العَقِيدَةُ الإسْلَامِيَّةُ والخَوَاءُ العَقَدِيُّ

أحمد إبراهيم مرعوه

إِنَّ الْعَقِيدَةَ الْإِسْلَامِيَّةَ هِي نُورُ الْحَقِّ الَّذِي لَا يَأْتِي بَعْدَهُ ضَلَاَلٌ، وَرَغْمَ ذَلِكَ لَا يُنْكِرُهَا وَلَا يَعْمَلُ عَلَى إِجْهَاضِهَا إِلَّا كُلُّ مُعْتَدٍ أَثِيمٍ، وَكُلُّ مَنْ يَسْعَى لإِرْهَابَ النَّاسِ كُلَّمَا أُتِيحَتْ لَهُ الْفُرْصَةُ بِسَبَبِ اِرْتِخَاءِ وَتَكَاسُلِ بَعْضِ أَتْبَاعِ الْعَقِيدَةِ مِنْ نَاحِيَةٍ، وَبِسَبَبِ تَدْمِيرِ الْآخَريِنَ مِنَ الْخَوَنَةِ لَهَا رَغْمَ أَنَّهُمْ مِنَ الْمَحْسُوبِينَ بُهْتَانًا وَزُورًا عَلَيْهَا، وَهُمْ مِنَ الْمُنَافِقِينَ الَّذِينَ يَخْدُمُونَ أَتُبَاعَهُمْ مِنَ الَّذِينَ يُحَاوِلُونَ تَشْوِيهَ الْعَقِيدَةِ الْإِسْلَامِيَّةِ الَّتِي تَفْضَحُ عَجْزَهُمْ كُلَّمَا أَرَادُوا تَشْوِيهَهَا! لِذَا يَجِبُ عَلَى الْمُسْلِمِينَ التَّخَلُّصَ مِنَ الْمُنْدَسِّينَ الَّذِينَ يَنْدَسُّونَ بَيْنَ أهْلِ الْعَقِيدَةِ الْإِسْلَامِيَّةِ لِيَسْعَوا فِي خَرَابِهَا بَيْنَ الْحَيْنِ وَالْآخِرِ، وَهَذَا لِأَنَّهُمْ شَوَاذُّ الْفِكْرِ، وَفِي الْمُقَابِلِ يَجِبُ عَلَى الْمُجْتَمَعِ أَنْ يَتَخَلَّصَ مِنْهُمْ وَمِنْ أَمْثَالِهِمْ لِأَنَّهُمْ خَبثٌ غَيْرُ مَرْغُوبٍ فِيهِ!

وَلِأَنَّ الطَّهَارَةَ لَا تَجْتَمِعُ مَعَ الْخُبْثِ فَكَانَ لِزَامًا عَلَى أهْلِهَا التَّخَلُّصَ مِنْ دَنَسِهِمْ، وَقَوَانِينُ الطَّبِيعَةِ كُلُّهَا بُنِيَتْ عَلَى ذَلِكَ، حَتَّى مَاءُ الْبَحْرِ يَفْعَلُ مَعَ الزَّبَدِ، وَكُلُّ الْكَائِنَاتِ الْحَيَّةِ تَتَخَلَّصُ مِنْ خُبْثِهَا، وَكَانَ لِزَامَا عَلَى أهْلِ الدِّينِ وَالْعَقِيدَةِ أَنْ يَتَخَلَّصُوا مِنْ اتِّبَاعِ الْفِكْرِ الضَّالِّ.

لِذَا يَقُولُ اللهُ تَعَالَى فِيهِمْ: ﴿لِيَمِيزَ اللهُ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ وَيَجْعَلَ الْخَبِيثَ بَعْضَهُ عَلَىَ بَعْضٍ فَيَرْكُمَهُ جَمِيعًا فَيَجْعَلَهُ فِي جَهَنَّمَ أُوْلَـئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ (37) قُل لِلَّذِينَ كَفَرُواْ إِن يَنتَهُواْ يُغَفَرْ لَهُم مَّا قَدْ سَلَفَ وَإِنْ يَعُودُواْ فَقَدْ مَضَتْ سُنَّةُ الأَوَّلِينِ (38)﴾ [الأنفال: 37 ، 38].  

وَالَّذِينَ يَكْرَهُونَ الْعَقِيدَةَ الْإِسْلَامِيَّةَ مِنْ خَارِجٍ أَتْبَاعِهَا هُمْ مَنْ يَكْرَهُونَ الْإِسْلَامَ لِمُجَرَّدِ أَنَّهُ دِينُ الْحَقِّ وَالسَّلَامِ الَّذِي يُظْهِرُهُمْ جِيَفًا حَاقِدَةً! وَأَنَّ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ يَكْرَهُونَ دِينَ اللهِ لَيْتَهُمْ يَكْرَهُونَهُ وَكَفَى بَلْ يَصِمُونَهُ بِالْإِرْهَابِ كُلَّمَا أَرَادُوا بِاِخْتِلَاَقِ الْأَحْدَاثِ أَوِ اسْتِزْرَاعِهِا لِيُمَغِصُوا عَلَى الْمُسْلِمِينَ حَيَاتَهُمْ وَبِالْأَخَصِّ فِي دِينِهِمْ، وَمَا زَالُوا يَخْتَلِقُونَ الْأَحْدَاثَ الَّتِي يُمَرِّرُهَا لهُمُ الْخَوَنَةُ أَعْوَانُهُمْ مِنَ الَّذِينَ جَنَّدُوهُمْ، بَلْ زَرَعُوهُمْ بَيْنَنَا لِيَمْخَرُوا فِي دِينِ اللهِ كَأسْرَابِ النَّمْلِ الَّتِي لَا تَكَادُ تُرَى بِالْعَيْنِ الْمُجَرَّدَةِ، لَكِنَّهَا تَفْعَلُ الْأَفَاعِيلَ تَحْتَ الْأرْضِ حَتَّى تُسْقِطَ مَنْ يَمَرُّ عَلِيُّهَا فِي حُفَرِهَا، وَهَذَا النَّمْلُ الصَّغِيرُ يَنْظُرُ لِمَنْ يَسْقُطُ فِي بَرَاثِنِ شَرِّهِ عَلَى أَنَّهُ الشَّرُّ الَّذِي هَدَمَ عَلَيْهِ بَيَّتَهُ، ولابُدَّ مِنْ مُحَاسَبَتِهِ، فَيَتَحَدَّثُ عَنْهُ فِي كُلِّ الْقَنَوَاتِ كَالْبَبَّغَاوَاتِ الَّتِي لَا تَكُفُّ عَنِ الْمُشَارَكَةِ الْحَمْقَاءِ الَّتِي تَزِفُّ الزَّائِفَ الرَّخِيصَ، فِي كُلِّ صَبَاحٍ وَمَسَاءٍ!

وَأَنَّ الْعَقِيدَةَ الْإِسْلَامِيَّةَ لَا تَحْمِلُ لِلنَّاسِ إِلَّا الْخَيْرَ، وَرَغْمَ ذَلِكَ فَإِنَّ أَعْوَانَ الشَّيَاطِينِ لَا يَكُفُّوا عَنْ مُحَارَبَتِهَا بَلْ يَعْمَلُونَ عَلَى تَدْمِيرِهَا، وَمَا كَانَ اللهُ لِيَخْلُقَ دُسْتُورًا وَبِهِ الشَّرُّ لِعِبَادِه وَعُبَّادِهِ، لَكِنَّهَا غَبَاوَةُ الْعُقُولِ الْخَاوِيَةِ الَّتِي تَتَمَسَّكُ بِالشَّهَوَاتِ، وَتُحَافِظُ عَلَى الْإتَاوَاتِ، وَمِثْلُ هَؤُلَاءِ مَا كَانُوا لِيَتَّبِعُوا الْعَقِيدَةَ، وَهُمْ يَعْلَمُونَ أَنَّهُمْ سَيُخْرِجُونَ الزَّكَاوَاتِ!

وَأَنَّ الْعَقِيدَةَ الْإِسْلَامِيَّةَ لَوْ أَظَلَّتْ أَيَّ مُجْتَمَعٍ بِظِلَالِهَا الْوَارِفَةِ لخَلَقَتْ مِنْهُ مُجْتَمَعًا أخْلَاقِيًّا مُنْضَبِطَ السُّلُوكِ فِي كُلِّ مَنَاحِي الْحَيَاةِ، وَخَاصَّةً مَكَارِمَ الْأخْلَاقِ، حَتَّى يَبْلُغَ مبْلَغًا مِنَ الْاِعْتِدَالِ أَوِ الْكَمَالِ الَّذِي يَجْعَلُ مِنْ هَذَا الْمُجْتَمَعِ مثَلًا يُحتَذَى بِهِ بَيْنَ الْمُجْتَمَعَاتِ الْأُخْرَى، مِنْ نَاحِيَةِ اِحْتِرَامِ الذَّاتِ، وَاِحْتِرَامِ آدَمِيَّةَ الْآخَرِينَ، وَمِنْ نَاحِيَةِ الْحُقوقِ وَالْوَاجِبَاتِ، وَهَذِهِ الصِّفَاتُ كُلُّهَا تَصُبُّ لِصَالِحِ الْأخْلَاقِ وَمَكَارِمِهَا، وَهِي الَّتِي تُنَزِّهُهُ عَنْ صَفَّةِ الْحَيَوَانَاتِ الَّتِي لَيْسَ لَهَا مِنْ عَقْلٍ، وَالَّتِي تَنْدَسُّ عُنْوَةً بَيْنَ النَّاسِ لتَدْهَسَهُمْ بِأَحْجَامِهَا الْكَبِيرَةِ!

لِذَا يَجِبُ عَلَى الْإِنْسَانِ أَيِّ إِنْسَانٍ ِ إِنْ كَانَ يَعِي هَذِهِ الْكَلِمَةَ وَمَعْنَاَهَا أَنْ يَحْتَرِمَ الْخَالِقَ الَّذِي شَرَعَ الْمَنَاهِجَ الْحَيَاتِيَّةَ وَالدِّينِيَّةَ لِكُلِّ مَنْ أَرَادَ أَنْ يَحْيَا حَيَاةَ الْعُبُودِيَّةِ الْخَالِصَةِ لَهُ، لَا الْحَيَاةَ الَّتِي تُحَرِّكُهَا الْأَهْوَاءُ وَالْفَلْسَفَاتُ الَّتِي لَا تُلْقِي بِصَاحِبِهَا إِلَّا فِي «عُقَدَةِ الْخَوَاءِ الْعَقَدِيِّ وَالانْحِرَافِ نَحْوَ اللَّا دِينِيِّ أَوْ كَمَا يَحْلُوُ لهم أَنْ يُلَقِّبُوهُ» وَهُوَ الَّذِي بُلِيَ بِهِ كُلُّ الْمُلْحِدِينَ وَالْكَافِرِينَ، وَبَعْضُ الْمُعَلِّقِينَ مَا بَيْنَ بَيْنَهُمْ، وَبَعْضُ الَّذِينَ أسْلَمَ أَجُدَادُهُمْ وَفِي قَلُوبِهِمْ مَرَضٌ عُضَالٌ، قَدْ تَنَاثَرَتْ بَقَايَاهُ مُنْذُ الأَذَلِ الْقَدِيمِ، لِتَصِلَ إِلَى الذُّرِّيَةِ الْبَغيضَةِ مِنَ الْأَحْفَادِ الْأَوْغَادِ الَّذِينَ يَظْهَرُونَ لَنَا فِي كُلِّ وَقْتٍ، وَكَأَنَّهُمْ عَادُوا مِنْ بَقَايَا عَادٍ الَّذِينَ كَذَّبُوا وَمَاتُوا وَهُمْ يَكْذِبُونَ، وَتَرَكُوا مُحَاكَاةَ ذَوِيهِمْ، رَغْمِ طُولِ السِّنِينَ وَالْمَسَافَاتِ البُعَادِ!

