هدم العراقيب للمرة 191 على التوالي تأكيد للسياسة العنصرية الاسرائيلية

المحامي علي أبوهلال

في إطار سياسية التهجير والتطهير العرقي التي تنتهجها حكومة الاحتلال الإسرائيلي، ضد الشعب الفلسطيني تواصل سلطات الاحتلال هدم القرى والمنازل الفلسطينية في عموم الأراضي الفلسطينية، حيث أقدمت يوم الخميس الماضي 5/8/2023، على هدم قرية العراقيب، مسلوبة الاعتراف والمهددة بالاقتلاع والتهجير في النقب، للمرة 191 على التوالي.

"العراقيب" قرية فلسطينية تقع إلى الشمال من مدينة بئر السبع في صحراء النقب، وتعد واحدة من بين 51 قرية عربية في النقب لا تعترف الحكومة الإسرائيلية بها. وتعمل سلطات الاحتلال منذ عام 1951 على طرد سكانها، بهدف السيطرة على أراضيهم، عبر عمليات هدم واسعة للبيوت، وتعرضت القرية للهدم بالكامل أول مرة بتاريخ 27 تموز/ يوليو 2010؛ حيث شرد المئات من سكانها، بدعوى البناء دون ترخيص، ومنذ ذلك الحين تعود لهدمها في كل مرة يقوم السكان بإعادة بنائها.

 منازل “العراقيب” مبنية من الخشب والبلاستيك والصفيح، وتقطنها 22 عائلة، ولا تعترف الحكومة الإسرائيلية بقرية العراقيب، ولكن سكانها يصرّون على البقاء على أرضهم رغم الهدم المتكرر لها، وأقيمت العراقيب للمرة الأولى في فترة الحكم العثماني على أراضٍ يملكها سكانها.

بعد يومين من انتخابات الكنيست الإسرائيلي الرابع والعشرين، قامت قوات الاحتلال في الخامس والعشرين من شهر آذار/ مارس الماضي بهدم قرية العراقيب للمرة 185 منذ عام 2000 في إطار مخطط برافر لتهويد منطقة النقب، الذي يعتبر من أخطر المخططات الاستيطانية التهويدية منذ عام 1948 حيث تسعى دولة الاحتلال من خلاله إلى تهويد منطقة النقب جنوب فلسطين المحتلة بالكامل والسيطرة الصهيونية المباشرة على 800 ألف دونم من أراضي منطقة النقب، وطرد أهلها العرب لترسيخ قانون يهودية دولة الاحتلال.

تندرج السياسات الإسرائيلية في الهدم المتكرر لقرية العراقيب في إطار مخططات الترانسفير الصهيونية الرامية إلى طرد العرب الفلسطينيين من وطنهم، بغرض تهويده في نهاية المطاف، تقع قرية العراقيب في شمال مدينة بئر السبع في صحراء النقب جنوب فلسطين المحتلة، وتعد واحدة من 45 قرية عربية في النقب لا تعترف دولة الاحتلال بها، حيث تستحوذ منطقة النقب في جنوب فلسطين المحتلة على أكثر من (50) في المئة من مساحة فلسطين التاريخية، البالغة 27009 كيلومترات مربعة، وبفعل الزيادة السكانية العالية بين العرب الفلسطينيين في تلك المنطقة، ارتفع عددهم من 15 ألفا في 1948 إلى حوالي (260)ألفا في بداية العام الحالي 2021.

ومن الأهمية الإشارة إلى أن مساحة المنطقة المأهولة بالسكان البدو العرب في منطقة النقب، أصحاب الأرض الأصليين، لا تتعدى (240) ألف دونم من أصل مساحة صحراء النقب، البالغة نحو (13،5) مليون دونم، وكانت المحاكم الصهيونية أقرت في عام 1948 أنه لا ملكية للبدو في أرضهم وأرض أجدادهم.

تمكنت السلطات الصهيونية، عبر سياسات ديموغرافية واستيطانية محكمة، من عدم الاعتراف بكل التوسعات العمرانية العربية في منطقة النقب، وقامت السلطات الصهيونية بتجميع بدو النقب في مناطق محددة، لأسباب أقلها محاولة كسر التمركز الديمغرافي الشديد للبدو في مناطق لها هوية عربية خالصة، ومن تلك المناطق التي تم إسكان قسم من البدو فيها بلدة مرعيت، وكانت هذه الخطوة بمنزلة اقتلاع وترحيل قسري لعرب النقب في الوقت نفسه. وثمة مخططات صهيونية عديدة لإعادة تجميع عرب النقب في ثلاث مناطق في جنوب فلسطين المحتلة، هي: ديمونا وعراد وبئر السبع.

