في مجتمعاتنا الإسلامية خلل!

في مجتمعاتنا الإسلامية خلل والمجتمع الإسلامي هو المجتمع الفاضل الذي يحلم بعالمه الحكماء والمصلحون . وهذا الخلل الذي نجده في حياة أبناء مجتمعاتنا ناتج عن بعدهم لقيم دينهم الحنيف ،  فقد ابتعد  أكثر الناس عن أخلاق الإسلام وآدابه ومآثره . وعاشوا في حيرة من أمرهم وهم يعانون من الويلات التي جنوها بما كسبت أيديهم ، أقلبُ صفحات الأخلاق والمعاملات في تراثنا الإسلامي المجبد فأجد مايثلج الصدور ، من قيم المودة والتراحم ، فالصلاة التي نؤديها في اليوم والليلة تنهى عن الفحشاء والمنكر ، وتعمل على تزكية النفوس ، وبالتالي السمو بالأخلاق والمعاملات ، لاأتحدث عن التوجيهات الربانية والنبوية للفرد منا ذكرا كان أم أنثى ، فتلك تعاليم جديرة بحفظها في الصدور ، والأخذ بها آناء الليل وأطراف النهار ، وإنما أنقل مافي تراثنا الغالي النفيس مافيه صلاح للمجتمع الذي تعيش قيه . شريعة الباري سبحانه وتعالى ماتركت من خير إلا ودلَّت الأمة علية ، وما من شر إلا وحذرت العباد منه ، فأفاضت وأسهبت في هذا المجال بما لايمكن لأي مذهب في الدنيا أن يأتي بمثله أبدا . فإذا مرض أحد زاره إخوانه وأحبابه وهم يحملون في قلوبهم الحب والصدق فيما يقولون له . وإذا مات أحد تبع جنازته الناس ، وإذا أصاب الناس الضر من عدم نزول الغيث ، بادروا إلى صلاة الاستسقاء ... وهكذا فما من أمر يهم المجتمع إلا وجاء الإسلام بما يناسبه من دعاء ـ أو صدقة ، أو زيارة ، أو تعاون ، ولا أظن أن أحدا من أبناء هذه الأمة  وبناتها تخفى عليه  الحالات التي تهم المجتمع ، وهي كثيرة ... كثيرة جدا وفيها الخير كلُّ الخير ، وهي معالم المجتمع الصالح المثالي في حياتنا الدنيا ، فآيات بينات وأحاديث كريمات ، لاتعد ولا تحصى لكثرتها ، و كلها تدعو إلى بناء المجتمع الفاضل .

وأقف على أمر واحد منها ، وهو عندما يرى المسلم أخاه المسلم ، وترى المسلمة أختها في بيت أو طريق ، فكيف يتم ذلك اللقاء ، وبم تسمو تلك المقابلة ،  روى الإمام البخاريّ في صحيحه، عن الصحابيّ عدي بن حاتم الطائي، عن النبيّ عليه الصلاة والسلام أنّه قال: (اتَّقُوا النَّارَ ثُمَّ أعْرَضَ وأَشَاح، ثُمَّ قالَ: اتَّقُوا النَّارَ ثُمَّ أعْرَضَ وأَشَاحَ ثَلَاثًا، حتَّى ظَنَنَّا أنَّه يَنْظُرُ إلَيْهَا، ثُمَّ قالَ: اتَّقُوا النَّارَ ولو بشِقِّ تَمْرَةٍ، فمَن لَمْ يَجِدْ فَبِكَلِمَةٍ طَيِّبَةٍ) . فبشيء قليل بصدقة بسيطة  وبكلمة طيبة تصدر عن قلب سليم بلسان رطب بذكر الله ، تحرس  من نار جهنم . وكذلك إماطة الأذى عن طريق الناس . ويؤكد هذا التوجيه من نبينا صلى الله عليه وسلم حديث شريف آخر . فقد  روى الإمام مسلم في صحيحه عن أبي ذَرّ الغفاريّ رضي الله عنه أنّ النبيّ صلّى الله عليه وسلّم أنه قال: (لا تَحْقِرَنَّ مِنَ المَعروفِ شيئًا، ولو أنْ تَلْقَى أخاكَ بوَجْهٍ طَلْقٍ ) . مزايا إسلامية اجتماعية إنسانية عالية تؤكد حرص نبينا صلى الله عليه وسلم على إقامة المجتمع الكريم الذي يسوده الإخاء ، وتغشاه المودة والتراحم بين الناس . فلو أطاع الناس نبيَّهم صلّى الله عليه وسلّم لدخلوا الجنة ، بعد سعادة في حياتهم الدنيوية  ، ولذلك عندما قال الصلاة والسلام : (كُلُّ أُمَّتي يَدْخُلُونَ الجَنَّةَ إِلَّا مَن أَبَى ) ، تعجب الصحابة رضي الله عنهم أجمعين ، فقالوا : ومَن يأبى يارسول الله ؟ فأجابهم صلّى الله عليه وسلّم قائلا :  ( مَن أَطَاعَنِي دَخَلَ الجَنَّةَ، وَمَن عَصَانِي فقَدْ أَبَى ) .