ونَتْرُكُ لهُمْ آيَاتِ اللهِ الَّتِي يُفَسِّرُونَها تَفْسِيرًا يَلْقَي هَوَاهُمْ حِينَمَا تَكُونُ المَصْلَحَةُ الشَّخْصِيَّةُ، أَوْ حِينَمَا يَهْوَاهَا شَيْطَانُهُمْ الأَكْبَرُ هُوزَا أَوْ بُوذَا، ونَسَوْا قَوْلَ اللهِ تَعَالَى: ﴿أَفَغَيْرَ دِينِ اللَّـهِ يَبْغُونَ وَلَهُ أَسْلَمَ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ طَوْعًا وَكَرْهًا وَإِلَيْهِ يُرْجَعُونَ (٨٣) قُلْ آمَنَّا بِاللَّـهِ وَمَا أُنزِلَ عَلَيْنَا وَمَا أُنزِلَ عَلَىٰ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطِ وَمَا أُوتِيَ مُوسَىٰ وَعِيسَىٰ وَالنَّبِيُّونَ مِن رَّبِّهِمْ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِّنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ (٨٤) وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ (٨٥)﴾ [آل عمران: 83 : 85]. وقَالَ تَعَالَى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ آمِنُوا بِمَا نَزَّلْنَا مُصَدِّقًا لِّمَا مَعَكُم مِّن قَبْلِ أَن نَّطْمِسَ وُجُوهًا فَنَرُدَّهَا عَلَىٰ أَدْبَارِهَا أَوْ نَلْعَنَهُمْ كَمَا لَعَنَّا أَصْحَابَ السَّبْتِ وَكَانَ أَمْرُ اللَّـهِ مَفْعُولًا (٤٧)﴾ [ النساء: 47]. وقَالَ تَعَالَى:﴿ الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإسلام دِينًا﴾ [المائدة: 3]. وَغَيْرَ ذَلِكَ مَنِ الآيَاتِ الَّتِي تَدُلُّ عَلَى أَنَّ اللهَ تَعَالَى لَا يَقْبَلُ غَيْرَ هَذَا الدِّينِ مِنْ أحَدٍ مَهْمَا كَانَ، وَأَنَّ اللهَ تَعَالَى دَعَا أهْلَ الْكِتَابِ إِلَى ذَلِكَ، وَكَانَ لِزَامًا عَلَى كُلِّ مَنْ يَعْتَنِقُ شَرِيعَةً غَيْرَ شَرِيعَةِ الْإِسْلَامِ أَنَّ يَتْرُكَهَا لِيَدْخُلَ فِي شَرِيعَةِ الْإِسْلَامِ، الَّذِي جُعَلٍ لِكُلِّ النَّاسِ، وَمَنْ لَمْ يَفْعَلْ غَيْرَ ذَلِكَ مِنْهُمْ، فَهُوَ مِنْ أهْلِ الْكُفْرِ الَّذِي يُدْخِلُ صَاحِبَهُ النَّار،َ وَلَا مُجَامَلَةً لِأَيِّ أحَدٍ مِنْهُمْ فِي دِينِ اللهِ، وَمَنْ يَقُولُ لهم: غَيْرَ ذَلِكَ مِنْ مَشَايِخِ الْمَصَالِحِ، فَهُوَ مُنَافِقٌ وَدَجَّالٌ، وَيُجَامِلُ بِدَيْنِ اللهِ.

وسوم: العدد 970