هل كتب الصحاح كتب فقه لغير الفقهاء ؟؟؟حديث" النامصة والمتنمصة" أنموذجا ..

في فقهنا - أتباعَ المذاهب - أن المحدثين جزاهم الله خيرا، , وجزل مثوبتهم على ما قدموا للإسلام والمسلمين، هم حملة الفقه. وفي فقهنا "أن رب حامل فقه ليس بفقيه" وأن "رب حامل فقه إلى من هو أفقه منه"

وفي فقهنا أننا ما زلنا ندعو إلى تلاوة القرآن تعبدا وتبركا وطلبا لإشراقاته على الروح والعقل والقلب، وما زال علماء الإسلام يطالبون المسلم إذا نزلت به الواقعة تهمه من أمر دينه أن يرجع في أمره إلى الفقيه الذي يثق بدينه وعلمه وعقله.وأن لا ينتزع حكما مما قرأ في كتاب الله، وهو لا يعلم كثيرا من العلم الذي يعينه على الاستنباط من هذا الكتاب الحكيم.

وكذا نقول في أمر قراءة صحاح حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم...

نقرأ حديثه صلى الله عليه وسلم تبركا وتنورا وطلبا للحكمة، والتماسا للأدب العالي، والوصايا القويمة الجميلة، فإذا صرنا إلى الفقه وأبوابه، وإلى أبواب الحلال والحرام، الواجب والمندوب والمباح والمكروه والحرام، عدنا إلى الفقيه "التقي العاقل العالم" نسأله ونستفتيه، وهو الذي يتولى الإجابة والتفصيل. وليس تقليلا من شأن المسلم أن يقال: إن مسألة استنباط الحكم من النص مخصوصة بعلم أهل الاستنباط، وهو علم ليس وقفا على خريجي المعاهد الشرعية بالمناسبة، وإنما هو حق مباح متاح لكل من طلب وتعلم..وجمع إلى القلب التقي، العقلَ الزكي، وأحاط إحاطة فقه بالنصوص والقواعد.

نقول أولا : إن كتب الصحاح وإن سلمنا بصحة جملتها، وحكمنا بصحة آحاد أسانيدها الصحيحة منها: ليست كتب فقه لغير الفقيه، ولا هي مرجع لمستفتٍ يفتي نفسه ويقول: قرأت في صحيح البخاري، قرأت في صحيح مسلم، رحم الله البخاري ومسلما، وبالتالي فلا يرهقن امرؤ نفسه، في تتبع ما يشكل عليه من أمور الدين والحياة. ونقرأ كتب الصحاح التماسا للحكمة والهدى والنور الذي فيها ونصلي ونسلم على سيدنا رسول الله وعلى آله وصحبه وتابعيه..

ونقول ثانيا- ونحن نتمسك بالحديث الصحيح جملة وأفرادا، ونوقر رواته وحامليه، ونجزّيهم خيرا على كل ما قدموا للإسلام والمسلمين، ما كل ما ورد في الصحاح من نصوص، كان عليه العمل في فقه الفقهاء والأئمة المجتهدين. فحامل العلم حمل واجتهد وأفاد، وجاء الفقيه فاستنبط ووضح، ووضع النص في إطاره وسياقه، غالبا استعمالا وأحيانا إهمالا ،فأفتى بغير ما في الصحيح، ليس طعنا في الصحيح ولا تقليلا من شأنه بل لأن هذه المهمة - الاستنباط- هي مهمة محكمة متكاملة لها قواعدها وضوابطها ودقائقها ولا يحيط بها إلا العالمون. ولو أبحرت في هذا العلم لوجدت الإمام يروي الرواية ثم يفتي بخلافها، ولا أقول هذا لأفتنك ولا لأشق عليك، وإنما لأقرب الأمر إليك، وأهونه عليك...

وقد تابعنا بالأمس بعض من نحبهم، وندعو الله لهم بالهداية، يوردون حديث البخاري والمروي في أكثر من كتاب من كتب الصحاح في لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم للنامصة والمتنمصة، يستنكرون ويستكبرون ويستنتجون ويستخلصون ويستكبرون، وفي مواقفهم الأخيرة من الشطط، وقلة العلم، بمفهوم الصحيح وفقهه وأثره العام في حياة الأمة، والذي عليه المعول فيما نحن فيه. ولو عادوا إلى طريقة عدول الأمة من فقهائها في التعامل مع هذا الحديث الصحيح وأشباهه لكفوا أنفسهم وكفّوها وكفوا المسلمين شرا عظيمة، وباب فتنة يرومون فتحه، خيارهم يفعل هذا بجهل لا يقدرون أبعاده..!!

