"آيا صوفيا" .. الجذور التاريخية والأبعاد السياسية

على مر التاريخ، شكل الصرح التاريخي "آيا صوفيا" رمزا لحضارات وتاريخ المنطقة، حيث امتلكه السلطان محمد الفاتح بعد فتحه لمدينة إسطنبول عام 1453، قبل أن يقرر مجلس الوزراء التركي عام 1934 تحويل المكان من مسجد إلى متحف.

20.07.2020

إسطنبول/ محمود عثمان/ الأناضول

- على مر التاريخ، شكل الصرح التاريخي "آيا صوفيا" رمزا لحضارات وتاريخ المنطقة، حيث امتلكه السلطان محمد الفاتح بعد فتحه لمدينة إسطنبول عام 1453، قبل أن يقرر مجلس الوزراء التركي عام 1934 تحويل المكان من مسجد إلى متحف. 

- هذا القرار ألغته المحكمة الإدارية العليا قبل أيام، ليوقع الرئيس التركي رجب طيب أردوغان على قرار يقضي بافتتاح المكان للعبادة مجددا بهد توقف دام 86 عاما.

- العديد من الدول الغربية وعلى رأسها الأوروبية أبدت ردود فعل رافضة للقرار التركي، لكن في المقابل أصرت أنقرة على أحقية قرارها واعتبرته "قرارا سياديا"، داعيةً تلكم الدول عن احترامه، كما لتركيا رسائل سياسية رغبت في توجيهها عبر افتتاح آيا صوفيا، منها أنها قوة إقليمية قادرة بمفردها على لعب دور دولي فعال، وليست عديمة الخيارات محكومة للاتحاد الأوربي والناتو فقط

ألقى الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، خطابًا تاريخيًا تزامنا مع إلغاء "المحكمة الإدارية العليا"، قرار مجلس الوزراء الصادر عام 1934، والقاضي بتحويل "آيا صوفيا" بمدينة إسطنبول من مسجد إلى متحف، وذلك عقب توقيعه قرارا بنقل تبعية الصرح التاريخي من وزارة الثقافة والسياحة إلى رئاسة الشؤون الدينية، من أجله فتحه للعبادة.

ويعد سند وقفية السلطان العثماني محمد الفاتح، أساسا للتصرف بملكية وممتلكات مسجد آيا صوفيا.

وفي محاولة منه لقطع الطريق أمام المشككين، أبدى الرئيس أردوغان استعداد بلاده لسماع جميع وجهات النظر الدولية حول هذه المسألة، وتفهم الآراء المطروحة على الساحة الدولية بهذا الصدد، شرط مراعاة أن الغرض الذي سيستخدم فيه المكان متعلق بحقوق السيادة التركية.

** الخطوات الإجرائية القانونية

إجرائيا، قامت "المحكمة الإدارية العليا" في تركيا، بإلغاء قرار مجلس الوزراء لعام 1934، القاضي بتحويل "آيا صوفيا" من مسجد إلى متحف. وبموجب القرار الصادر عن المحكمة عاد المكان ثانية إلى كونه مسجدا بعد 86 عاما، وبذلك يعود "آيا صوفيا" للخدمة كمسجد وفق ماهو مبُيّن في سند الوقف الذي أسسه السلطان العثماني محمد الفاتح، بعد فتحه إسطنبول عام 1453.

ووفق ما أعلنه الرئيس التركي، فإن افتتاح "آيا صوفيا" للعبادة سيكون في 24 يوليو/ تموز الجاري، عبر إقامة صلاة الجمعة، كما سيتم إلغاء رسوم الدخول إلى المسجد عقب رفع وضعية المتحف عنه.

ويعتبر آيا صوفيا ثالت مكان للعبادة عالميا من حيث استقبال الزوار، حيث يزيد عددهم عن ثلاثة ملايين زائر سنويا بمقابل مادي قدره 25 مليون دولار، تخلت عنه تركيا، ليبقى تراثا إنسانيا يزوره الجميع.

** الجذور التاريخية:

يعتبر فتح إسطنبول وتحويل "آيا صوفيا" إلى مسجد، الحدث الأهم والأبرز في التاريخ الإسلامي التركي. فبعد حصار طويل دخل السلطان محمد الفاتح المدينة فاتحا في 29 مايو/أيار 1453، وتوجه مباشرة إلى آيا صوفيا، وغرس رايته هناك كرمز للفتح، ثم رمى سهما باتجاه القبة. وهكذا سجل فتحه، لينتقل بعدها إلى أحد زوايا المعبد فيسجد سجدة شكر ثم يصلي ركعتين، وبهذا تحول المكان من معبد إلى مسجد.

