إسرائيل الدولة والقرآن الكريم

في ثمانينات القرن الماضي تفاجأ المواطنون في الضفة الغربية بنسخة من القرآن الكريم تخلو من الآيات التي توبخ اليهود وتتوعدهم بعذاب السعير ، وبالبحث عن مصدر النسخة تبين أنها جهة إسرائيلية . وقبل يومين فاجأتنا صفحة " إسرائيل تتكلم العربية " بالحديث " عن معلومة من القرآن الكريم : 44 مرة وردت كلمة " إسرائيل " ، لكن لم تذكر كلمة " فلسطين "  ولا مرة . " . والمقصود من بث هذه المعلومة الإحصائية تضليل الموجهة إليهم من العرب والمسلمين بأن " إسرائيل " الدولة موجودة منذ زمن قديم  ، وأن القرآن الكريم يشهد على قدمها . وتصدى عرب كثيرون في الإعلام الموازي لهذا التضليل السمج الضحل ، وسيتصدى له تباعا كتاب وباحثون عرب ومسلمون . وأوضح المتصدون العرب في الإعلام الموازي أن " إسرائيل " المذكور في القرآن الكريم هو يعقوب _ عليه السلام _ وليس إسرائيل الدولة التي استولدها الغرب الاستعماري لأسباب سياسية معروفة ، فولدت قيصريا بقتل الفلسطينيين وطردهم من أرضهم ، وما فتئت تقتلهم وتطردهم وتتابع سرقة الجزء الصغير الذي بقي في يدهم من وطنهم ، وتخطط جادة مثابرة على انتزاعهم من الجغرافيا والتاريخ لتخلية هذه الجغرافيا وهذا التاريخ لوجودها في المكان والزمان . ونعود إلى ما بدأنا به . فإذا كان القرآن الكريم يقف في صف إسرائيل الحالية في تقرير قدم وجودها ، مثلما أراد صاحب المعلومة المضللة الادعاء ، وينفي بالتبعية وجود فلسطين والفلسطينيين ، فلماذا حذفت إسرائيل الآيات الموبخة لليهود الذين تقول ، إسرائيل ، إنها دولة أحفادهم  ووطنهم أينما كانوا حسب قانون العودة الخاص بها ؟! وليس صحيحا وفق زعم صاحب المعلومة المعبر عن إسرائيل أن فلسطين لم ترد في القرآن الكريم ، فقد وردت ضمنا من خلال ذكر المسجد الأقصى ، وهو ما يعرف في البلاغة بذكر الجزء وإرادة الكل ، ومثله أن نقول : " أعلنت القاهرة " ، ونقصد مصر الدولة  والوطن والشعب  . ويرى مفسرو القرآن الكريم ، ورأيهم حق ، أن اختيار الله _ جلت حكمته _ أرض فلسطين مقصدا للإسراء بنبيه ، وموضعا للعروج به إلى السماء ؛ استهدف جعل هذه الأرض إسلامية ، وهذا الاستهداف هو أساس الإجماع الكامل لدى المسلمين بأن فلسطين وقف إسلامي ، ولا يغادر دائرة هذا الإجماع من العرب والمسلمين سوى جاهل بحقيقة دينه من المطبعين الذين استجاب بعضهم في سهولة إلى غواية " الصلاة الإبراهيمية " التي صيغت كيفيتها في غرف صهاينة المحافظين الجدد في أميركا . المسلم له صلاة خاصة به صاغ كيفيتها رسولنا العظيم _ صلى الله عليه وسلم _ في قوله الكريم : " صلوا كما رأيتموني أصلي ! " . وهذه الصلاة الإبراهيمية ، والسخرية من مكانة المسجد الأقصى في إعلام بعض المطبعين ، ومعلومة " صفحة إسرائيل تتكلم العربية " المضللة الزائفة تستهدف تحطيم الإسلام الذي أوجده القرآن الكريم بصفته صانع الأمة العربية والأمة الإسلامية ، فإذا حطم اختفت الأمتان بهويتهما الحالية . سيتقلص عدد العرب ، وسيرجعون قبائل متفرقة متعادية ، ولن تبقى أمة إسلامية توحد كل هذه الأعراق التي تؤلف قرابة ملياري إنسان ، والتي أنتجت للعالم حضارة مزدهرة مبهرة متنوعة العلوم والفنون والآداب والخبرات والصناعات والحرف ووسائل العيش في العمارة والمأكل والملبس ، وشارك فيها العربي والفارسي والتركي والهندي وسواهم من المسلمين . ورغم العداء الذي أظهره اليهود في جزيرة العرب للرسول ولدعوته وللقرآن الكريم للأسباب المعروفة فالمعلوم المستقر حتى بين اليهود الحاليين أن إسرائيل الدولة لا تتألف سكانيا من سلالة يهود المنطقة العربية القدماء وحدهم ، وأن أكثر سكانها من متهودين من الأتراك الخزر وسواهم من المتهودين الأوروبيين . وأبعد من هذا يذهب بعض المؤرخين العرب مثل اليغقوبي إلى أن يهود الجزيرة العربية عرب تهودوا ، ويمثل لرأيه الذي ينقله عنه المؤرخ اللبناني محمد سهيل طقوش في كتابه " تاريخ العرب قبل الإسلام " ببني النضير الذين يرد أصلهم إلى فخذ من قبيلة جذام العربية ، وأن " النضير " جبل نزلوا عنده ، فنسبوا إليه . ونعتقد أن أحفاد اليهود العرب ما كانوا ليعادوا العرب والمسلمين لولا ارتباطهم بدولة المشروع الصهيوني الغربي التي دفعت أكثرهم للهجرة إليها على كره منهم مخوفة لهم من انتقام أبناء الدول العربية منهم بعد حرب 1948 وعدوانها مع بريطانيا وفرنسا على مصر في 1956 . ومن هؤلاء الأحفاد لليهود العرب القدامى طائفة ناطوري كارتا ( حراس المدينة ) التي تتركز في نابلس . هذه الطائفة ترى الفلسطينيين إخوانا لها  ، ويعمل أبناؤها في السلطة الفلسطينية ، واستاءت من ياسر عرفات عندما اعترف بإسرائيل في اتفاق أوسلو . إسرائيل  الدولة تعادي العرب والمسلين والقرآن انسجاما مع حقيقتها الأساسية ، وهي كونها مشروعا غربيا استعماريا يؤدي فيه اليهود الغربيون دورا قياديا باعتبار دولتهم امتدادا للنظرة الغربية التي تعد الإسلام منافسا حضاريا خطرا يعوق توسعها وسيطرتها ، وهي نظرة لا تتغير أبدا . تهدأ حينا مداراة وخداعا ، وتشتد وتعنف أحيانا متى سنحت لها سانحة الاشتداد والعنف والعدوان . وجسد هذه العقلية مرة رئيس وزراء بريطانيا بنيامين دزرائيلي حين رفع  في مجلس الوزراء نسخة من القرآن الكريم ، وقال : " لن ننتصر عليهم إلا قضينا على هذا . " ، فصاح وزير : " فلنحرقه ! " ، فسخر منه بنيامين : " ما هذا ما قصدته يا غبي ! " . الوزير حسب المشكلة في النسخة ذاتها ‘ فإذا أحرقت زالت المشكلة . وإسرائيل حين تعادي القرآن ، وتسعى للإفادة منه ، وحاشاه أن يفيدها ، في تعزيز باطلها ، ونفي حقنا ، تسير على ذات نهج دزرائيلي وسواه من الاستعماريين الغربيين اللاحقين له ، والحاليين الذين يجابهون العرب والمسلمين في خندق واحد مع إسرائيل ، وقدروا على جذب عرب ومسلمين للمجابهة معهم في هذا الخندق العدواني . وإسرائيل إذ تتمترس  في هذا الخندق الشيطاني تمارس غباء تاريخيا وانتحارا وجوديا . فالإسلام دين الله الذي ارتضاه للبشرية كافة إلى يوم القيامة دون إكراه ، وهو نوره _ سبحانه _  " والله متم نوره ولو كره الكافرون " ،  ومغالب الغلاب مغلوب حتما ، فما يبدىء الباطل وما يعيد ؟!  

وسوم: العدد 942