هل هناك في الأفق تبدل في السياسة الروسية؟!

"انزلاق دمشق نحو الأوهام يبدأ بخطوة واحدة؟"‏

هل وجهت روسيا رسالة تهديد مبطن لرأس النظام بشار الأسد وسخرت من خطاب "القسم" الأخير وانتخاباته المزورة على لسان الدبلوماسي السابق والمستشار لدى الخارجية الروسية رامي الشاعر.

فقد نشرت قناة روسيا اليوم الحكومية عبر موقعها الإلكتروني مقالا مطولاً كتبه رامي الشاعر في صحيفة " زافترا" الروسية شن خلاله هجوماً لاذعاً على بشار الأسد وخطاب القسم تحت عنوان "انزلاق دمشق نحو الأوهام يبدأ بخطوة واحدة؟"

خطاب الشاورما

وخلال المقال هاجم الشاعر خطاب رأس النظام الأخير وقال: إن "الأوضاع على الأرض السورية للأسف، ليست تماماً بالصورة مثلما تبدو في فيديو بشار الأسد، بينما يتجول بين مواطنيه، ويتناول "الشاورما"، مشيراً إلى أن "الحديث اليوم عن بعض مكونات الشعب السوري بوصفهم عملاء أو خونة، والتعامل مع بعض فئات المعارضة بوصفهم أعداء للشعب والوطن لا يخدم القضية السورية، ويؤدي إلى تفاقم الوضع الهش بالأساس".

وعلى غير المتوقع اعتبر الشاعر أن حل "الكارثة الإنسانية السورية" يبدأ بتنفيذ قرار مجلس الأمن رقم 2254، ولا سبيل لحل الأزمة سواه.

وقال إن "السلطات في دمشق تتجاهل بلغة الخطاب التي تتبناها العامل السوري في عجزها عن فرض سلطتها شمال شرق وشمال غرب سورية، والقضية لا تتعلق فقط بالتواجد والدعم العسكري الأمريكي أو التركي. فحتى بعد انسحاب الأمريكيين والأتراك من الأراضي السورية، فليس مضموناً أن تتمكن السلطة المركزية في دمشق من بسط سيطرتها على هذه المناطق دون حدوث تسوية على أساس قرار مجلس الأمن المذكور، وبمشاركة جميع السوريين المعنيين".

وعاد الشاعر ليهاجم بشار الأسد بالقول إن الأخير "لا يلتفت إلى المسار الذي تجاوزته سورية لا بفضل حلفاء النظام، روسيا وإيران والصين، ولكن أيضاً بفضل الجهود الدبلوماسية والسياسية مع تركيا، والتي تكللت جميعاً من خلال مسار أستانا بوقف لإطلاق النار ومناطق التهدئة والشروع في أعمال اللجنة الدستورية المصغرة التي تصر قيادات دمشق على تحويلها إلى منصات للتنظير في أصول المفاهيم ومعاني الكلمات".

وذكّر الشاعر بشار الأسد بعبارة "سوريا المفيدة" التي أطلقها فيما مضى وعبّر خلالها عن استعداده التخلي عن أجزاء من سورية قبيل تدخل روسيا، مضيفاً أن بشار الأسد يتحدث في خطابه الأخير عن سورية وكأنه في العام 2011، وكأن شيئاً لم يحدث على هذه الأرض التي تخضّبت بدماء مئات الآلاف من أبنائها.

السخرية من مفاهيم بشار الأسد

وسخر من مفهوم بشار الأسد للأغلبية التي حققها بانتخاباته المزورة، وقال إن الأخير لم ينتبه إلى وجود "شعب" آخر خارج البلاد، و"شعب" غيرهم داخل البلاد تحت حماية قوى أجنبية، وهم أيضاً مواطنون سوريون يخشون بطش القيادة وغير أولئك وهؤلاء، "شعب" ثالث ورابع لا يشاطر السلطة الراهنة رؤيتها السياسية في مستقبل البلاد، بل ويرغب في تغيير هذه السلطة بالطرق السياسية السلمية المشروعة، التي نص عليها قرار مجلس الأمن رقم 2254، إلا أن السلطة تصرّ على تجاهل ذلك وتطل علينا بنفس ثوب 2011 في انتظار نتائج جديدة؟

وقال: "لعل من اللحظات الأكثر إهانة للشعب أي شعب بالمناسبة وليس الشعب السوري تحديداً، أن يوصف بأنه قد "تم التغرير به"، وكأنه طفل ساذج ضحل الثقافة أو جاهل، يحتاج إلى "أب" حنون عاقل يقوم برعايته وإرشاده"، مضيفاً أنه وبين صفوف وأطياف وأعراق هذا الشعب العظيم، وبين جنبات معارضته يوجد الكتّاب والمثقفون والفنانون والسياسيون وأساتذة الجامعات، لا جريمة ولا ذنب لهم سوى أنهم يعترضون على رؤية بشار الأسد ومن معه ويرون للوطن مساراً آخر يسعون إليه ومن ورائهم ملايين آخرون من المغرر بهم… فهل يجوز توصيف الحالة السورية وطموحات شق كبير من الشعب بالتغيير والانتقال إلى نظام حكم جديد بـ "الضلال" و"الخيانة" و"العمالة".

إمكانية تخلي روسيا عن مجرم الحرب بشار الأسد

ولوّح الشاعر إلى إمكانية تخلي روسيا عن رأس النظام وتطبيق القرار الأممي 2254، وقال إن تجاهل بشار الأسد للجنة الدستورية بل ومهاجمته لها في بعض مواقع الخطاب، يتعارض لا مع إرادة غالبية الشعب السوري فحسب، وإنما كذلك مع إرادة المجتمع الدولي في دعم حق الشعب السوري في حرية تقرير مصيره واختيار نظام حكمه استناداً إلى تعديل دستوري وفقاً للقرار الأممي الذي تؤيده روسيا وتسعى إليه تطبيقه.

رسائل تفضح مجرم الحرب بشار الأسد

وكشف الدبلوماسي السابق والمستشار لدى الخارجية الروسية رامي الشاعر عن فحوى ومضمون 40 رسالة جرت بين نظام بشار الأسد ومسؤولين روس منذ عام 2013 وحتى 2015، تضمنت اعترافات بشار الأسد بحصار المدن وقطع الرواتب عن موظفي المناطق الخارجة عن سيطرته، وفضائح عن استجدائه المتكرر للروس بالتدخل العسكري لحمايته من السقوط.

وجاء ذلك، عبر لقاء أجرته معه صحيفة الشرق الأوسط، ونشرته، مع حلول الذكرى العاشرة للثورة السورية.

وقال الشاعر إنه بعد الوضع المحتدم الذي تعرض له نظام الأسد في عام 2013، كلف بشار الأسد مسؤولا من مكتب الرئاسة بمهمة وحيدة وهي التواصل مع روسيا، لافتا إلى أن المسؤول المكلف (لم يذكر اسمه)، زار موسكو أكثر من 20 مرة وحمل أكثر من 40 رسالة متبادلة بين بشار الأسد ومسؤولين روس، خلال تلك المدة.

وأوضحت الصحيفة أنها اطّلعت على مضمون الجزء الأكبر من هذه الرسائل والتي تمحور بعضها حول تطورات الوضع الميداني، وخطط نظام أسد لاسترداد المناطق، وجزء منها حمل "نداءات استغاثة مباشرة".

وبحسب الصحيفة، ركزت بعض الرسائل من الجانب الروسي على «نصائح» مرتبطة بطلبات لإبداء مرونة في تسهيل عمليات الحوار مع المعارضة في لقاءات جنيف وموسكو وسوتشي لاحقا، بهدف دعم الجهد الروسي في المسار السياسي.

