الأخطاء اللغوية في المواقع الإعلامية .. المسئولية والحل

الآراء مجتمعة على أن الأخطاء اللغوية في المواقع الإعلامية كثيرة كثرة مخيفة ، وأن الأمر ما كان كهذا في الإعلام الورقي الذي أخلى معظم الساحة للإعلام الرقمي أو الإلكتروني . وتتعدد دواعي الأخطاء اللغوية في هذا الإعلام ، وأشيعها في الإملاء والنحو . ومن هذه الدواعي ولوج كثيرين  حلبةً الكتابة في هذا الإعلام دون أن تكون لديهم مهارات لغوية كافية تؤهلهم لها تأهيلا متمكنا  . وهم قسمان : كتاب المقالات والأخبار والتقارير ، والمعلقون على المقالات والأخبار والتقارير ، أو ما يسمى الإعلام الاجتماعي أو الموازي . وليس في قدرة أي موقع إعلامي غزير المادة المكتوبة أن يصحح ما في هذه الكتابات من أخطاء إلا إذا جند عددا كبيرا من المدققين اللغويين ، وهذا مكلف ماليا لا يقدر عليه إلا عدد محدود من المواقع مثل موقع " الجزيرة " الذي تموله الحكومة القطرية . ولو التقطنا  موقع " رأي اليوم " القليل الإمكانات المالية فيستحيل أن نطلب منه تجنيد فريق من المدققين اللغويين يكلفونه عبئا ماليا لا يقدر على تحمله . ولنا أن ننظر إلى ما ينشر فيه وفي أشباهه من المواقع على النحو الآتي : المقالات يتحتم  أن تكون صحتها اللغوية مسئولية كتابها ، ومن يصنف نفسه كاتبا فليعلم أنه المسئول الأول والأوحد عن صحة كتابته اللغوية ، أقلها في الإملاء والنحو ، وأن هذه الصحة هي الشرط الأول لكل من يريد أن يكتب . وكل مهنة أو فن أو علم له شروط صحة وجودة في أدائه . هل يجوز أن يمارس الطب جاهل به أو قليل المعرفة والخبرة فيه ؟! وهل يجوز أن يبني شخص بيتا تنقصه مهارة  البناء وخبرته ؟! تكاد الكتابة بفنونها المتباينة أن تكون الوحيدة التي يلج ساحتها كل من أحب ولوجها لانعدام المحاسبة على ما يقع فيه من أخطاء . وأما الأخبار والتقارير وسواها من المواد التي تنشرها المواقع الإعلامية فنرى ، مع اقتناعنا بما في هذا من عبء ثقيل ماليا على بعض المواقع مثل " رأي اليوم " ، أن يكون تصحيحها مسئولية الموقع الإعلامي ، ولا حل لأخطاء الإعلام الموازي الغزيرة  إلا رفض نشرها مع ما في  الرفض من قسوة عليهم ، وحرمان للقراء من مساهمات عديدة جيدة في هذا الإعلام تضيف للمادة الأصلية أفكارا وتوضيحات ومعلومات ، والقيمة المهمة لهذا الإعلام أنه صوت الشعب الصادق ، ولهذه الصفة هو موضع مراقبة ودرس وتحليل من أجهزة المخابرات ومراكز دراسات الرأي العام المصادقة والمعادية ، وفيه كتاب جيدون وإن كانوا لا يكتبون مقالات مستقلة ، وليتهم يفعلون خاصة أصحاب اللغة السليمة .  ولا يدرك من يقعون في الأخطاء اللغوية من الإعلاميين وكتاب المقالات أن التحرر من هذه الأخطاء سهل ميسر لمن أراده جادا متحمسا مستشعرا قبح الأخطاء اللغوية على ذاته ، وعلى هوية الأمة ووعيها وصحة تعلمها ونظرها الكلي للحياة ، فلا معرفة صحيحة استيعابا وإنتاجا دون لغة صحيحة في كل تجلياتها الكتابية والبيانية الأدائية . ليس مطلوبا منهم ليكتبوا كتابة صحيحة إملائيا ونحويا أن يكونوا علماء لغة ، ويكفيهم في النحو أن يحسنوا مبادئه الأولية ، أو ما يسمى النحو الوظيفي . وفي المكتبات العربية كتب كثيرة تبسطه ، وفيها كتب معدة للإعلاميين خاصة . أما في الإملاء أو رسم الكلمات فننصح بقراءة نصوص قصيرة من الكتب المدرسية ، ثم كتابتها ، ومتابعة   ذلك مواظبة مريحة مؤنسة لا تجلب الملل والنفور ، ونخص الكتب المدرسية لما فيها من صحة رسم للكلمات وضبط لحركاتها . ومن المجدي مطالعة كتاب في قواعد الإملاء ، وكتبها قليلة الصفحات بحكم  قلة موضوعاتها . ولِنستوعب بشاعة الخطأ الإملائي ننبه إلى أنه كان المتفق عليه بين التربويات العربية أن الصف السادس هو آخر عهد الطالب بتعلم الإملاء ، فما بال من يحمل اللقب الجامعي الثالث ، الدكتوراه ، يخطىء في كتابة كثير من الكلمات ؟! ومن خصائص الخطأ اللغوي أنه لا يفارق المبتلى به إلا إذا تحرر منه بالطريقة الصحيحة ، وفعلا ألاحظ أن بعض الكتاب وسواهم من الإعلاميين يكررون ذات أخطائهم . ومرفوضة هي حجة من يبرر أخطاءه اللغوية بكونه ليس مؤهلا جامعيا في اللغة العربية ، وعلة الرفض أن ما درسه في التعليم العام مدى اثني عشر عاما يكفي لصحة الكتابة ، ومسئوليته الذاتية أن يستعيد ما نسيه ، ويستوضح ما التبس أو عَسُر عليه من شروط هذه الصحة ما دام يصنف نفسه كاتبا أو إعلاميا . ولنا في تاريخ ظهور الصحافة العربية في القرن التاسع عشر قدوة هادية تحث على إيلاء اللغة أعظم الاهتمام ، فما كان ذلك الظهور إلا على يد اللغويين . إبراهيم اليازجي منشىء جريدة " النجاح " كان لغويا عظيما  صنف معجم " الفرائد الحسان من قلائد اللسان " ، وأحمد فارس الشدياق منشىء صحيفة " الجوائب " في الآستانة هو مصنف المعجم الكبير " الجاسوس على القاموس " للغض والتبخيس من قيمة  " القاموس المحيط " للفيروزابادي، وكان ظهور تلك الصحافة أدبي التوجهات والسمات ، وأكثر المسهمين في ما تكتبه أدباء على مختلف فنونهم الأدبية ، ومن سياستها التحريري نشر القصائد الحسان في الصفحة الأولى . وفي  كلمة " تحرير " التي هي مصدر الفعل (حرر) ، وكلمة " محرِر " التي هي اسم الفاعل منه ؛ توجيه يحض على صحة الكتابة، فمعنى " حرر " خلص الشيء من عيوبه ، وكل من يكتب ولا يخلص كتابته من عيوبها ليس محررا ولا أهلا للتحرير ، وهما أهم مصطلحين مهنيين في العمل الإعلامي .     