وفي هذا الباب يأتي المزاح الذي يحمله الأُنس والمباسطة ، ويحرسه الحق الذي لايأباه أحد . لا مانراه اليوم مما يسمونه المزاح وهو خارج عن إطار القيم والآداب ، وفيه من الإسفاف والانحطاط ماتنفر عنه الأنفس الكريمة . فقد كان صلى الله عليه وسلم يمزح ولكن لايقول إلا حقا . بل وفيه من الحكمة والتعليم  وهذه بعض النماذج من مزاح النبي صلى الله عليه وسلم ، نقلناها من صفحات تراثنا المجيد :

*عن أنس بن مالك رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له: "يا ذا الأذنين". يعني يمازحه .

*استحمل رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلا ، فقال صلى الله عليه وسلم: "إني حاملك على ولد ناقة". فقال: يا رسول الله، ما أصنع بولد الناقة؟ فقال صلى الله عليه وسلم: "وهل تلد الإبل إلا النوق ؟

 *عن أنس رضي الله عنه: أن رجلاً من أهل البادية كان اسمه زاهر بن حرام، وكان يهدي للنبي صلى الله عليه وسلم الهدية من البادية، وكان النبي صلى الله عليه وسلم يحبه، وكان دميمًا، فأتاه النبي صلى الله عليه وسلم يومًا وهو يبيع متاعه، فاحتضنه من خلفه وهو لا يبصره، فقال: أرسلني من هذا؟ فالتفت، فعرف النبي صلى الله عليه وسلم، فجعل لا يألو ما ألزق ظهره بصدر النبي صلى الله عليه وسلم حين عرفه، وجعل النبي صلى الله عليه وسلم يقول: مَن يشتري العبد؟ فقال: يا رسول الله، إذن والله تجدني كاسدًا، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "لكن عند الله لست بكاسد، أنت غال". وفى رواية: (أنت عند الله رابح ) .

مزاحه صلى الله عليه وسلم مع زوجاته*

عن عائشة رضي الله عنها أنها كانت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفر وهي جارية، قالت: لم أحمل اللحم ولم أبدن. فقال لأصحابه: "تقدموا". فتقدموا، ثم قال: "تعالي أسابقك". فسابقته، فسبقته على رجلي، فلما كان بعد  وفي رواية: فسكت عني، حتى إذا حملت اللحم وبدنت ونسيت - خرجت معه في سفر، فقال لأصحابه: "تقدموا". فتقدموا، ثم قال: "تعالي ونسيت الذي كان وقد حملت اللحم، فقلت: كيف أسابقك يا رسول الله، وأنا على هذا الحال؟! فقال: "لتفعلن". فسابقته فسبقني، فجعل يضحك ويقول:  (هذه بتلك السبقة ) .

مزاحه صلى الله عليه وسلم مع امرأة عجوز*

عن الحسن قال: أتت عجوز إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقالت: يا رسول الله، ادع الله أن يدخلني الجنة. فقال: "يا أم فلان، إن الجنة لا تدخلها عجوز

مزاحه صلى الله عليه وسلم مع الأطفال*

روي عن عبد الله بن الحارث قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصفُّ عبد الله، وعبيد الله، وكثير بن العباس، ثم يقول: "مَن سبق إليَّ فله كذا وكذا". قال: فيستبقون إليه، فيقعون على ظهره وصدره، فيقبلهم ويلتزمهم صلى الله عليه وسلم .

وسوم: العدد 943