حديث سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن سيدنا ابن مسعود أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لعن النامصة والمتنمصة والواصلة والمستوصلة والواشمة والمستوشمة في روايات..جلها من الصحيح.

قال العلماء ومدار اللعن أن ذلك في ذلك العصر كان من شعار الفواجر. وقال آخرون وإنما مدار اللعن على التدليس، أي نتقدم المرأة نفسها لخاطب يريد أن يخطبها بلجاء وهي قرناء..من القَرَن ..

ثم رأيت أنني قد أفيد لو رجعت إلى فقه المذاهب الأربعة فأرى كيف تعاملوا مع هذا الحديث الشريف، وقد استنبطوا منه وطبقوه، فوجدت موقع "إسلام ويب" قد جمع أثارة من علم من آراء هذه المذاهب، ورأيت وراء جمعه جمعا من الأقوال فاكتفيت، فقط لتعلموا أن كتب الحديث الشريف كتب علم وحكمة ونور وأدب وأن الفتوى إنما تستوفى من الفقيه. وإليكم:

فقد جاء في كتاب رد المحتار في الفقه الحنفي: "النَّمْصُ : نَتْفُ الشَّعْرِ وَمِنْهُ الْمِنْمَاصُ الْمِنْقَاشُ. ا هـ وَلَعَلَّهُ مَحْمُولٌ عَلَى مَا إذَا فَعَلَتْهُ لِتَتَزَيَّنَ لِلْأَجَانِبِ ، وَإِلَّا فَلَوْ كَانَ فِي وَجْهِهَا شَعْرٌ يَنْفِرُ زَوْجُهَا عَنْهَا بِسَبَبِهِ ، فَفِي تَحْرِيمِ إزَالَتِهِ بُعْدٌ ، لِأَنَّ الزِّينَةَ لِلنِّسَاءِ مَطْلُوبَةٌ لِلتَّحْسِينِ ، إلَّا أَنْ يُحْمَلَ عَلَى مَا لَا ضَرُورَةَ إلَيْهِ لِمَا فِي نَتْفِهِ بِالْمِنْمَاصِ مِنْ الْإِيذَاءِ" .

وجاء في التاج والإكليل شرح مختصر خليل في الفقه المالكي: "وقال عياض: روي عن عائشة رخصة في جواز النمص وحف المرأة جبينها لزوجها، وقالت أميطي عنك الأذى"

وفي حاشية العدوي على كفاية الطالب الرباني شرح الرسالة في الفقه المالكي: "المُتَنَمِّصَةٍ وَهِيَ التي تَنْتِفُ الشعر ( شعر ) الْحَاجِبِ حتى يَصِيرَ دَقِيقًا حَسَنًا وَالنَّهْيُ مَحْمُولٌ على الْمَرْأَةِ الْمَنْهِيَّةِ عن اسْتِعْمَالِ ما هو زِينَةٌ لها كالمتوفي عنها وَالْمَفْقُودِ زَوْجُهَا فَلَا يُنَافِي ما وَرَدَ عن عَائِشَةَ من جَوَازِ إزَالَةِ الشَّعْرِ من الْحَاجِبِ وَالْوَجْهِ"

وقال النووي- وهو شافعي المذهب- في شرح مسلم: "وأما النامصة بالصاد المهملة فهي التى تزيل الشعر من الوجه، والمتنمصة التى تطلب فعل ذلك بها، وهذا الفعل حرام الا إذا نبتت للمرأة لحية أو شوارب فلا تحرم إزالتها بل يستحب عندنا.. وأما قوله للحسن فمعناه يفعلن ذلك طلبا للحسن، وفيه إشارة إلى أن الحرام هو المفعول لطلب الحسن أما لو احتاجت إليه لعلاج أو عيب ونحوه فلابأس"

وجاء في كتاب الحاوي في الفقه الشافعي: "فَأَمَّا النَّامِصَةُ ، وَالْمُتَنَمِّصَةُ : فَهِيَ الَّتِي تَأْخُذُ الشَّعْرَ مِنْ حَوْلِ الْحَاجِبَيْنِ وَأَعَالِي الْجَبْهَةِ ، وَالنَّهْيُ فِي هَذَا كُلِّهِ عَلَى مَعْنَى النَّهْيِ فِي الْوَاصِلَةِ ، وَالْمُسْتَوْصِلَةِ" وقد ذكر قبل ذلك أنه يحرم للتدليس.. وأنه يجوز لذات الزوج أن تفعله للزينة فقال: "أَنْ تَكُونَ ذَاتَ زَوْجٍ تَفْعَلُ ذَلِكَ لِلزِّينَةِ عِنْدَ زَوْجِهَا ، أَوْ أَمَةً تَفْعَلُ ذَلِكَ لِسَيِّدِهَا ، فَهَذَا غَيْرُ حَرَامٍ لِأَنَّ الْمَرْأَةَ مَأْمُورَةٌ بِأَخْذِ الزِّينَةِ لِزَوْجِهَا مِنَ الْكُحْلِ ، وَالْخِضَابِ ، أَلَا تَرَى إِلَى مَا رُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ : لُعِنَ السَّلْتَاءُ وَالْمَرْهَاءُ فَالسَّلْتَاءُ الَّتِي لَا تَخْتَضِبُ ، وَالْمَرْهَاءُ الَّتِي لَا تَكْتَحِلُ ، يُرِيدُ مَنْ فَعَلَتْ ذَلِكَ كَرَاهَةً لِزَوْجِهَا ، فَأَمَرَهَا بِذَلِكَ زِينَةً لَهُ"

وفي المغني لابن قدامة -وهو حنبلي-: "فأما النامصة فهي التي تنتف الشعر من الوجه، والمتنمصة المنتوف شعرها بأمرها فلا يجوز للخبر، وإن حلق الشعر فلا بأس لأن الخبر إنما ورد في النتف نص على هذا أحمد".

وفي كتاب الإنصاف وكتاب الفروع وهما في الفقه الحنبلي: "ولا بأس بما يحتاج إليه لشد الشعر، وأباح ابن الجوزي النمص وحده وحمل النهي على التدليس، أو أنه شعار الفاجرات. وفي الغنية وجه يجوز النمص بطلب الزوج، ولها حلقه وحفه نص عليهما"

وجاء في الموسوعة الفقهية: "ذَهَبَ الْجُمْهُورُ إلَى أَنَّهُ لاَ يَجُوزُ التَّنَمُّصُ لِغَيْرِ الْمُتَزَوِّجَةِ ، وَأَجَازَ بَعْضُهُمْ لِغَيْرِ الْمُتَزَوِّجَةِ فِعْل ذَلِكَ إِذَا اُحْتِيجَ إِلَيْهِ لِعِلاَجٍ أَوْ عَيْبٍ ، بِشَرْطِ أَنْ لاَ يَكُونَ فِيهِ تَدْلِيسٌ عَلَى الآْخَرِينَ . قَال الْعَدَوِيُّ : وَالنَّهْيُ مَحْمُولٌ عَلَى الْمَرْأَةِ الْمَنْهِيَّةِ عَنِ اسْتِعْمَال مَا هُوَ زِينَةٌ لَهَا ، كَالْمُتَوَفَّى عَنْهَا وَالْمَفْقُودِ زَوْجُهَا . أَمَّا الْمَرْأَةُ الْمُتَزَوِّجَةُ فَيَرَى جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ أَنَّهُ يَجُوزُ لَهَا التَّنَمُّصُ ، إِذَا كَانَ بِإِذْنِ الزَّوْجِ ، أَوْ دَلَّتْ قَرِينَةٌ عَلَى ذَلِكَ ؛ لأِنَّهُ مِنَ الزِّينَةِ ، وَالزِّينَةُ مَطْلُوبَةٌ لِلتَّحْصِينِ ، وَالْمَرْأَةُ مَأْمُورَةٌ بِهَا شَرْعًا لِزَوْجِهَا . وَدَلِيلُهُمْ مَا رَوَتْهُ بَكْرَةُ بِنْتُ عُقْبَةَ أَنَّهَا سَأَلَتْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا عَنِ الْحِفَافِ ، فَقَالَتْ : إِنْ كَانَ لَك زَوْجٌ فَاسْتَطَعْتِ أَنْ تَنْتَزِعِي مُقْلَتَيْك فَتَصْنَعِيهِمَا أَحْسَن مِمَّا هُمَا فَافْعَلِي. صحيح مسلم بشرح النووي "

ونقلت عن ناقل...

وما زال في النفس من فقه الحديث الشريف أشياء نسأل الله أن ييسر لها فقهاء قادرون على الفهم والاستنباط والجهر بكلمة الحق أيضا...

*مدير مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية