نستمعُ القولَ فنتبعُ أحسنه .. والبحث عن الجوامع والمشتركات والتمسك بها والدفاع عنها منهجنا

(الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ ۚ أُولَٰئِكَ الَّذِينَ هَدَاهُمُ اللَّهُ ۖ وَأُولَٰئِكَ هُمْ أُولُو الْأَلْبَابِ)

قال أصحاب التفسير: الذين يستمعون القول: كلُّ قول. فيميزون صحيحه من باطله، ويتمسكون بالأول وينفون الثاني. وقالوا: وختم بوصفهم بأنهم أولو الألباب، أن الذين لا يجرون على هذه الطريقة ليسوا من أولو الألباب...

وعلى الذين يسعون إلى عزل الفرد المسلم، والمجتمع المسلم، في قصور أوهامهم أن يكفوا فقد غالوا وأوغلوا وآذوا وبالغوا. ونحن أولي الألباب نستمع إلى كل قول من كل قائل، ونميز الحق من الباطل فيه، فنمسّك بالأول ونعرض عن الثاني، أو نرده بما نستطيع. وقولوا لأهل اللجاجة واللدد أن يكفوا...

ولنا- نحن المسلمين- من كل بستان أجملُ ما فيه. نتمسك به، قيمة، وشُعبة من حق تستحق، وعلى أهل الحق حمايتها، ونتمسك به رابطة ووشيجة ومدخلا للأنس والاستئناس والتعارف البشري، الذي هو قوام الحضارات. ولو كان في الثوب عروة من رشاد فأهل الرشاد أولى بحمايتها، حتى لا يكون الثوب بدون..

وفي كتاب ربنا العزيز أيضا (وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُم بِبَعْضٍ لَّهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ) ففصل وشارك وأجمل ووحد الحكم في التنويه بالحفاظ. 

وفي تراثنا الفقهي "على المسلمين أن يدفعوا عن متعبدات أهل الكتاب بأنفسهم" يعني ببذل أنفسهم – لو اقتضى الأمر - لحمايتها. ويأتيك أرعن يستهدف كنيسا أو كنيسة ويظن أنه ...!!

وفي تراثنا الفقهي "إن الله يحب أن يُذكر ولو من كافر" وانظر "ابن القيم في أحكام الذميين" وتضيق عقول وقلوب في القرن الخامس عشر عن إدراك شأو ابن القيم من القرن السابع ،فكيف ندرك  وما أورده ابن القيم ؟؟؟

وفي كتاب ربنا- سورة العنكبوت الآية / 46

(وَلَا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ ۖ وَقُولُوا آمَنَّا بِالَّذِي أُنزِلَ إِلَيْنَا وَأُنزِلَ إِلَيْكُمْ وَإِلَٰهُنَا وَإِلَٰهُكُمْ وَاحِدٌ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ).  

وكم قيل في هذه الآية من أقوال. وهي أصل في بناء الحياة المشتركة على المشتركات، ليس فقط مع أهل الكتاب، بل مع كل الناس كما قال أهل التحقيق..

وقد قال الأقوام في هذه الآية فأكثروا،

فقال قوم: هي آية منسوخة نسختها آية السيف. الآية التي حملت سيفا على كل دعوة للخير وردت في القرآن الكريم!!

وقال قوم : هي محكمة، أي أن العمل بمنطوقها ومفهومها ماض إلى يوم الدين!!

واختلف الذين قالوا بأنها محكمة ، فقال بعض على وجه المصادرة على المنطوق والمفهوم : وأيُّ أهل الكتاب لم يظلم، وبعضهم يقول عزيرٌ ابن الله، وبعضهم يقول المسيح ابن الله؟؟!! وإنما المقصود بالآية- على قولهم-  الذين أسلموا من أهل الكتاب، فهؤلاء: تجادلونهم بالتي هي أحسن، وإذا أخبروكم عن شيء مما في كتبهم تقولون على الإجمال: آمنا بالذي أنزل إلينا وأنزل إليكم؛ ولا ندري كيف نطلق على قوم أسلموا "أهل كتاب؟؟"

وقال بعضٌ وأصابوا: بل المقصود كلُّ أهل الكتاب على ما هم فيه من عقائد، وقولُه -إلا الذين ظلموا منهم- يعني بالعدوان المباشر عليكم ومبادرتكم بالعدوان فردوا عدوانهم.

وقال بعض ثالث أو رابع : بالتي هي أحسن، وهناك حسن وهناك أحسن، والثاني هو المأمور به في جدال الناس. وتأمل ما نحن فيه.

وقال بعضهم: وإن قالوا – أي أهل الكتاب - هُجرا فقولوا عدلا وحُسنا.. فأحسن وأجمل ..

وقال بعض خامس أو سادس: والآية ليست فقط في جدال أهل الكتاب، وإنما في جدال كل مخالف في أمري الدين والدنيا، تحددون معه، نقاط الاتفاق مدخلا، ثم نقاط الاختلاف، وتحررون محل النزاع وتدققونه، وتضيقونه، وتستعملون أعذب لسان في دفع باطل ونصرة حق. ذلك بأن الإسلام: دين دعوة يجمع ويؤلف ، والمسلم: داعية يدعو وليس داعاً يدِعُّ. وتذكر (يَوْمَ يُدَعُّونَ إِلَىٰ نَارِ جَهَنَّمَ دَعًّا) وبعض الدعاة يدعون إلى الإسلام، وبعض الأدعياء يدّعون عن الإسلام دعا...