مضمون أهم رسالة تفضح سلوك مجرم الحرب بشار الأسد

ونشرت الصحيفة مضمون إحدى الرسائل من نظام الأسد إلى روسيا بتاريخ 6 تموز 2013، جاء فيها: "نضعكم في صورة الوضع الميداني، نحن نواصل سياسة الحصار والقضم والعزل. من خلال عزل شرق سورية عن غربها بالكامل، وتم قطع الإمدادات والرواتب عن المناطق الشرقية لتحريك الحاضنة الشعبية ضد جبهة النصرة، ما يساعد على تأمين الأوتوسترادات الدولية، في المحور الحيوي من حلب إلى درعا، ويقلص مساحة تحرك المسلحين ويضعف استخدامهم للصحراء.

وفيها أيضا: نعمل على عزل مدينة حلب عن ريفها تمهيدا لتحريرها مثل القصير (في ريف حمص في 2013) لذلك نعتمد على العمليات الخاصة لتسهيل اجتياح المدينة تحضيرا للعملية الواسعة الشاملة التي يسبقها قطع كل الإمدادات. في حمص تتواصل عملية قضم ما تبقى من المدينة خاصة بعد تجفيف إمدادها من القصير. وهي مسألة أيام.

وتقول الرسالة: أما دمشق وهي أم المعارك فتقوم بعمليات واسعة ونوعية جدا في الغوطة الشرقية ونحضر ما يلزم من جمع المعلومات عن الوضع في الغوطة الغربية، والتي سيبدأ تحريرها من جوبر بعد النجاح النسبي في قطع الإمدادات بين الغوطتين. والنصر حليفنا (...) لكن يبقى الشغل الشاغل الانهيار الاقتصادي وقيمة الليرة التي إن لم تعالج سريعا فمن الممكن أن تسقط كل الإنجازات العسكرية.

وقال الشاعر كما نقلت الصحيفة أن أهمية الرسالة في ذلك التوقيت كانت أن النظام يعي جيدا أن "الوضع الاقتصادي يتدهور بسرعة ورغم ذلك لم يستجب لكل الجهود التي بذلها الأصدقاء للعب دور أساسي في السير بعملية الانتقال السياسي"، في غمز إلى أن الروس يسعون لحل سياسي في سورية.

الرسالة الفاضحة كشفت أن النظام غير قادر على حسم المعارك

وأضاف أنه مع حلول نهاية العام 2013، كان اتضح أن النظام لا يزال غير قادر على حسم المعارك، ووجه في 23 (تشرين الثاني) رسالة الاستغاثة الأبرز التي جاء فيها أن "المسلحين باتوا على بعد 3 كيلومترات من مطار دمشق، ولا بد من تدخل عسكري روسي سريع".

ووفقا للشاعر فقد كانت موسكو تعي خطورة المشكلات التي يواجهها النظام، ليس فقط بسبب تشديد عمليات المعارضة المسلحة، لكن بسبب أدائه وأخطائه، فضلا عن تركيبة المؤسسة العسكرية والأجهزة الأمنية الطائفية، وهو أمر خطير بسبب المخاوف الجدية من عمليات تطهير وانتقام واسعين.

وفي عام 2014 تتالت رسائل متبادلة بين بشار الأسد ومسؤولين روس كان أبرزها حول العملية السياسية وفقا للشاعر.

وزعم أيضا أن موسكو كانت تخشى من خطر استيلاء المجموعات المسلحة على الجزء الأعظم من أسلحة الجيش السوري – وفق تعبيره-وهذا كان سيشكل خطرا استراتيجيا ليس في سورية وحدها بل وعلى الأردن ولبنان.

قناعة الروس بأن ما يفصل دمشق عن السقوط هو أيام

أما التطور الثاني، فقد ترسخت القناعة الروسية في خريف 2015 أن ما يفصل دمشق عن السقوط (وبالتالي نظام أسد) هو أيام أو أسابيع على أبعد تقدير.

