الإسلام و منهج الرعاية الصحية

في الأزمات الفتاكة الخانقة، حين تنشر الأمراض والأوبئة، حين ينشر الهلع والخوف للأوضاع الصحية الخطرة ، تستنفر الحكومات ومؤسساتها  لحد من خطر انتشارها، تحقيق واجب التحصين و الوقاية ، هو أفضل طريق لعلاج هذه الأخطار و قد قالوا قديما في الحكمة المشهورة  (درهم وقاية خير من قنطار علاج ) .

كلما كانت الرعاية و الوقاية  مفعلة   في سلوك الفرد ، كان المجتمع في مأمن عن الأخطار الصحية ، فاعتماد النظافة سلوك تربوي في الأسرة مفتاح وقاية  ، ،و  انتهاج الرقابة الصحية الدورية للفرد و العائلة مفتاح وقاية  ، و المسارعة القبلية الاستباقية في التعامل مع المشكلات الصحية مفتاح وقاية ، إذا عملنا بمبدأ الوقاية كنا أكثر تحصينا و أمنا .

 و في هذا المقال حاولت تسليط الضوء على منهج التربية الوقائية في الإسلام من خلال النصوص الشرعية في القرآن الكريم و السنة المطهرة  أعرضها في اييجاز قصد لإفادة .

الاهتمام بالنظافة :

تقوم حياة الفرد المسلم أساسا على مبدأ الطهارة كمفهوم تعبدي، فجل العبادات تقوم أساسا على هذا المبدأ، ففي الصلاة شرع الله لنا الوضوء عند الصلاة و الغسل عند الجنابة ،  و حبب لنا الوضوء عند المكاره و حبب لنا غسل الجمعة ، و حرص لنا طهارة المكان و الثياب ، و حثنا على تنظيف الغرف و الأكنفة (المراحيض) ، و شرع لنا غسل اليدين حين الأكل، وسن لنا  تغطية الأوعية ، و حفظ  الأطعمة و الأواني حماية من الأذى  ، و ذهب أبعد من ذلك فحث المسلم على إماطة الأذى من الطرقات يكفينا  هذا الحديث النبوي حجة و دليلا  .

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «الْإِيمَانُ بِضْعٌ وَسَبْعُونَ -أَوْ: بِضْعٌ وَسِتُّونَ- شُعْبَةً، فَأَفْضَلُهَا قَوْلُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، وَأَدْنَاهَا إِمَاطَةُ الْأَذَى عَنِ الطَّرِيقِ، وَالْحَيَاءُ شُعْبَةٌ مِنَ الْإِيمَانِ» (رواه البخاري: [9]، ومسلم: [35]).

ممارسة الرياضة :

ربما يجهل غير المسلمين و حتى المسلمين أنفسهم أن الإسلام عنى بالتربية الرياضية  و اهتم بها اهتماما بالغا ، و أكد عليها كأسلوب ناجع لتحصيل مفهوم القوة المطلوبة لمواجهة الصعاب ، و قد أشار إليه مشهور كلام النبي صلى الله عليه وسلم: [المؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف وفي كل خير](رواه مسلم). وقال أيضا: [وإن لجسدك عليك حقا](رواه مسلم وغيره).

لماذا ؟  فواجبات الحياة وتكاليفها تحتاج منا القوة وصحة الجسم، فليس هناك عمل لا توظف فيه القوة، لهذا وجب تحصين  البدن وتقويته بممارسة الرياضة بأنواعها ، كالمشي أو العدو أو السباحة أو فنون القتال وكلها مستحبة مرغوب فيها.

 أن الوهن الذي أصاب الأمة بسبب إغفالها رعاية الجسم وحمايته.

و قد دلت الأحاديث الصحيحة التي نورد على أهميتها نورد منها :

قوله عليه الصلاة والسلام : "من تعلم الرمي ثم نسيه فليس مني" وقوله صلى الله عليه وسلم " ارموا بنو إسماعيل فإن أباكم كان رامياً"

وكذلك صح عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: "كل لهو المرء باطل إلا رميه بقوسه و ركوبه فرسه ومداعبته أهله جاء في الأثر و قد اهتم كذلك الفاروق الخليفة الراشد أبي حفص عمر بن الخطاب رضي الله عنه وأرضاه بالرياضة : ( علموا أولادكم السباحة والرماية وركوب الخيل )

الأكل الحلال الصحي :

الإسلام منهج يتناول مظاهر الحياة جميعها؛ خص الإنسان برعاية متفردة مميزة ، رعاية تصون البناء الصحي كمنظومة وقائية، قد أشارت عليه نصوص الشريعة بوضوح

غي قوله تعالى : ( يَسْأَلُونَكَ مَاذَا أُحِلَّ لَهُمْ قُلْ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ ... ) المائدة/ 4

فالله تعالى أحل لنا كل طيب، أحل لنا كل الأطعمة النافعة الصحية إلا ما استثنى من الأطعمة الخبيثة المحرمة و هي مذكورة معددة، و لهذا وجدنا أن المجتمعات الإسلامية أكثر تحصينا من غيرها من المجتمعات ، التي استباحت أكل المحرمات كالديدان و الخفافيش و القطط و الكلاب و الحياة و الدم و أكل الخنزير و أكل كل شيء تعافه النفس و الفطرة، و لم يتقيدوا بالضوابط الصحية التي حضت عليها الشريعة بوضوح قَالَ -جَلَّ وَعَلَا-: {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالْدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ} [المائدة: 3].

اجتناب الخبائث :

الإسلام في منهجه الوقائي  لحماية النفس الإنسانية  في مقصده  شرعي، يقوم على الوقاية  فحصن الأسرة بالزواج الشرعي و حرم كل العلاقات التي تخرج عن هذا الإطار و السياج  الوقائي المحصن ، فحرم الشذوذ و الزنا و كل العلاقات المحرمة التي أنتجت لنا أوضاعا صحية معقدة عجز معها الطب ، فمرض الإيدز ، مرض فقدان المناعة المكتسبة الذي يؤدي عادة إلى الموت و التهاب الكبد الفيروسي و مرض الزهري و مرض السيلان و كثير من الأمراض التي يعرفها أهل التخصص و كل تلك البلايا سببها الخروج و التعدي على القانون الإلهي .

قال صلى الله عليه وسلم : [ إن الله ليملي للظالم حتى إذا أخذه لم يفلته ، ثم قرأ : { وكذلك أخذ ربك إذا أخذ القرى وهي ظالمة إن أخذه أليم شديد } ( هود102 ) ، فهل هناك  أخطر و أظلم من استباحة المحرمات؟!

التطبيب و العلاج. :

كما أسلفنا إن الإسلام أعطى أهمية كبرى للبعد الوقائي، فقد أعطى لمسألة العلاج و التمريض و تطبيب والتداوي أهمية كبرى،  و بصحة الإنسان بصورة عامة من منطلق أن الحفاظ على الفرد و الأسرة و المجتمع من الضروريات الأساسية التي جاءت الشريعة من أجل  الحفاظ عليها ، و أن وحمايتها واجب شرعي ، كثير من الأحاديث النبوية الشريفة أمرت بالتداوي مثل حديث أسامة بن شريك قال: (أتيت النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ وأصحابه كأنما على رؤوسهم الطير، فسلمت، ثم قعدت، فجاء الأعراب من ههنا وههنا، فقالوا: يا رسول الله أنتداوى ؟ فقال: تداووا فإن الله تعالى لم يضع داءً إلاّ وضع له دواء غير داء واحد الهرم )

فالمسلم أكثر الناس وعيا بحفظ صحته و حمايتها، فوجب علينا توخي النصائح الصحية في حياتنا، و العمل على الالتزام بها كسلوك تربوي عملي يومي، نلزم به أنفسنا و أهلنا و أقاربنا و المحيط الذي نتعامل معه، نحمي أنفسنا و نحمي غيرنا.، نلتزم بالسلوك الوقائي مع محيطنا المجتمعي ، ننصح و نوعي تحصينا للسلامة الصحية.

وسوم: العدد 969