ويروي المؤرخون أن السلطان الفاتح تلا بيتين من الشعر عند وقوفه أمام منظر الخراب الذي حل بالصرح قال فيهما "عنكبوت ينسج ستارة في قصر قيصر.. وبومة تحرس في برج أفراسياب".

"آيا صوفيا" التي دخلها السلطان الفاتح، كانت قد بنيت للمرة الثالثة على أطلال كنيستين دمرتا وحرقتا خلال فترة الاضطرابات بالدولة البيزنطية، تحولت إلى جامع ودار للعبادة بعد ثلاثة أيام من فتح المدينة، حصيلة جهد مضن بذله الفاتح ليقيم صلاة الجمعة فيه.

وبفتحه إسطنبول، يكون محمد الفاتح قد حصل أيضا على لقب الإمبراطور الروماني، وبالتالي أصبح مالكا للعقارات المسجلة باسم الأسرة البيزنطية، ووفقا لهذا القانون، تم تسجيل آيا صوفيا باسم محمد الفاتح والوقف الذي أسسه، كما صدرت في فترة الجمهورية نسخة رسمية من سند الملكية المعد بالأحرف الجديدة (التي تكتب بها التركية الحالية)، ليسجل وضعه القانوني بشكل رسمي.

ولولا أن آيا صوفيا كانت ملكا للسلطان محمد الفاتح، لما كان له الحق في تسجيل هذا المكان باسمه قانونيا، ويقول السلطان محمد الفاتح، في واحدة من مئات صفحاته الوقفية التي يرجع تاريخها إلى 1 يونيو/ حزيران 1453، ما يلي:

"أي شخص قام بتغيير هذه الوقفية التي حولت آيا صوفيا إلى مسجد، أو قام بتبديل إحدى موادها، أو ألغاها أو حتى قام بتعديلها، أو سعى لوقف العمل بحكم الوقف الخاص بالمسجد من خلال أي مؤامرة أو تأويل فاسق أو فاسد، أو غير أصله، واعترض على تفريعاته، أو ساعد وأرشد من يقومون بذلك، أو ساهم مع من قاموا بمثل هذه التصرفات بشكل غير قانوني، أو قام بإخراج آيا صوفيا من كونه مسجدًا، أو طالب بأشياء مثل حق الوصاية من خلال أوراق مزورة، أو سجله (المكان) في سجلاته عن طريق الباطل أو أضافه لحسابه كذبًا، أقول في حضوركم جميعًا أنه يكون قد ارتكب أكبر أنواع الحرام واقترف إثمًا".

ويضيف: "من غيّر هذه الوقفية شخصًا كان أوجماعة، عليه أو عليهم إلى الأبد لعنة الله والنبي والملائكة والحكام وكل المسلمين أجمعين، ونسأل الله ألا يخفف عنهم العذاب، وألا ينظر لوجوههم يوم الحشر، ومن سمع هذا الكلام، وواصل سعيه لتغيير ذلك، سيقع ذنبه على من يسمح له بالتغيير، وعليهم جميعًا عذاب من الله، والله سميع عليم".

وقد سعى جميع السلاطين العثمانيين، الذين خلفوا السلطان محمد الفاتح، إلى إضفاء مزيد من الجمال على مدينة إسطنبول وعلى "آيا صوفيا" التي عرفت مع مرور الزمن بمسجد المدينة الكبير بعد الإضافات التي ألحقت بها من أطرافها، لتغدو مجمعا يقدم خدماته للمؤمنين عبر العصور. 

وحتى اسم الصرح التاريخي الذي يعني "حكمة الرب" بقي كما هو ولم يتم تغييره، بل احتل مكانة خاصة في أفئدة الشعب التركي على مر العصور، ومحبة خاصة توارثتها الأجيال.

** أيا صوفيا أيقونة التاريخ التركي

حظيت "آيا صوفيا" بمكانة خاصة عند الأدباء والشعراء، إذ سبق للشاعر التركي يحيى كمال بياتلي، أن كتب مقالا عام 1922 قال فيه إن "هذه الدولة لها أساسان معنويان، أولها الأذان من مآذن آيا صوفيا وهي مازالت تصدح، والثانية تلاوة القرآن الكريم أمام الخرقة الشريفة (بردة النبي الكريم بقصر طوب قابي في إسطنبول) وهي مازالت تتلألأ".

وقد ألفت أشعار كثيرة، كتبها أدباء وشعراء أتراك، تغنوا بآيا صوفيا كأيقونة لفتح إسطنبول، كالكاتب والشاعر والمفكر التركي نجيب فاضل قصاكورك، عندما قال "من تراودهم المخاوف ببقاء الأتراك في هذا الوطن.. هم أنفسهم الذين تراودهم الشكوك من إعادة فتح آيا صوفيا للعبادة من جديد".

وكذلك ذكر الكاتب التركي عثمان يوكسل سردنغتشيت، مقالة قد تمت محاكمته وإعدامه بسببها تحت عنوان "آيا صوفيا" قال فيها "آيا صوفيا ! أيها المعبد العظيم، لا تقلق سيحطم أحفاد الفاتح كل الأصنام، ويحولونك إلى مسجد، ويتوضأون بدموعهم ويخرون سجدًا بين جدرانك، وسيصدح التهليل والتكبير ثانية بين قبابك، وسيكون هذا الفتح الثاني، وسيكتب الشعراء عنه الملاحم، وسيصدح الآذان من جديد وأصوات التكبير من تلك المآذن الصامتة اليتيمة، وستتوهج شرفات مآذنك بالأنوار تقديسًا لله وشرف نبيه، حتى أن الناس سيظنون أن الفاتح بعث من جديد. كل هذا سيحدث يا آيا صوفيا، والفتح الثاني سيكون بعثًا بعد موت، هذا أمر أكيد لا تقلق، وهذه الأيام باتت قريبة، ربما غدًا أو أقرب من غد".

** سيبقى أيا صوفيا تراثا إنسانيا

في خطابه بهذه المناسبة، أعلن الرئيس أردوغان بأن "مسجد آيا صوفيا سيبقى تراثا مشتركًا للإنسانية ، يفتح أبوابه أمام الجميع من مواطنين وأجانب مسلمين وغير مسلمين، شأنه في ذلك شأن جميع مساجدنا، وسيواصل احتضان الجميع بشكل أكثر صدقا وأصالة. وندعو الجميع إلى احترام القرار الذي اتخذته الهيئات القضائية والتنفيذية في تركيا، وأي موقف يتجاوز التعبير عن الآراء، انتهاك للسيادة، ومن ثم ننتظر من تلك الدول نفس التفهّم حول حفاظ تركيا على حقوقها التاريخية والقانونية. فهذه الحقوق لا تعود لـ 50 أو 100 سنة، وإنما 567 سنة".

** آيا صوفيا والحريات الدينية

ثمة من يعارض إعادة آيا صوفيا لمسجد، بذريعة الحريات الدينية، وتكفي الإشارة بهذا الخصوص إلى وجود أكثر من 453 كنيسة وكنيسا مفتوحا للعبادة في تركيا، يقصدها المسيحيون وغيرهم من شتى البلدان، وهذا العدد يفوق ما لدى أوربا مجتمعة من جوامع ومساجد إسلامية.

إبان حكم الحزب الواحد، في بداية تأسيس الجمهورية التركية، أصدرت الحكومة مرسومًا يقضي أن تكون المسافة بين المسجد والمسجد 500 مترا على الأقل. هذا المرسوم كان هدفه إغلاق "آيا صوفيا" أمام العبادة. بعد ذلك وبتاريخ 1 فبراير/ شباط 1935، تم الإعلان عن تحويل المكان إلى متحف وفتحه أمام الزوار.

وخلال السنوات التي أغلق فيها آيا صوفيا أمام العبادة تعرض لعمليات تغيير ممنهجة لمعالمه، فقد هدمت الجامعة التي كانت موجودة بالمكان، المبنية من طرف السلطان الفاتح، وكانت تعد أول جامعة عثمانية، ثم تم تقطيع السجاد النادر المفروش على الأرضية، ليوزع هنا وهناك، وأخذت الشموع العتيقة وتم صهرها.