                                    *** 

*في سيرة عميد الأدب العربي طه حسين ، وكان يملى كتبه إملاء بعد فقده بصره في الثالثة من عمره ، أنه كان لا يبدل أي كلمة أملاها ، ويتدفق أسلوبه الثري بألوان الجمال والموسيقا وروائع المعاني والآراء والنفاذ إلى  عمق حقائق الحياة والنفس الإنسانية تدفقا يستولي على قلب القارىء وعقله . وفي طرائف هذه السيرة أنه كان لا يعد  محاضراته في الجامعة قبل إلقائها . يكفيه أن يختار موضوعها ، فينفتح سيل علمه غزيرا صافيا مترابطا من منبعه إلى مصبه شأن كل كتاباته . إنه مدرسة فريدة في الأسلوب العربي تسترفد  جمالها من ينابيع الأسلوب القرآني  المبين الذي يترقرق نضارة وإشراقا وسلاسة إيقاعات وإبهار معان وأسرار بيانية لا يتوقف تكشف خفاياها .  

*في سيرة عباس العقاد أنه انهال مرة ضربا على مدقق لغوي بدل كلمات في مقال له في " الأهرام" . 

*عمل مدقق لغوي سوداني اسمه مختار في أسبوعية " اليمامة " في الرياض ، وكان كلما ضاق صدره من كثرة أخطاء في مقال كاتب من الكتاب يقول متأففا متسخطا : " يا خواني دا الزول مو كاتب ! " ، أي ( هذا الرجل ليس كاتبا . ) . 

وسوم: العدد 952