الحرب الدائرة في أوكرانيا تؤكد ما جاء في كتاب " رأسمالية الكوارث" لمؤلفه أنتوني لوينشتاين

سبق أن نشرت مقالا عن هذا الكتاب، وهو للصحفي الأسترالي المتجول أنتوني لوينشتاين ،وعنوانه الكامل هو " رأسمالية الكوارث كيف تجني الحكومات والشركات العالمية أرباحا طائلة من ويلات الحروب ومصائب البشرية ؟ "  وقد ترجمه من اللغة الإنجليزية إلى العربية الكاتب المصري أحمد عبد الحميد ، ونشرته مجلة عالم المعرفة الكويتية قبل ثلاثة شهور من حلول جائحة كورونا.

ولقد ورد فيه أن حكومات الدول العظمى  والشركات العالمية الكبرى فيها تتاجر بمصائب البشرية حروبا وأوبئة ، وقد ذكر من هذه الأخيرة  وباء السارس ، ولو تأخر هذا المؤلف عن الظهور لما تردد صاحبه في ذكر وباء كوفيد 19 أيضا .

ودون تكرار ما جاء في المقال السابق ، سنقف عند الحرب الدائرة حاليا في أوكرانيا ، وقد تجلت فيها بكل  وضوح متاجرة القوى العظمى بكارثتها التي حلت محل المتاجرة بجائحة كورونا قياسا على ما صرح به لوبنشتاين من متاجرة بجائحة السارس من قبل  .ومعلوم أن  الهدف من هذه المتاجرة  هو تحصيل الأرباح الطائلة التي ترومها الرأسمالية المتوحشة ، وهي بذلك  لا تبالي بمصائب البشرية  وآلامها.

وليس من المبالغة أن تعتبر هذه الحرب في أوكرانيا حربا عالمية اثالثة  بكل المقاييس لأنها لا تختلف عن الأولى والثانية  إلا من حيث  الساحة التي تدور فيها والتي هي أقل من حيزهما ،ولكنها لا تختلف عنهما من حيث مضاعفتهما وقد مست اقتصاد دول العالم بأسرها ، وأحدثت موجة غلاء في الأسعار غير مسبوقة  على أوسع نطاق في المعمور ، وهو ما تريده الرأسمالية المتوحشة لجني الأرباح الطائلة والفاحشة على حساب بؤس البشرية خصوص  الشعوب الفقيرة في أفقر القارات ،وهي إفريقيا مع أنها أغناها من حيث الموارد والمقدرات التي  لا تتصرف فيها  شعوبها بل تسيطر عليها هذه الرأسمالية المتوحشة .

ومعلوم أن هذه الرأسمالية الضارية  في متاجرتها بمصائب البشرية  تعتمد على أسلوب الذرائع الكاذبة  لتبرير  ما تشعله من حروب أو ما تنشره من أوبئة ،وكأن تلك الحروب وتلك الأوبئة قدر لا مفر منه، وكأنها ليست من تدبيرها وتخطيطها . ولقد تناقلت وسائل التواصل الاجتماعي مؤخرا  فيديوهات تشير بأصابع الاتهام إليها ، وتحملها مسؤولية قدح زناد هذه الحرب العبثية التي توظف لرفع أسعار مختلف  سلع  الاستهلاكية ، والزيادة في إفقار الشعوب الفقيرة أو بتعبير أدق المفقّرة ، ولا يعلم أي مدى ستصله موجة الغلاء هذه والتي صار مؤشرها في ارتفاع مستمر مع حلول فجر كل يوم جديد .

ومع ارتفاع موجة الغلاء هذه لا يوجد  في جعب حكومات الدول الفقيرة شيء من إجراءات وقائية منها لتجنيب شعوبها كارثة مجاعة قاتلة لا قدر الله . ولقد باتت هذه الشعوب البائسة تشعر بأن وضعها مع دول الرأسمالية المتوحشة كوضع الأيتام في مأدبة اللئام حسب التعبير المأثور عن القائد المسلم  طارق بن زياد رحمه الله تعالى في خطبته الشهيرة ،وهو يفتح بلاد الأندلس زمن العز  والبطولة.

وإذا كانت حكومات الدول الفقيرة لا إجراءات وقائية لديها ، فعلى شعوبها أن تواجه موجة الغلاء بما يعكس مراد الرأسمالية المتوحشة ،  ذلك بألا تنساق وراءها أو تنخرط فيها خصوصا الشعوب المسلمة ، وقد أكرمها الله تعالى بنعمة شهر الصيام الذي من المفروض أن توجه خلاله ضربة موجعة لمن يقفون وراء موجة الغلاء  المفتعلة عوض أن تكرس العادة السلبية التي تجعل من هذا الشهر الفضيل شهر مبالغة في الاستهلاك ، وهو شهر صيام ، وقد جعله الله تعالى شهر اقتصاد بامتياز لمن يدرك مغزى عبادة الصيام .

ومع إدانة هذه الحرب العبثية في أوكرانيا بشدة ، والتنديد بها، وبما تريده من ورائها الرأسمالية المتوحشة ، نردد قول الله تعالى : (( استكبارا في الأرض ومكر السيىء ولا يحيق المكر السيىء بأهله فهل ينظرون إلا سنة الأولين فلن تجد لسنة الله تبديلا ولن تجد لسنة الله تحويلا )) صدق الله العظيم .