وكان هناك نية بعدم إبقاء أي أثر من "آيا صوفيا" عندما كان مسجدا، كادوا يهدمون حتى مآذنه، حيث تم تدمير المأذنة الصغيرة لآيا صوفيا التي بنيت في عهد السلطان بايزيد الثاني، وعندما رأى المؤرخ الصحفي إبراهيم حقي قونيالي أن الدور قادم على آيا صوفيا، قام بنشر تقرير على الفور قال فيه: إن هذه المآذن تعد الداعم لقبة المسجد، وإذا تم تدمير هذه المآذن فإن آيا صوفيا ستنهار أيضا، عندها توقفوا عن التدمير.

** الأبعاد السياسية لعودة جامع أيا صوفيا

داخليا، ثمة برود طرأ على علاقة حزب العدالة والتنمية بالشارع المتدين المحافظ، تجلى ذلك في انتخابات بلدية إسطنبول، بعد المحللين يربطون قرار أيا صوفيا بترميم تلك العلاقة، حيث سعى الرئيس أردوغان إلى التأكيد على أنه ما زال مجددا ومنفذا لوعوده دون خشية من أحد، وأنه مازال قادراً على اتخاذ قرارات جريئة مستقلة، تلبي رغبات قواعده الانتخابية وتحقق أحلامهم التاريخية.

الأمر الآخر هو قطع الطريق على منافسيه السياسيين القدامى والجدد من كسب ود الشارع المتدين المحافظ، وكذلك ما سيثيره هذا القرار من ضجة إيجابية وسلبية حوله، من شأنه قطع الطريق على محاولة المعارضة تسويق أكرم إمام أوغلو رئيس بلدية إسطنبول، أو أحدا غيره، للمنافسة في انتخابات الرئاسة المقبلة.

خارجيا، في بداية الثلاثينيات واجهت تركيا تهديداً إيطالياً وبلغارياً مع تنامي الفاشية وزيادة التوترات الناتجة عن الخلافات الحدودية التي خلفتها الحرب العالمية الأولى. استغل رئيس وزراء اليونان آنذلك، ذلك فطلب من رئيس وزراء تركيا آنذاك جلال بيار، تحويل مسجد آيا صوفيا، الذي يعتبره اليونانيون الأرثوذكس كنيستهم المسلوبة، إلى متحف، مقابل قبول الدول الأعضاء بحلف البلقان بانضمام تركيا إليه. ليستحسن مصطفى كمال أتاتورك الفكرة، واتخذ مجلس الوزراء قراراً بتحويل المسجد إلى متحف، وفعلا تم توقيع اتفاقية حلف البلقان في نفس العام بمشاركة تركية. 

تتركز ردود الأفعال الناقدة لقرار افتتاح آيا صوفيا للعبادة، الصادرة عن العديد من الحكومات الغربية والشرقية، على أمرين، الأول هو تحقيق تركيا استقلالاً كاملاً في القرار، والثاني هو المركزية السياسية الإسلامية لتركيا. لذلك رأينا أن التصريحات الرافضة والمنتقدة، لم تأتِ من الدول ذات الأغلبية الأرثوذوكسية فحسب، بل جاءت من جميع الأطراف التي تريد من تركيا أن تبقى دولة وظيفية تؤدي الدور المطلوب منها، لا قوة إقليمية لها مصالحها وأجندتها المستقلة.

هذا القرار شكل رسالة واضحة للاتحاد الأوربي، الذي ما زالت غالبية دوله تنظر لتركيا بعين أيديولوجية لا تخلو من عقد الحروب الصليبية، رسالة مفادها بأن تركيا قد سئمت من سياسات التسويف والمماطلة والكيل بمكيالين وازدواجية المعايير التي ينتهجها الاتحاد حيال انضمامها لعضويته. وأن صبر تركيا بدأ ينفذ، وأنها كقوة إقليمية قادرة بمفردها على لعب دور فعال ...

موقع وكالة الأناضول

وكان للشعر كلمة:

يقول حافظ إبراهيم:

أيا صوفيا حان التفرق فاذكري

عهود كرام فيك صلوا وسلموا 

إذا عدت يوما للصليب وأهله

  و حلى نواحيك المسيح ومريم

ودقت نواقيس وقام مزهر 

   من الروم في محرابه يترنم

فلا تنكري عهد المأذن إنه    

على الله من عهد النواقيس أكرم

تباركت بيت القدس جذلان أمن 

ولا يأمن البيت العتيق المحرم 

أيرضيك أن تغشى سنابك خيلهم 

  حماك وأن يمنى الحطيم وزمزم 

وكيف يذل المسلمون وبينهم 

كتابك يتلى كل يوم ويكرم 

نبيك محزون وبيتك مطرق

حياء وأنصار الحقيقة نوم

عصينا وخالفنا، فعاقبت عادلا

    وحكمت فينا اليوم من ليس يرحم 

أيا صوفيا:

وكتب الشاعر الإسلامي د. وائل عبد الرحمن حبنكة يقول:

سفن على قمم الجبال يجرها صدق اليقين وقوة الإيمان 

ويد رمت للمستحيل حبالها   فغدا أسيرا في يد الإذعان 

ورؤى تخطفها بعين ثباته      من قلبه بالعزم كالصوان 

لم يكتب التاريخ في صفحاته نصرا كنصر الفاتح السلطان 

تلك البداية لست من رصعتها ببلاغة فيا جمال بيان 

ولست الأول المذهول من    نصر تفرد ماله من ثان 

نصر غدت فيه العدالة قوة بالخير تهزم قوة الطغيان 

وأجل مافي بعد رسوخه    هو رأفة المنصور بالإنسان 

جيش عظيم حققت غاياته   فتحا عظيما راسخ الأركان 

نعم الأمير ونعم جيشه زانه عدل الأمير وطاعة الفرسان 

وتوالت الأحقاب حزما خلفه دين يصون كرامة الإنسان 

دين تجلى النصر فيه محققا شرطا به حرية الأديان 

فالدين لا إكراه فيه لكافر    لايقبل التسليم للديان 

لم يعرف التاريخ يوما فاتحا كالمسلمين على مدى الأزمان 

غاظهم إعلاء رايات الهدى في ظل ماقد جاء في القرأن 

لو أن من عاداهم لم يتبع لهواه نهج وساوس الشيطان 

لرأى بعين بعين العقل أن دخوله في أخر الأديان خير ضمان 

لسنا دعاة مصالح نسعى لها لنسود باسم الدين والإيمان 

بل نحن يسود بنا من كان أتقى الخلق في الميزان 

نقبت في التاريخ عن أيا صوفيا درة العمران 

وسألته كيف تحولت أجراسه لتكون في الأذان صوت أذان 

فوجدتها بيعت بأيدي أهلها   والبيع حقق شرطها الطرفان 

حفظت به كل الحقوق وزادها  في البيع تكريم من السلطان 

ترك القساوس في ظلال صليبهم يتعبدون بعزة وأمان 

بل صانهم وحنى على أتباعهم ورعاهم كالزهر في البستان 

هم قبله كانوا ضعافا أمرهم   بأكف أهل الغدر والجيران 

كانوا قبيل الفتح رهن تسلق الأشرار للفرع المسيح الداني 

كانوا عبيدا في ثياب قساوس يستثمرون قداسة الأوطان 

كانت مواخير لسادة ملكهم ومقابر الأباء والرهبان 

هذا الذي كانوا عليه وهكذا كان الصليب برهبة الرومان 

يا أيها التاريخ سجل واتئد عن أياصوفيا واستعن ببيان 

بالأمس قسطنين أعلى صرحها لتكون شاهدة على الأزمان 

لم يدر أن الشر في أتباعه سيحيلها مؤى ومكر خيان 

حتى أتاها من ليس يجهل قدرها وأعادها صرحا عظيم الشان 

وشرى بها ما أسست من أجله لتعود للأجيال صدرا حان 

فغدت بأكناف الطهارة مسجدا   وموائدا للعلم والإيمان 

وبغفلة سرقت بكف لم تر فيها سوى الأبواب والجدران 

لتكون للزوار متحف دهشة   وتكون للعقلاء وصمة جان 

واليوم عادت مسجدا ساحاته بركات نور موائد الرحمن 

هذي تفاصيل الحكاية كلها  محفورة في العقل والوجدان

أما الذي عنها يقال محرفا بالزور والتضليل والبهتان 

فهو امتداد الظلم في جبروته وهو احتقار الشر في الإنسان 

سفن على قمم الجبال يجرها صدق اليقين وقوة الايمان 

لم يكتب التاريخ في صفحاته نصرا كنصر الفاتح السلطان 

فرحةٌ بعودة مسجد آيا صوفيا”.. 

وكتب الشاعر سلطان إبراهيم المهدي يقول:

اللهُ أكبرُ قد سرَت بجوانحي  فبكيتُ من فرحي لشدو الصادحِ

هذا نداءُ الحقِ يُرفعُ هاهُـنا     فيذكّرُ الدنيا بمجدِ الفاتحِ

قد عاد مسجدنا ليبهر نوره يهدى إلى الأرواحِ نفحَ روائحِ

من روضةِ التاريخِ ينشرُ للورى  عطرَ الفخارِ لكل غادٍ رائحِ

فالأرضُ قد شهدت زمانًا مُلكنا  والعدلُ يُغرَسُ في رُبىً وأباطحِ

تلك الحضارةُ تزدهي بعلومنا    لفنوننا فيها بهي ملامحِ

الخيرُ في طول البلاد وعرضِها  والنورُ مؤتلقٌ بكل مسارحِ

كانت جيوشُ الحقِ تنصرُ شرعةً    وتسيرُ مسرعةٌ بعزم مكافحِ

ولواؤنا المعقود يخفقُ في العلا   والفجرُ يسفر بعد ليلٍ كالحِ

المسجدُ الميمون هلل فرحةً     متفائلا بدعاء عبدٍ صالحِ

الكونُ مبتهجٌ وفي أنحائهِ     تتبسّمُ البشرى لطيرٍ سانحِ

ماذا يغيظُ الناقمين لفتحهِ     وكأنهم رزئوا بخطبٍ فادحِ

كم مسجدٍ في الأرضِ أُغلقَ قبلهُ   أو قد تلظّى في سعيرٍ لافحِ؟!!

والمسجدُ الأقصى يئنُّ وما لهم صوتٌ ولا دمعٌ هناك لنائحِ

الآن ترتفعُ الحناجرُ بالهوى  خلطت قياس مفاسدٍ بمصالحِ

اللهُ أكبرُ أسعدت أهل التقى     جاءت سلاما رغم أفك الصائحِ

اليوم يوم العز أسعد أنفسًا   لله تسعى في الطريق الواضحِ

اللهُ أكبرُ بلْسَمَت أدواءنا     من بعد أوجاع الزمانِ البارحِ

اللهُ أكبرُ أنبتت أصداؤها      أملا جديدا في فؤاد منافحِ

الحقُ يرجعُ للذي يسعى له  والنصرُ  وعدٌ للجسورِ الطامحِ

© 2021 جريدة الأمة

وكتب الشيخ عبد الله نجيب سالم يقول:

أفي يقْظةٍ أم في منامٍ أرانيا  مآذنَ في استانبولَ كُنَّ غوافيا

سنينَ طوالاً ما رَفعنَ عقيرةً بحيَّ على وقتِ الصلاةِ موافيا

وبِتنَ مواتاً ما يُحرّكنَ ساكناً  وصِرنَ كأعجازٍ من النخلِ خاويا

وتلك قبابٌ صامتاتٌ وقبةٌ على وُسعِها ما في البناءِ مثاليا

وكم مرةٍ نادى الفؤادُ بحسرةٍ: أمَا من طبيبٍ يَبعثُ الروحَ آسيا

فردَّ جوابٌ مِن فَتى التركِ صارخاً: أنا رَجبٌ من طَيّبٍ أردُغانيا

سَأوقِدُ ضوءَ الشمسِ فوقَ منائرٍ   وقبتِها في مسجدٍ آيا صوفِيا

ويَصدَحُ بالتأذينِ جَهراً مُؤذِّنٌ  أَقولُ له: جوّدْ وإِرفعْ ودَوِّيا

وحرّكْ قلوباً بالأذانِ شُداتُها تُدبّجُ من فرطِ الحنينِ القَوافيا

ولا تلتفتْ للناعقينَ وشؤمِهمْ  لقدْ غاظَهم اللهُ أكبرُ عاليا

جزاكَ إلهي يا فَتى الترك هيبةً وخِيرةَ أَنصارٍ ورأياً صوابيا

وأُعْطيتَ في الأُخرى الكتابَ مُيَمَّنَاً  وتَلقَى رسولَ اللهِ يُدْنيكَ راضيا

فَتَبّاً لِمَن أخْفى الأذانَ مُداهِناً... وشكراً لِمَنْ أعلى الأذانَ تحدِّيا !

 - يتبع -

وسوم: العدد 964