وتذكر: والله يدعو إلى دار السلام . دعوة مفتوحة يوجهها الله إلى كل من بلغته الدعوة. الداعي هو الله. والمدعو إليه هو دار السلام في الدنيا والآخرة، والمدعو هو الإنسان. دار السلام مفهوم عام وليست كما يصنفون دار حرب أو دار عهد أو دار ..

أطلت في نقل تفسير الآية لأبين كيف تختلف مدارج العقول، والمورد واحد..

وابتلي المسلمون، بقوم دأبُهم قطعُ الوشائج، وطمسُ المشتركات، ونكرانُها، تحت مسميات من زخرف القول "التميز" و "النقاء" و "الاستعلاء" و "المفاصلة". وإذا كان دعوة الإسلام لم تشرع بناء الصوامع الفردية للأفراد، الذين يظنون أن بإمكانهم الاعتزال لعبادة الله، فإن نفرا من الناس ما زالوا يظنون أنهم يستطيعون أن يبنوا الصوامع للمجتمعات، وخصوصا للمجتمعات المسلمة، صوامع جماعية، تنفرد فيها الملايين، وتعتزل، وتُضرب فيها على الناس القباب، والأسوار من وهم ومن حديد، وتنادي على أهل الأرض "لسنا منكم في شيء" !! أفكار بعضها ينسل من بعض ، كينونة في صحراء أو جبال تورا بورا، أو دولة في قلب كهف تيمنا بذكر أصحاب الكهف أو ربما في جوف حوت!!

وإذا كان صريح القرآن ينص على أن الله يدعو إلى دار السلام بكل آفاق السلام، فكيف تدعو أيها الدعيّ إلى غيرها من دار.

وكلما سمع واحد من هؤلاء الدّاعين بقول أو بعنوان أو فكرة أو مبدأ صاح والجبين مقطب: لا مساس ..والشرق شرق، والغرب غرب...

وربنا يأمرنا أن نعقل ونسمع ونبحث (الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ)  في دين أهل الكتاب وفي غيره نبحث عن المشترك، فنمسّك به، ثم نحسن في الحوار حول المختلف..

ولم يكن من منهج المسلم الحق، ولن يكون إلا أنه إذا عُرض عليه قول بحث لعل وجها من وجوه الحق أو الرشد أو المصلحة فيه..!! لا كيف ننقضه ونضرب به وجه قائله!! لعلكم تعقلون.

ولنا في كل قول وعنوان أجمل ما فيه..

ونعود إلى هذا.. والمسلمون يعيشون في حال لا يُنكر توصيفه، ومعرفة مدخلاته ومخرجاته، وضروراته وحاجاته وتحسيناته ثم نجد لا مباليا يتكئ على أريكته وينبذ إلى كل من خالفه ولو في عود آراك على سواء، اليوم والمسلمون يذبحون ويستأصلون ويبادون، ويخرج على الناس من ظنوه منهم، وظنوا أنفسهم منه؛ ويقول: حتى تشربوا من حيث أشرب، وتضعوا شفاهكم حيث وضعت شفتي!!

ولن ينجح لنا طِلبٌ ولن نحقق هدفا ولا غاية، حتى نستقبل كل ما يُلقى إلينا بعقل شرعي متثبت، يعرف ما يأخذ وما يدع.. وفي كل أقوال البشر، ومواثيق البشر، ودعوات البشر، كلام نعرف فيه وننكر، فنعرف الذي نعرف ونعقد عليه، وننكر الذي ننكر فنقومه ونستدركه أو نرفضه..

وتوفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يقول: اتقوا الله في الضعيفين المرأة واليتيم...فمهما دعينا إلى مواثيق في دار ابن جدعان تحمي حقوق المستضعفَين بالحق أجبنا بقدر ما في الدعوة من الحق ونأبى ما دون الحق,,,

وأرسل رسول الله صلى الله عليه وسلم (رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ) ويكون من أكبر جهدنا أن نبين تقاسيم هذه الرحمة في وجه الشريعة الوضاح، ومن حدثك عن الإنسانية فحدثه عن شريعة تتوعد بالعذاب من حبس قطة، وعن رسول يميل الإناء لقطة حتى تشرب، وعنه وهو يغضب لأجل فاختة انتزع منها فراخها ويأمر ويقول "من فجع هذه بفراخها ؟؟ ردوا على هذه فراخها"

وعندنا من الأنسنة  واللبرللة والعلمنة والأنسنة والديموقراطية والحداثة والجماعية والفردية والوجودية والعملية والتاريخانية أجمل ما فيها من حق.. ولنا من كل قول أحسنه وأصدقه وأعذبه وننفي عن أنفسنا وعن ديننا العثار والغبار..

وكذا نكون شركاء في كل خير، نؤكد وجودنا في كل ميدان. أما منطق إليكَ عني.. ووراءَ وراءَ. ولا مساس ، وإنني أنا الأعلى ..وأنتم أيها الناس جميعا الدون!! وتوهم المجتمع الذي يعيش على رأس دبوس يرتفع فوق رقاب الناس على قمة موهومة شاهقة ولكن في أسفل سافلين...!! القرية المعولمة، والأرض الكفات، والدعوة إلى أحسن القول واتباعه من حيث جاء منهجنا.

*مدير مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية