آن لأفغانستان أن تعيش في سلام وأمان

تاريخ أفغانستان قديما وحديثا زاخر بالحروب والمآسي ، ولو بدأنا بالقرن التاسع عشر لرأيناها أرض نزاع  بين بريطانيا في مستعمرتها في الهند وبين روسيا المتطلعة إلى اتخاذها ، أفغانستان ، معبرا إلى المحيط الهندي ما عدته بريطانيا تهديدا لها . ولوأد هذا التهديد غزت أفغانستان في 1839 إلى أن أرغمها الأفغان على الخروج من بلادهم في 1842 . وظل الخوف من الأطماع الروسية التوسعية كابوسا يثقل صدرها ، فغزت أفغانستان في 1878 .وفي 1919 هاجم أمير أفغانستان أمان الله خان الجيش البريطاني في الهند ، فدارت الحرب الثالثة بين الطرفين . وطوال 42 عاما ، أي منذ الغزو السوفيتي لأفغانستان في 1979 ، والبلاد في صراعات وحروب عاصفة دامية . حارب المجاهدون الأفغان القوات السوفيتية بمساعدة أميركا وباكستان والنظام السعودي حتى أخرجوها في 1989 بعد أن قتلوا منها 15 ألف جندي وجرحوا عشرات الآلاف . وبدل أن تستقر البلاد في ظل حكمهم عصفت بها خلافاتهم التي أججتها أميركا حتى لا يكون انتصارهم الكبير مقدمة لانتصارات إسلامية تمتد إلى مناطق أخرى تهدد النفوذ الأميركي والغربي وإسرائيل . وكونت أميركا وباكستان حركة طالبان في 1994 من الطلاب الأفغان الذين يدرسون في باكستان ، وتزعم الحركة الأستاذ محمد عمر . وقاتلت الحركة حكومة المجاهدين ، وانتصرت عليها ، ودخلت كابول في 1996 . وعلى عادة أميركا في الغدر بحلفائها ومن يعاونونها في أزماتها ومصائبها ، وعلى عادتها في تلفيق مسوغات كاذبة مزيفة لحروبها ، غزت أفغانستان بعد تدمير برجي نيويورك في 11 سبتمبر 2001 متهمة القاعدة التي وفرت لها طالبان ملاذا في أفغانستان بهذا التدمير. فكان غزوها نكبة لكل البلاد ، قتل وجرح عشرات الآلاف ، ومزق لحمتها الوطنية ، وأقصى طالبان من الحكم ، ونصب حكومة كرزاي التي تلتها حكومة أشرف غني . ونصل إلى أحداث هذه الأيام ، فبايدن تابع تنفيذ قرار ترامب بالانسحاب من أفغانستان الذي حدد   31 أغسطس الجاري نهاية له . وعجلت الأحداث به  بعد فشل المحادثات بين طالبان وحكومة أشرف غني . وهاهي طالبان تستولى على كابل آخر عواصم أقاليم أفغانستان الأربعة والثلاثين في انتصار أفغاني ثالث على ثلاث امبراطوريات . وباعثٌ على السخرية أن يرفض بلينكن وزير خارجية أميركا تشبيه ما حدث في كابول بما حدث لأميركا في سايجون في 1975 ، والأكثر بعثا  على السخرية هو بيانه للفرق بين الحالين ، قال : " هذه ليست سايجون . دخلنا أفغانستان قبل 20 عاما في مهمة هدفها تصفية حسابات مع من هاجمونا في 11 سبتمبر . أنجزنا المهمة " . أي مهمة هذه التي تستغرق من الزمن عشرين عاما ، وتستنزف من المال تريليون دولار ، ومن الدماء الأميركية آلاف القتلى والجرحى ؟! وهي في الحق مهمة باطلة السبب ، فأكثر المصادر المطلعة على حقيقة تدمير البرجين تجمع على أنه من تدبير أميركا لتسويغ حروبها ضد العرب والمسلمين . وفي عصفة غضب ونفاد صبر من تحرشات أميركا بروسيا هدد بوتين بإطلاع العالم بالأدلة الحاسمة على أن تدمير البرجين تدبير أميركي ، وجزم عالم فيزياء أميركي في شرح بثته قناة فوكس نيوز الأميركية باستحالة حدوث التدمير بالكيفية التي وصفتها الإدارة الأميركية . وما يهم الآن ويشغل البال بعد استيلاء طالبان على كل البلاد وانفرادها بالسلطة فيها أن تفتح الباب لخلق أوضاع مستقرة ليعيش الشعب الأفغاني بعد 42 عاما من الصراعات والحروب في سلام وأمان . برهن الأفغان تاريخيا أنهم محاربون أشداء ، وآن أن يبرهنوا أنهم سياسيون ومصلحون حكماء ، وهذه مهمة طالبان الكبرى ، وما صدر عنها في جو انتصارها من بيانات وتطمينات يبشر بالأمل ، وفعلا أعلنت عفوا عاما عن موظفي الدولة كافة ، ودعتهم إلى العودة إلى أعمالهم . ونحسب من المهام الجليلة على سبيل الاستقرار  أن تكف الحركة الأيدي الأجنبية قريبة وبعيدة عن التدخل في شئون البلاد . ما من خير تأتي به هذه الأيدي ، والدرس واضح في أفغانستان والعراق وسوريا واليمن وليبيا . الوحدة الوطنية  مصدر كل خير وأمن وسلام مهما كانت الاختلافات والتمايزات  بين عرقيات  أي وطن ، ومعروف أن أفغانستان تتألف من عشرين عرقية ، ويكفي عرقياتها هذه للتوحد الوطني أن الإسلام يجمع بينها ، وأن تاريخها من آلام التدخلات الأجنبية جامع آخر له دوره الكبير في توحدها  ، وليس شعرا وخيالا أن شوكة ابن وطنك مهما قست أحن عليك وأنفع لك  من زهرة الأجنبي مهما رقت وحسنت مظهرا .

وسوم: العدد 943