ومن الملاحظ أن روسيا زادت مؤخرا إحراجها وإهانتها لنظام أسد، فقبل أيام نشر الشاعر نفسه، عبر صحيفة روسية، فحوى إحدى رسائل الاستغاثة التي وجهها بشار الأسد للروس عام 2013، واليوم يكمل نشر مضمون رسائل أخرى.

وزير الخارجية الروسية: لولا تدخلنا لسقط نظام بشار الأسد

وكانت روسيا بدأت منذ 2017 بنشر فضائح بشار الأسد وإهانته، ومنها تصريح وزير خارجيتها سيرغي لافروف في ذلك الوقت "أنه لولا تدخلنا في سورية عسكريا لسقط نظام أسد".

ويتزامن الكشف عن فحوى هذه الرسائل، مع فتح روسيا لمسار ثالث حول سورية بعد أستانا وسوتشي، واختلافه الواضح عنهما هو عدم وجود إيران فيه، لتكون قطر بدلا منها.

ورغم أن المعلومات لاتزال شحيحة حول ما تريده روسيا من هذا المسار، غير أن مراقبين ومقربين من دوائر القرار الروسي، يعتقدون أنه يأتي في إطار التضييق على إيران في سورية ومحاولة إبعادها بالاتفاق مع إسرائيل.

هل يطبّع النظام المجرم مع الكيان الصهيوني؟

لكن لماذا تم الكشف عنها هذه الرسائل الآن؟ وقد حملت المقالة عنواناً لافتاً هو: «هل تلجأ دمشق للتطبيع مع إسرائيل؟».

ويعكس هذا العنوان بعض جوانب ازدياد الاستياء في موسكو من أداء بشار الأسد، التي لم تعد تقتصر كما ورد في المقالة على محاولات عرقلة الخطوات الروسية الهادفة إلى دفع عمل «اللجنة الدستورية» في إطار تطبيق القرار 2254، بل تعدى ذلك إلى الرهان الكامل على عدم وجود بدائل لدى المجتمع الدولي، أو مواصلة التفكير بأن الحل العسكري وحده قادر على تثبيت معادلة جديدة، أو وهو الأهم هنا الرهان على «أدوار أخرى أو صفقات مثل الميل نحو التطبيع مع إسرائيل».

في هذا الأمر، قالت مصادر روسية موثوقة إن «محاولات التلاعب بملف التطبيع من وراء ظهر روسيا خطيرة جداً، لأنها تعكس استعداداً للتنازل عن كل شيء، بما في ذلك في إطار التراجع عن المواقف الثابتة التي دافعت عنها موسكو عبر أهمية تنفيذ القرارات الدولية ذات الصلة بملف الجولان وغيره من الملفات لدفع أي حوارات».

ويظهر هذا الموضوع أحد أسباب تعمد الكشف عن رسالة الاستغاثة في هذا التوقيت، إذ إن موسكو عمدت عملياً إلى تذكير النظام مجدداً بالوضع الذي كانت عليه الأمور قبل أن تتدخل لإنقاذه.

لماذا تريثت موسكو في فضح النظام المجرم؟

السؤال الآخر المهم: هو لماذا تريثت موسكو عامين؟ وكيف تعاملت مع استغاثة الأسد في حينها؟

جاء في المقالة أن «الكثير يتساءلون عن دور الضامن الروسي في هذه الأوقات الحرجة التي يعيشها الشعب السوري، وعن دور موسكو عندما كانت سورية على حافة الهاوية، وقبل أيام من وقوع البلاد بأسرها في أيدي الثوار.

وقال الشاعر إن تريث موسكو لا يعني أنها لم تسارع منذ الحين إلى تقديم مساعدات لوجيستية وعسكرية قيمة إلى النظام، بما في ذلك عن طريق الإمدادات من الأسلحة والذخائر وغيرها من مستلزمات تعزيز وضع المؤسسة العسكرية، فضلاً عن إرسال الخبراء العسكريين، وإطلاق نشاط واسع لتزويد دمشق بالمعلومات الاستخباراتية، بما في ذلك عن طريق صور الأقمار الصناعية التي رصدت مواقع المسلحين.

والعنصر الثاني المهم في مسألة «التريث» سببه أن النظام عندما وجه رسائل الاستغاثة كان هناك في سورية وجود عسكري فعلي لكل من إيران وتركيا والولايات المتحدة، و«لم يكن من الممكن أن تقوم موسكو بمغامرة عبر تدخل لا تحسب عواقبه، لذلك اقتضى الأمر عملاً واسعاً لإدارة التنسيق مع القوى الموجودة على الأرض، ما يعني فتح قنوات اتصال مع الطرفين التركي والإيراني، وفتح آلية تنسيق مع الأميركيين لتجنب الاحتكاكات على الأرض، وبعد ذلك، كان لا بد من الحصول على طلب رسمي من دمشق حتى يكون التدخل العسكري المباشر منسجماً مع القوانين الدولية». وزاد أنه «عندما وصلت الأمور إلى وضع خطير جداً وباتت دمشق مهددة فعلاً ومحاصرة، ودلت كل المعطيات على خطر انتقال المعارك إلى داخل المدينة، ما يعني مواجهة دموية مع الفرقة الرابعة كان يمكن أن تسفر عن اتساع عدد الضحايا بين المدنيين بشكل كارثي، عند ذلك تدخلت موسكو عسكرياً لإنقاذ دمشق وباقي المدن السورية» على حد زعمه.

موسكو تجرب أحدث أسلحتها في سورية نصرة للنظام الفاشي المجرم

على صعيد آخر، بثت القناة التلفزيونية الروسية الأولى تقريراً مصوراً حول استخدام الطائرة المسيرة الروسية من طراز «أوريون» في قصف أهداف للتنظيمات المسلحة في سورية.

وبحسب التقرير، تم قصف 17 هدفاً في أماكن لم يتم تحديدها، كما لم يوضح الشريط تاريخ القيام بالعملية. لكن بعض اللقطات أظهرت لحظات انطلاق قنابل موجهة من الطائرة وتدمير كثير من مواقع المسلحين. كما اشتملت التجارب وفقاً للتقرير على توجيه ضربات نهارية وأخرى ليلية لتحديد مدى قدرات الطائرة المسيرة.

وتعد هذه المرة الأولى التي تكشف فيها موسكو عن القيام بتجارب ميدانية عملية للطائرة الروسية الحديثة التي تم تطويرها في مصانع «سوخوي»، ودخلت الخدمة القتالية عملياً في سبتمبر (أيلول) عام 2019. وقال أحد القائمين على المشروع إنه «تمت تجربة الطائرة الهجومية في سوريا أخيراً، وأظهرت قدرات عالية على إصابة أهدافها بدقة».

وقد بدأ العمل على تصنيع المسيرة «أوريون» منذ عام 2011، لكن السنوات الثلاث الأخيرة شهدت نشاطاً مكثفاً، بحسب المصادر العسكرية لإنجاز هذا المشروع.

وقالت المصادر إن «أوريون» تنتمي إلى فئة المركبات ذات الارتفاعات المتوسطة (14 كيلومتراً)، ويمكن أن تحلق لمدة طويلة قد تصل إلى يوم كامل، ويبلغ وزنها 1100 كيلوغرامات، وحمولتها تصل إلى 250 كيلوغراماً. ويمكن تزويد «أوريون» بالصواريخ الموجهة صغيرة الحجم والقنابل الموجهة ضد الأهداف الأرضية.

كيف يكون حل الكارثة الإنسانية في سورية؟

إن حل الكارثة الإنسانية السورية، ولا أبالغ بوصفها كارثة، كما يقول الشاعر، يبدأ بتنفيذ قرار مجلس الأمن رقم 2254، ولا سبيل لحل الأزمة سواه. فالسلطات في دمشق تتجاهل بلغة الخطاب التي تتبناها العامل السوري في عجزها عن فرض سلطتها شمال شرق وشمال غرب سوريا، والقضية لا تتعلق فقط بالتواجد والدعم العسكري الأمريكي أو التركي.