وفي الاتجاه نفسه، قد تتم عمليات التجميع في سبع قرى، عوضا عن 70 قرية بدوية منتشرة في صحراء النقب غير معترف بها أصلا من قبل السلطات والإدارات الصهيونية المختلفة، وهو ما سيجعل حياة البدو أكثر هامشية في مجالات الصحة والتعليم والخدمات الاجتماعية الأخرى.

واللافت أن مخطط برافر يكمن في مصادرة 800 ألف دونم، وتجميع عرب النقب، وعددهم نحو (260) ألف عربي فلسطيني خلال العام الحالي 2021، في مساحة هي أقل من 100 ألف وفي هذا السياق، تندرج عملية تدمير قرية العراقيب وإزالتها للمرة 185منذ عام 2000.

تستخدم دولة الاحتلال ومراكز البحث الإسرائيلية مسميات عديدة، وفي مقدمتها عمليات التطوير، من أجل تكثيف الاستيطان وتسمينه في منطقة النقب والجليل أيضاً، ولهذا برزت قضية اللجوء داخل الخط الأخضر، وخصوصاً في منطقتي النقب والجليل، إثر نكبة الفلسطينيين الكبرى في 1948، حيث بقي في المناطق التي أنشئت عليها دولة الاحتلال الإسرائيلي (151) ألف فلسطيني، فبعد أن سيطر الجيش الإسرائيلي على أملاك اللاجئين وأرضهم، من خلال استصدار ما يسمى قانون الغائبين في 20-3-1950 حيث أصبح الحاضرون في وطنهم، وغير القاطنين في قراهم ومدنهم، غائبين، وصودرت أملاكهم وأراضيهم.

وبلغ عدد هؤلاء في 1950 نحو 45 ألف لاجئ فلسطيني، حسب تقرير وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين «أونروا» في العام المذكور، وقد شرد هؤلاء بفعل ارتكاب المجازر الصهيونية من 44 قرية فلسطينية في عام 1948 وتركز معظمهم في منطقة الجليل في شمال فلسطين؛ ويعانون ظلماً مزدوجاً، فمن جهة هم جزء من الأقلية العربية داخل الخط الأخضر التي تواجه تمييزاً عنصرياً صهيونياً، كنموذج خاص في التاريخ الإنساني المعاصر، ومن جهة أخرى، هم مهجرون يعانون جراء عدم القدرة في العودة إلى قرية أو مدينة الأصل التي طردوا منها.

هدم قرية العراقيب للمرة 191 على التوالي الأسبوع الماضي، يدل على استمرار وثبات سياسة دولة الاحتلال العنصرية الرامية إلى تهجير الفلسطينيين من أراضيهم وهدم منازلهم، وقد عبر أهالي قرية العراقيب عن خشيتهم من استمرار هذه السياسة العنصرية، وعدم ثقتهم بالوعود التي قطعتها الحكومة الإسرائيلية برئاسة بينت، للقائمة العربية الموحدة بالاعتراف بالقرى العربية في النقب، ووقف عمليات الهدم لهذه القرى والمنازل.

وهذا يتطلب عدم الرهان على تغيير موقف الحكومة الإسرائيلية الأخيرة لسياستها القديمة الجديد المتواصلة منذ عشرات السنين، وجوهرها عدم الاعتراف بالقرى العربية في النقب، والاستمرار في سياسة عمليات هدم المنازل والقرى العربية في النقب، وفي غيرها من البلدات والقرى الفلسطينية، تلك السياسة العنصرية المخالفة للقانون الدولي، الأمر الذي يقتضي وقف المراهنة على تغيير هذه السياسية العنصرية، واستمرار نضال الجماهير الفلسطينية بالتصدي لهذه المخططات العنصرية التي تستهدف ترحيل وتهجير الفلسطينيين من أراضيهم ومنازلهم. 

وسوم: العدد 941