خاطباً بنتك التي هي مهجتك، من عنده دين – فيما يبدو للناس – ولكنه بلا أخلاق، بلا أمانة.. فتلقى المسكينة على يديه ما تلقاه من ظالم.. ولن أزيد في الحديث عن هذا النمط من الرجال.. أستغفر الله.. بل من (الذكور) الذين ليس لهم من البشر سوى المشي على قدميه بدلاً من أربع، وسوى ما يعتزّ به مما عند الذكور من الحمير، والحمير بل أصغر حمار يفوقه فيما يعدّه عنوان (الرجولة):

أسهبت الكاتبة في الحديث عن آلام المرأة، وحقّ لها الدفاع عن المرأة عامة، والمسلمة الملتزمة الواعية المثقفة العاملة الناصبة خاصة..

وتقدم نصائحها للمرأة، وهي نصائح جديدة بالاستماع إليها، ومناقشتها، والعمل بما اقتنعت المرأة بها..

والنَّفَسُ الإنساني واضح في كثير من الموضوعات التي عالجتها الكاتبة، كالخادمات في البيوت، والمغتصبات على أيدي التافهين الساقطين من الوحوش البشرية، وخاصة زبانية الطغاة في المعتقلات، وفي المطاردات المهاجرات، وسوى هاتين الفئتين المظلومتين في هذه الأيام العصيبة..

كاتبتنا إيجابية، وتنأى بنفسها وبقرائها عن السلبية.. فالإيجابية تجعل منك إنساناً يعرف حقه، ويطالب به ويناضل من دونه.. وهي تدعو إلى ذلك: المرأة والرجل، ولعلها تدعو إلى السعادة التي هي الطريق الذي تسعى إليه لتسعد وتسعد غيرك، وتدعوك إلى الفرح، وتندد بالعنصرية التي نأخذها على سلوك أعدائنا، فيما نحن العرب، لا نتحاشاها في سلوكنا مع بعضنا بعضاً، وتأسى لأغانينا الوطنية التي لا تمتّ إلى واقعنا بصلة، وخاصة بعض المهجرين الذين رُبُّوا في مدارسهم وفي مظاهراتهم على أنشودة:

بلاد العرب أوطاني         من الشام لبغدان

فيما يرون العنصرية المقيتة ممن هُجِّروا إليهم، على أنهم إخوانهم في العروبة.. تتحدث بحزن وألم عن بعض مشاهداتها من أدعياء العروبة والإسلام.. ويا حسرة على العباد، فلم يعد وطنه وطناً له، ولا أوطان أبناء العروبة والإسلام وطناً له...

وهكذا تغدو بك الكاتبة وتروح، في التعرض للعديد من المشكلات الوطنية، والعربية، والإنسانية، وظاهرة الحزن واضحة فيما تكتب.. إنها تريد أن تدافع عن إنسانها، عن أختها المرأة، عن المهجرين في الخيام حيث لا غطاء، ولا وطاء، وحيث البرد والرياح العاصفة، والثلج والمطر، وحيث الجوع وفقدان أبسط مؤهلات الحياة، فيما الآخرون مشغولون بما لا يجوز أن ينشغلوا به عن إخوانهم في الوطن، في العروبة، في الإسلام، في الإنسانية...

إنها كاتبة تسعى وراء الإنسان، خلف الحرية والعدل، تقاتل من أجلك أيتها الأخت المعذبة.. وكل ذلك في أسلوب عربي مبين، شفّاف، يبلغ – أحياناً – درجة الشاعرية، كما في مقالها الشعري الرائع عن أخيها حفظهما المولى القدير.

وسوم: العدد 935