شهر شباط في سِجِلّ العصابات الأسدية

منذ أكثر من نصف قرن، ابتُلِيَت سورية بنظامها الفاجر الجائر الذي ما يزال جاثماً فوق صدرها، كاتماً أنفاسها بكل وسائل القمع والاضطهاد، حتى استغاث إنسانها، وشجرها، وحجرها.. من هذه العصابة القمعيّة، التي ملأت الأرض السورية جَوْراً وقهراً وفساداً وظلماً!..

لو دقّقنا النظر في تاريخ هذا العصابة وممارساتها، لما وجدنا يوماً أبيض خلال تاريخ تسلّطها الطويل على رقاب شعبنا، وهل يمكن لوطنٍ تحكمه عصابة طائفية ديكتاتورية فاسدة، أن يمرّ عليه يوم أبيض؟!.. فخلف كل حجرٍ مأساة، ووراء كل حدثٍ مصيبة، وأمام كل بيتٍ قصة حزينة تَدمى لها القلوب الحية!.. فالعصابة المتسلّطة التي لا يرفّ لها جفن، لم تدمّر الإنسان السوريّ فحسب، بل دمّرت كل أركان الحياة: الاقتصادية والسياسية والتربوية والثقافية والأخلاقية والتعليمية والأمنية!..

في هذه الأيام التي نودّع فيها شهر شباط، تؤلمنا مُراجعة التاريخ المظلم لهذه العصابة المجرمة، وكل تاريخها مظلم حالك السواد، إذ يكاد لا يخلو يوم شباطيّ من ذكرى ممارسةٍ إجراميةٍ مدمِّرةٍ للوطن والشعب، في ظلّ حكمٍ طائفيٍّ أرعن.. فإذا اقتصرنا على الأسبوع الأخير لهذا الشهر.. فسنعثر على حزمةٍ من الذكريات المرّة، التي تُعبّر خير تعبيرٍ عن الوجه الحقيقيّ لحكّام سورية، سافراً بلا قناعٍ خادع:

- فقد قامت السلطات السورية بتسريح مئةٍ وتسعين مدرّساً ومعلّماً من مختلف المحافظات السورية في (22 شباط 1980م)، لتصنيفهم من الإسلاميين المعارضين للنظام الحاكم، المعادين لما يسمى بثورة البعث التقدّمية!..

- ووقع الانقلاب العسكريّ ضد الرئيس السوريّ الأسبق (أمين الحافظ) في (23 شباط 1966م)، وهو الانقلاب الثاني الدمويّ الذي يقوم به البعثيون حتى ذلك الوقت، والأول الذي ينقلبون فيه بعضهم على بعض، وبعد هذا الانقلاب عُيِّنَ الضابط (حافظ الأسد) وزيراً للدفاع، بعد ترفيعه ترفيعاتٍ دراماتيكية!..

- ووقعت محاولة لاغتيال رئيس وزراء الأردن الأسبق السيد (مضر بدران) في عمّان بتاريخ (24 شباط 1981م)، نُفِّذَت في العاصمة الأردنية من قِبَلِ عناصر عسكريةٍ وأمنيةٍ تابعةٍ للعصابة السورية الحاكمة.. ونشرت الصحف الأردنية اعترافات مجموعة المشاركين بمحاولة الاغتيال الفاشلة في (26 شباط 1981م)، وكانت تلك المجموعة -حسب الاعترافات- إحدى مجموعات القتل التي اشتركت بارتكاب (مجزرة سجن تدمر) الصحراويّ، التي راح ضحيّتها ما يزيد عن ألف مواطنٍ سوريٍ من مختلف الكفاءات العلمية والأكاديمية والمهنية والحرفية!..

- ومَنحَ وزيرُ الدفاع (حافظ الأسد)، المنقلب على رفاقه الحكّام (برئاسة الرئيس نور الدين الأتاسي).. منح نفسَه صلاحيات رئيس الجمهورية في (25 شباط 1971م).

- وأصدر (حافظ الأسد) المرسومَ الجمهوريَّ رقم (385)، القاضي بالعفو عن ثلاثةٍ وعشرين جاسوساً يعملون لصالح الكيان الصهيونيّ، في (25 شباط 1974م)، ليتفرّغ بعدها لرفع وتيرة قَهر الشعب السوريّ، وزَجّ عشرات الآلاف من أبناء شعبنا والشعوب العربية في السجون والمعتقلات!..

- واقترفت العصابة جريمة تصفية أكثر من ألفَيْن وخمس مئة شابٍ حمويٍ في الملعب البلديّ بحماة، بتاريخ (27 شباط 1982م)، وذلك أثناء الأحداث والمواجهات بين قوات العصابة وأهل المدينة، التي استمرت قرابة الشهر!..

- واندلعت مواجهات داخلية في دمشق، بين قوات الجيش السوريّ وقوات سرايا الدفاع التابعة لرئيسها (رفعت الأسد)، شقيق رئيس النظام الذي كان قد دخل في غيبوبةٍ إثر نوبةٍ قلبيةٍ حادة، إذ قام الشقيق (رفعت) بمحاولةٍ للانقضاض عسكرياً على الحكم في (27 شباط 1984م)، ووضع دمشق العاصمة بأهلها وسكّانها تحت مرمى طائرات السرايا وراجمات صواريخها.. ومدفعيتها ودبّاباتها!..

- واجتمعت القيادة القطرية لحزب البعث الحاكم في (29 شباط 1984م)، لإيجاد مَخرجٍ للأزمة التي تحوّلت إلى صراعٍ مسلَّحٍ على السلطة، بين رئيس العصابة (حافظ أسد)، وشقيقه (رفعت أسد) قائد سرايا الدفاع، ذلك الصراع العسكريّ الذي بدأت بوادره تشير إلى إبادة الأخضر واليابس في الشام الأبيّة!..

*     *     *

في شهر شباط، وقعت وقائع في سورية يندى لها الجبين، ولعل أشدّها ما وقع في الأسبوع الأخير منه.. فإذا أضفنا إليها ارتكاب جريمة مجزرة حماة الكبرى، التي أودت بحياة أربعين ألفاً من أطفال حماة ونسائها ورجالها وخيرة شبابها (استمرت شهراً كاملاً بدءاً من 2 شباط 1982م).. فضلاً عن ارتكاب جريمة اغتيال الرئيس (رفيق الحريري) رحمه الله في (14 شباط 2005م).. فإنّ صورة هذه العصابة الدكتاتوريّة، تتّضح بجلاءٍ تامٍ عبر عشرات السنين من هذه الحقبة السوداء في تاريخ سورية، ترجمت حُلكَتها صراعات مدمِّرة، وقتل، وإقصاء، وانقلابات عسكرية دموية للرفاق على الرفاق، وتواطؤ مع الجواسيس الصهاينة، ومجازر جماعية، واستئثار بالحكم على حساب معظم فئات الشعب، وتآمر لاغتيال شخصياتٍ مرموقةٍ في دول الجوار!.. فأي نظامٍ مجرمٍ إرهابيٍ هذا النظام؟!.. وأي ذكرياتٍ مُرّةٍ يمكن للإنسان السوريّ أن يتذكّر؟!.. وأي تاريخٍ مُخزٍ.. هو تاريخ هذه العصابات الحاكمة المتسلّطة على رقاب شعبنا منذ أكثر من خمسة عقود؟!..

وسوم: العدد 970