فحتى بعد انسحاب الأمريكيين والأتراك من الأراضي السورية، فليس مضموناً أن تتمكن السلطة المركزية في دمشق من بسط سيطرتها على هذه المناطق دون حدوث تسوية على أساس قرار مجلس الأمن المذكور، وبمشاركة جميع السوريين المعنيين.

وينطبق الأمر نفسه على الجنوب السوري، الذي يعاني من وضع خطير للغاية، وقابل للانفجار في أي لحظة، فالحلول الأمنية وحدها لا تحقق الهدف، وإنما أمان واستقرار المواطن، وقناعته وانتمائه لأرضه هي ما يحقق السلام.

مجرم الحرب بشار: الشعب السوري تم التغرير به

ولعل من اللحظات الأكثر إهانة للشعب، أي شعب بالمناسبة، وليس الشعب السوري تحديداً، أن يوصف من قبل حاكمه بأنه قد "تم التغرير به"، وكأنه طفل ساذج ضحل الثقافة أو جاهل، يحتاج إلى "أب" حنون عاقل يقوم برعايته وإرشاده.

وبين صفوف وأطياف وأعراق هذا الشعب العظيم، وبين جنبات معارضته يوجد الكتّاب والمثقفون والفنانون والسياسيون وأساتذة الجامعات، لا جريمة ولا ذنب لهم سوى أنهم يعترضون على رؤية الرئيس ومن معه لمستقبل الوطن، ويرون للوطن مساراً آخر يسعون إليه ومن ورائهم ملايين آخرين من "المغرر بهم".

فهل يجوز توصيف الحالة السورية، وطموحات غالبية الشعب بالتغيير والانتقال إلى نظام حكم جديد بـ "الضلال" و"الخيانة" و"العمالة".

تجاهل مجرم الحرب بشار للجنة الدستورية

إن تجاهل مجرم الحرب بشار الأسد، للجنة الدستورية، بل ومهاجمته لها في بعض مواقع الخطاب، يتعارض لا مع إرادة غالبية الشعب السوري فحسب، وإنما كذلك مع إرادة المجتمع الدولي في دعم حق الشعب السوري في حرية تقرير مصيره واختيار نظام حكمه استناداً إلى تعديل دستوري، كما جاء في القرار المذكور لمجلس الأمن.

لقد تجاهلت روسيا قرارات الأمم المتحدة إرضاء لحليفها مجرم الحرب بشار الأسد، وكان الأولى لروسيا وهي دولة عظمى ومؤثرة في العالم أن تقف إلى جانب الشعب السوري الذي ثار من أجل حريته وكرامته، والانعتاق من قبضة نمرود الشام، لا أن تؤيد وتدعم قاتله، وقد ربطت روسيا علاقات تاريخية مع الشعب السوري لسنوات عديدة، وكان عليها أن تنطلق في مواقفها دائماً مع مبادئ القانون الدولي، والعلاقات المتوازنة بين الدول، وتعزيز دور هيئة الأمم المتحدة ومجلس الأمن الدولي في حل النزاعات حول العالم، ومنها القضية السورية، فهل ستفتش روسيا عن مخرج لها من المستنقع الذي وضعت نفسها لخوضه، وتنفك عن علاقاتها مع مجرم استباح دماء شعبه ودمر مدنه وقراه وبلداته، وأجبر نصف الشعب السوري على النزوح والهجرة، بعد أن قتل ما يزيد على مليون مواطن، وغيب في السجون والمعتقلات أكثر من نصف مليون مواطن، يحفظ ماء وجهها أمام الرأي العام العالمي والإنساني؟!

المصدر

*زافترا الروسية-21/7/2021

*الشرق الأوسط-23/2/2021 ‏

*أورينت نت-15/3/2021

وسوم: العدد 941